درب النساء السوريات نحو المشاركة السياسية … قرار أممي داعم مبني على الكسر والتهميش

زينة البيطار

أقرّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تاريخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2000 قراراً حمل الرقم 1325 والذي جاء تتويجاً جديداً لنضال النساء خاصة في أوقات الحروب والصراعات، وإقراراً عالمياً بأهمية أصواتهنّ وأدوارهنّ في إرساء السلام والأمن في عالم تتنازعه ويلات الصراع.

ورغم صدور القرار عن مجلس الأمن الأممي وما يحمله ذلك من التزام وإلزام لدول العالم، إلا أن التطبيق اصطدم بعوائق لا تعدّ ولا تحصى؛ كل منطقة حسب طبيعة صراعاتها وإشكالياتها، ولم يكن الواقع السوري أقلّ تعقيداً أو أسهل لتطبيق القرار.

مع تعقّد المشهد السوري على أكثر من مستوى؛ التهجير والنزوح والفقدان والوضع الاقتصادي المتردّي، والموت الحاضر بمختلف أشكاله في يوميّات السوريين/ات، مع كل هذا التعقيد لو تناولنا نقاط القرار الأممي المذكور سابقاً لأدركنا أنه يلزم سوريا اليوم أكثر من أي وقت سابق، وأن للنساء السوريات اليوم نافذة تطلّ على المستقبل وأنه لا بدّ لهنّ من فتحها رغم كل الريح التي تعصف بها إغلاقاً محكماً.

ما هو 1325؟

القرار 1325 يركز بشكل أساسي على إشراك المرأة في جميع تدابير حفظ السلام وبنائه وينص على “ضمان زيادة تمثيل المرأة على جميع مستويات صنع القرار في المؤسسات والآليات الوطنية والإقليمية والدولية لمنع الصراعات وإدارتها وحلها”، إضافة إلى زيادة مشاركة المرأة في جميع مستويات صنع القرار في عمليات حل الصراع وإحلال السلام.

كما تناول أيضاً القرار بنوداً تتعلق بحماية المرأة، واتخاذ تدابير خاصة للحيلولة دون الانتهاكات التي تقع في حقها، والعمل على تمكينها.

في واقع الأمر شهدنا في السنوات الأخيرة، سعي المعارضة السياسية السورية إلى زيادة تمثيل المرأة ضمن صفوفها، سواء في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أو في هيئة المفاوضات وأخيراً في اللجنة الدستورية، كل ذلك بدا مبشراً.

بالمقابل ذكرتنا وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً في شهر تموز/ يوليو المنصرم، بواقع مقيت، من خلال مقطع مصور لحادثة قتل راحت ضحيتها طفلة في مدينة الحسكة السورية، والسبب رفضها الزواج من ابن عمها، جريمة تندرج ضمن القانون السوري للأسف تحت اسم “جرائم الشرف” أو جرائم قتل النساء.

هذه الجريمة تم تصويرها ورآها العالم، لكن العديد من أمثالها بكل تفاصيل وحشيتها يشهده السوريون/ات، لتكون النتيجة ذاتها “قتل امرأة أو حتى فتاة ولربما طفلة”، وعوضاً عن قانون يبعد الجاني عن المجتمع ويلقيه في الدرك الأسفل من العار، دائماً يجد مرتكبو جرائم قتل النساء عقوبات مخففة تحرص على استمرار حياة الجاني كما كانت.

واقع النساء بالأرقام

بين هذين المشهدين نضال طويل العمر والكثير مما قدمته النساء السوريات، في شