المرأة الخارقة في زمن كورونا: خيارات محدودة وأعباء متزايدة
(تنشر هذه المادة بالتعاون والشراكة بين مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات وحكاية ما انحكت ضمن برنامج جندر رادار)
ناز حمي
صغت تعريفي الخاص لإدارة نفسي من الحالة المفاجأة، إذن هي “حرب من نوع جديدة يخوضها العالم أجمع، مسبّبها فيروس مستجد من عائلة كورونا يسمّى ب كوفيد 19 ” covid- 19″، أعلنته منظمة الصحة العالمية كجائحة عالمية، تتطلب الوقاية منه أنماطا حياتية واجتماعية مستجدة، من تنظيف وتعقيم وسياسات عزل اجتماعي، لتفادي انتشاره والحد من ضحاياه الذين تجاوزوا ١٦،٧ مليون إصابة حتى تاريخ ٢٩ يوليو ٢٠٢٠.
هكذا بدأت بالتفاعل مع التغيرات التي طرأت على المجتمع المحيط بي نتيجة فرض حالة حظر التجوال، والتي بدورها خلقت لي مساحات من الوقت للتفكير ببعض التفاصيل والضغوطات اليومية التي أهملتها دوما كإمرأة مستقلة اقتصاديا ومنفصلة عن أهلها في المسكن والجغرافيا، وبحكم الحالة الجديدة بدأت بمراقبة تفاصيل النساء المحيطات بي، وكأن كل النساء اللواتي أختبرهن وأسمع قصصهن في فترة الحجر الصحي هنا في شمالي شرقي سوريا، يمثلن جزءاً من حياتي المرتقبة مستقبلا.
المواجهة الصامتة للوباء: زيادة أعباء العمل المنزلي
في الأيام الأولى للحظر كنت أسترق السمع للجارات المتبادلات أطراف الحديث من شرفات منازلهن، الشرفات التي باتت مسرحا لغسل السجاد ومنبرا لتبادل الأخبار والمعلومات عن الوباء المنتشر عالميا وآليات الحماية منه، جاراتي اللواتي تعوّدن على مشاركة بعضهن تفاصيلهن اليومية في وقفات مستعجلة أو جلسات عصرونية أمام بيوت منازلهن. سمعت إحداهن تقول من بلكون منزلها “ما كان ناقص هالكورونا غير تجينا بوقت التعزيل”، وتكمل حديثها شارحة للجارات السامعات والمتفقات سلفا معها، حول صعوبة القيام بهذه الأعمال السنوية الروتينية في أثناء تواجد كافة أفراد الأسرة في المنزل.
يعد هذا جزءا مقتطعا من حوار يومي تقوم به النساء في حييّ المشابه للكثير من الأحياء السورية، وهن يفضفضن لبعضهن تزايد حرصهن على أعمال التنظيف والتعقيم، وتواتر هذه المهمة المفروضة عدّة مرات خلال النهار الواحد، كإحدى الإجراءات الإحترازية التي طرحتها منظمة الصحة العالمية لمواجهة الوباء، إذ أسمع بين حين وأخر مشاركات جاراتي لبعضهن: “اليوم قريت على الفيس أنو لازم يتعقم البيت مرتين باليوم”، “هلكوا أيدي من ورا الكلور، خايفة نطلع من كورنا بأكزيما بأيدينا”.
تشرح الجارات لبعضهن بمفرداتهن البسيطة المقاربات النسوية للوباء العالمي، وما أدى إليه التوزع التقليدي للأدوار والمسؤوليات المجتمعية ما بين الجنسين في المجتمعات التي تعاني حروبا كبلدهن سوريا، لتحمل المرأة أعباء الرعاية الأسرية للأطفال والزوج وكبار السن وذوي/ ذوات الاحتياجات الخاصة، وتوفير احتياجات الأسرة الغذائية والصحية والاجتماعية والنفسية في ظروف معيشية وإنسانية صعبة ومتفاوتة وفق جغرافيات الصراع السورية المختلفة، مما يجعلهن أكثر عرضة للإصابة والخطر، ويغدون بذلك في مواجهة مباشرة مع حرب الصحة والبقاء.
“ما بعرف كيف بدنا نتعقم ونتغسل ونحنا ما لقيانين مي نضيفة لنشربها”. هذا ما تقوله خالتي المقيمة في مدينة الحسكة التي تعاني من أزمة مياه بسبب قطعها من قبل الفصائل المسلحة التابعة لتركيا، حيث تضطر النساء لحماية أسرهن من الإصابة دون توّفر أبسط مقومات الحماية الشخصية من مياه نظيفة، معقمات، وغيرها.
البقاء في المنزل: تضاعف العمل والمهمات
وفقا للطبعة الثالثة لتقرير منظمةالعمل الدولية ILO(2018) تؤدي النساء 76.2% من إجمالي ساعات عمل الرعاية غير مدفوعة الأجر، أي أكثر بثلاثة أضعاف من الرجال، بما يعني أن النساء عالميا يقمن بثلاثة أضعاف أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر، لترتفع هذه النسبة أكثر مع تطبيق سياسات العزل والتباعد الجسدي المرافقة لجائحة كورونا العالمية.
من خلال متابعتي اليومية لأحاديث الجارات شبه اليومي، والذي بات جزءا من روتيني المكافح لتجاوز أزمة الملل المسيطرة، ومحاولاتي في تحليل خطابهن ومستويات الصعوبات التي تواجهنها في ظلّ تجربة الحظر الممتدة، تبيّن لي تعقد أزمة المواجهة أكثر بالنسبة للنساء العاملات اللواتي انتقلن للعمل من المنزل بعد فرض سياسات العزل، فغياب التقسيم العادل للمهام المنزلية ما بين الجنسين شكل عبئاً إضافياً على الأمهات العاملات لتحقيق الموازنة ما بين إدارة عملهن عن بعد، وتعليم أطفالهن منزلياً، وإدارة متطلبات الأسرة التي باتت كلها مجتمعة طوال الوقت في المنزل، ولاسيما بعد إغلاق المدارس والجامعات ودور حضانة الأطفال.
“ما بعرف ع شو بدي لحق ولا ع شو” كان صوت صديقتي المتزوجة والأم لثلاثة أطفال مضطرباً، وهي تحادثني عبر الهاتف في وقت متأخر من الليل بعد أن نام أطفالها، مخبرة إياي أنه الوقت الأنسب لبعض الهدوء الذي قد تستعيد به طاقتها لتكمل يومها اللاحق. أسألها عن زوجها وتأثير الحجر على علاقتهما، فتقول: “زوجي عم بيحاول يساعدني بضب الولاد بالبيت، وشوية أعمال تانية، بس صاير عصبي ونقاق، يمكن لأنو مو متعود على قعدة البيت، بس المنيح أنو في رجال بلشوا يفهموا أنو شغل النسوان بالبيت مانو رفاهية” .
التعليم المنزلي… من دلف الحرب إلى مزراب الكورونا
لم تقتصر مشاركات جاراتي لبعضهن على الأعباء والأعمال المنزلية المتزايدة في فترة الحجر الصحي، فتوقف المدارس وبقاء الأطفال في المنازل بات هاجسا لهن حول مستقبل أطفالهن التعليمي في ظل توقف المنظومة التعليمية.
جارتي أم لأربع أطفال، أكبرهم يحضّر لشهادة التعليم الأساسي هذا العام، تسأل جاراتها، حول مستقبل أطفالهن قائلة: “عم بيقولوا السنة ما ضل في مدارس، معقول الأولاد يبقوا بلا تعليم؟ يعني ولادنا بالمدرسة والدوام ما كانوا عم يتعلموا شي، بدنا نخليهم يتعلموا بالبيت؟!”.
إن إغلاق المدارس بسبب كوفيد-19 ألحق الضرر بأكثر من مليار ونصف المليار متعلّم موزّعين في 165 بلداً حول العالم، في إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة ( اليونسكو) في أذار ٢٠٢٠. وقد يكون هذا الضرر مؤشرا لخطر حقيقي في البلدان التي تعاني ضعفاً مسبقاً في أنظمتها التعليمية كسوريا، فوفقا لتقديرات اليونيسيف لعام 2019، هناك حوالي 2 مليون طفل بالداخل السوري محرومين من التعليم، وسيكون هذا الرقم في تزايد في ظل انتشار كوفيد-19، وذلك بسبب إغلاق المدارس القليلة الناجية من الدمار، ومكوث الأطفال في منازلهم/ن من دون تعليم، مع عدم توافر الكهرباء وغلاء الأنترنيت كموردين أساسيين للتعليم عن بعد، والذي طرحته الإدارة الذاتية كخطة استجابة سريعة للتعليم المنزلي، مما يحذر من ارتفاع نسبة الأمية بين الفتيات والفتيان، وهذه إحدى الضغوطات التي تزيد من قلق جارتي التي ترسل لي ابنتها لأساعدها في شرح بعض الدروس التي تعجز الأم عن شرحها لها، خوفاً من تراجع مستوى ابنتها التعليمي في حال امتد الحظر المنزلي لشهور. تقول الجارة: “قبل كانت معلمة الخصوصي بتساعدون، بس هلأ ممنوع تجي بسبب الحظر، المناهج صايرة صعبة، وأنا ما عندي المعرفة والقدرة علمون بالبيت، وهالشي بيعملي تأنيب ضمير تجاه مستقبلون إذا طولت هالقصة، لإنو بالأساس التعليم صاير سيء، يعني فوضى وقلة إهتمام”.
على حافة الإنهيار… فقدان العمل
منذ حوالي الشهر أتناول حليباً معبّأ، بعد أن حرمت من الحليب القروي الذي كنت أحصل عليه من “حورية”، وهي إحدى بائعات الحليب المتجولات، اللواتي ينهضن منذ الصباح ويقطعن مسافات قد تكون طويلة أحيانا لتسويق منتوجاتهن في المدينة، مقابل سعر يمثل جلّ اقتصادها اليومي، حيث تقول لنا “مالي وحلالي هالشغلة، الغلة أشتري بيها أكل ولوازم، والباقي يا دوب أخبيه لعازة، مرض، بلاء، الله يسترنا”، لا أعلم إن كانت مدخرات حورية كافية لمواجهة أزمة كورونا الإقتصادية.
توقفت “حورية” عن العمل في ظل حالة حظر التجوال التي فرضتها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا. في كل صباح أتذكر “حورية” والنقاش السريع وبعض النكات التي تمضي بها الوقت معي، وهي تعبّأ لي حصتي من الحليب الطازج. أفكر بها في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة المرافقة لكوفيد-19، كيف تؤمن قوت أطفالها، هي التي أخبرتني ذات صباح حين لاحظت عليها علامات المرض “إحنا إذا ما اشتغلنا يا آنسة ويلادنا يموتون جوع”.
أتذكر “حورية” وزميلاتها وأنا أقرأ توقعات منظمة العمل الدولية بأن تؤدي الجائحة العالمية إلى فقدان ما يقارب 25 مليون وظيفة حول العالم، ومن المرجح أن يلحق الضرر الأكبر بالنساء لافتقارهن للحماية والحقوق الاجتماعية. وبالرغم من أني لم أخسر وظيفتي في الحجر الصحي، ولكن في محيطي الإجتماعي توجد الكثيرات من المتضررات من قرارات إغلاق أغلب الشركات والمصانع والمطاعم التي تشكل النساء نسبة جيدة من اليد العاملة فيها، بفعل سياسات العزل والتباعد، منهن من تمّ تخفيض رواتبهن، أو سرّحن من وظائفهن، مثل جارتي فاطمة الفتاة البالغة من العمر 21 عاما. كانت فاطمة تعمل في إحدى المعامل المصنّعة للشيبس، معيلة أمها المريضة بالسكري براتب لا يغطي متوسط المعيشة في مدينة قامشلو. تقول فاطمة “كنت قول ماراح خلي أمي تحتاج حدا طول ما أنا موجودة معها، واليوم العالم عم تدق بابنا لتتصدق علينا، عم بخجل أمسك من إيد العالم بس مجبورة ومحتاجة وخايفة على أمي المريضة من هالمرض، من عمري 15 وأنا بشتغل بس إذا طولت القصة يمكن أضطر دق بيوت الناس لوفر حق دوا وأكل”.
السياسات المفروضة أثرت بشكل مباشر على طبقة العمال/ات المياومين/ات ضمن القطاعات غير الرسمية، والتي لا تحوي أنظمة الإجازات المدفوعة الأجر، ودون توفر أي ضمانات اقتصادية من الإدارات المحلية، مما شكل تحدياً اقتصادياً لهؤلاء العمال/ العاملات في مواجهة الغلاء المعيشي الناجم عن أزمة الفيروس. تعلق فاطمة على غلاء الأسعار قائلة: “المصاري يلي كنت مخبيتون لشهرين أو تلاتة، خلصوا بشهر، كلشي غلي مع هالحظر، والدوا صار حقو ضعفين”.
يشكل القطاع غير الرسمي نسبة 40% من الاقتصاد السوري وفقا للمركز السوري للأعمال والمؤسسات. هذا يعني أن نسبة عالية من الشعب السوري من النازحين/ات والعاملين/ العاملات بشكل يومي والفقراء وذوي /ذوات الإصابة …إلخ، الذين/اللواتي أفقدتهم/ن الحرب الكثير من قدراتهم/ن، سيفتقدون لمصدر رزقهم/ن اليومي خلال فترة العزل الاجتماعي التي فرضتها الحكومة السورية، ومنهم/ن (أصحاب البسطات، العاملين/ات في المطاعم والمتاجر والفنادق، العاملين/ات في الخدمة المنزلية، جلساء/ جليسات الأطفال وغيرهم…)، حيث يعد هذا مؤشراً لارتفاع نسبة الفقر والبطالة في سوريا. ويشكل هذا المؤشر تهديدا للخالة سعدية التي كانت تعمل جليسة لأطفال النساء العاملات قبل أزمة كورونا، حيث تشرح الخالة سعدية أزمتها الإقتصادية بسبب كورونا، قائلة: “أنا مرة كبيرة، هالشغلة مع تعبها كانت معيشتني مع أبني المعاق بكرامة، شغلي كان ماشي مع دوام النسوان، هنا قعدوا بالبيت وأنا صفيت بلا رزق، البيت بدو مصروف وأبني بدو علاج شهري”.
كما أظهرت جائحة كورونا بأنّ السياسات المالية للحكومات التي تفتقر لعدسات مراعية للمسؤوليات المجتمعية بين الجنسين، تجعل النساء أكثر تضرّراً من الأزمة الاقتصادية المتشكلة بسبب كوفيد-19، مما يزيد من فجوة المساواة الاقتصادية بين النساء والرجال، وهذا ما توضحه خبيرة الاقتصاد في النوع الاجتماعي، كاتيكا روي، في مقابلتها مع موقع NBC NEWS معلقة على الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا على النساء، قائلة “أنّ تحمّل النساء لعبء الركود الاقتصادي ليس بالأمر الجديد، فهم أكثر عرضة بنسبة 30% من الرجال للعيش في الفقر”.
المغيثات لا مغيث لهن: العاملات في القطاع الصحي
في الوقت الذي فرض على العالم التباعد الجسدي والبقاء في المنازل تفادياً لانتشار كورونا، تأهب العاملون/ات في القطاع الصحي لمعركة وجود غير محدّدة المدة، انتقلوا/ن للاستقرار في المشافي ومراكز الرعاية الصحية، معرضين/ات حياتهم/ن لخطر الإصابة بالمرض، الخطر الذي وصفته إحدى الصديقات العاملات في القطاع الصحي بأنه “أشبه بوخز أصبع” مقارنة الخطر الصحي عليها مع الواجب الأخلاقي والإنساني الذي يحتّم عليها العمل في مواجهة وباء عالمي.
حيث تتمثل النساء في قطاع الرعاية الصحية بشكل غير متناسب مع نسبة الرجال في نفس القطاع. وفقا لمنظمة الصحة العالمية تشكل النساء 70% من القوى العاملة في قطاع الرعاية الصحية والاجتماعية في العالم، لكنها غالبا ما تكون أقل تمثيلا في مناصب اتخاذ القرار. ويعود ذلك للتقسيم التقليدي للأدوار الجندرية الذي يربط أعمال الرعاية بالنساء ويصنفها على أنها “مهنة نسائية”، حيث تؤدي هذه الفجوة بين الجنسين في مجال الصحة إلى إغفال احتياجات العاملات الصحيات في الأزمات الإنسانية، وتوفير الوسائل الممكنة لحمايتهن وحماية أسرهن من العدوى في حال إصابتهن، هذا ما طالبت به نسرين (اسم مستعار) مع زميلاتها العاملات في المشفى الوطني التابع للحكومة المركزية في قامشلو “إدارة المشفى حصلت على معدات حماية للعاملين/ات بس ما تم توزيعها علينا نتيجة الفساد، عم نضطر نشتري المعدات ع حسابنا لنحمي حالنا ويلي حوالينا، هالشي مانو متناسب مع رواتبنا القليلة”.
لا تملك السوريات العاملات في المجال الصحي سوى حلول ومعدات سلامة شخصية بدائية لتفادي خطر الإصابة، مقارنة بمواصفات المستلزمات الوقائية العالمية، وذلك في ظل غياب أي تحصينات من قبل دمشق، وحكومة شمال شرق سوريا التي وجهت نداءات استغاثة لمنظمة الصحة العالمية والمنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة من أجل تزويدها بالمعدات اللازمة لمواجهة الجائحة العالمية.
وتشكل هذه المخاوف قلقا للعاملات من نقل الإصابة لأفراد أسرهن، حيث يضطررنّ للقيام بأعمال مضاعفة وغير مدفوعة الأجر في المنزل، من تنظيف وتعليم الأطفال الذين أغلقت مدارسهم، ورعاية المسنين/ات والمرضى، كما توضح نسرين “بخلص مناوبتي بالمشفى مع كل الضغط والإهمال الممارس علينا لروح على البيت وكمل مهامي المنزلية وأنا كلي خوف على سلامة ولادي وأهل بيتي”.
بالإضافة للأعباء الاقتصادية بالنسبة لمحدودات الدخل، حيث تعكس الفجوة بين الجنسين إداريا فروقا واضحة في رواتب العاملين والعاملات في مجال الصحة، وتتابع نسبة كبيرة منهن العمل في ظروف صحية صعبة كونهن معيلات أساسيات لأسرهن في ظل الأزمة الاقتصادية المرافقة لتفشي الوباء، “نحن بين خيارين أحلاهما أمرهما، يا بنوقف شغل ونموت جوع، يا بنكمل وممكن نموت بكورونا بسبب إهمال المشرفين على المشفى” هكذا تصف نسرين خياراتها المحدودة للعمل في ظل جائحة كورونا.
العاملات في القطاع الإغاثي
تلعب سياسة غالبية المنظمات الدولية العاملة في شمال شرق سوريا على نوع من التنميط الوظيفي من خلال تحديدها “الإناث” كموظفات أساسيات ضمن قطاعات الرعاية الصحية والاجتماعية، ولاسيما في مخيمات النزوح التي يعتبرها مراقبون بؤراً لانتشار الفيروس، نتيجة لضعف البنية الصحية في سوريا كما حذر المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية هيدين هالدرسون، في أنقرة، قائلا: “أن الأنظمة الصحية الهشة في سوريا قد لا تملك القدرة على رصد الوباء وصده”، حيث تضطر العاملات في مجال الإغاثة في مخيمات النزوح الداخلي في سوريا لمتابعة أعمالهن في ظل حالة حظر التجوال المفروضة في البلاد، من دون أن تتوفر لهن وسائل الوقاية الكافية ضمن المخيمات المكتظة بالسكان والمفتقرة لسياسات الحماية لمواجهة انتشار الفيروس.
وضحت موظفة خدمة اجتماعية في إحدى المنظمات الدولية العاملة في مخيمات اللاجئين في شمال شرق سوريا، فضلت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية، قائلة: “الجهة يلي بشتغل فيها، المنظمة، ماوقفت الشغل بقطاعي التوعية المجتمعية والصحية متل باقي القطاعات، وبالمقابل سياستها لحمايتنا غير مجدية ضمن المخيم يلي غير محمي أساسا”، حيث تقتصر مستلزمات الحماية المتوفرة لديهم حاليا على الكمامات والكفوف دون توفر مواد كافية للتعقيم المستمر، وهذا ما يعرضهن ويعرض أسرهن للخطر، نظراً لصعوبة تطبيق سياسات التباعد والعزل ضمن المخيم، ويزيدهن قلقا وتوتراً نفسياً، بما قد يؤثر على صحتهن النفسية والمهنية. وأضافت أن أغلب المنظمات الدولية العاملة في المخيم لم تعلن عن خطة الطوارئ لحماية موظفيها في مواجهة انتشار وباء covid-19 في سوريا.
تعتبر موظفة الخدمة الاجتماعية، إنها تعمل في مجال إنساني وواجبها متابعة احتياجات الناس خاصة خلال الأزمات، ف “طبيعة شغلنا الإنساني بيتطلب منا التواجد مع الناس بالأزمات، بس المفروض المنظمة توفر سبل لحمايتنا لنقدر نستمر بالعمل ونحمي حالنا والمستفيدين/ات من خدماتنا”، حيث تستقبل عدة حالات خلال ساعات عملها في المخيم، وفي أغلب الأحيان يكون هناك اختلاط بين المستفيدين/ات ضمن المركز نفسه.
مع إعلان حالة حظر التجوال في سوريا عموما وشمال شرق سوريا خصوصاً، لجأت أغلب المنظمات الدولية والجمعيات المحلية للعمل عن بعد باستثناء العاملة في قطاعي الصحة والإغاثة، وتم الطلب من موظفيهم وموظفاتهم متابعة العمل من المنزل، دون أن تسجل حتى الآن أي حالة تسريح أو اقتطاع رواتب وفقا للمصادر الرسمية في شمال شرق سوريا.
قلب كوفيد-19 العالم لصالح حالة سكون، مؤكدا على أهمية الاستمرار في إعادة تشكيل مفاهيمنا الصحية حول ذواتنا، وليضيء أكثر على العلاقات والأدوار الجندرية والفجوة ما بين الجنسين فيما يتعلق بالأزمات العالمية، وليضعنا نحن النساء في خط الدفاع الأول عالمياً في مواجهة المرض، حيث تتطلب حرب الفيروس المستجد مواجهة على كافة المستويات، الصحية والحكومية والاقتصادية والاجتماعية والتفكير بالتغيرات الناجمة عنها فيما يخص توّزع الأدوار الاجتماعية، وديناميكيات تفاعلها في حياتنا فيما بعد “كورونا” لعالم أكثر عدلا وتوازنا.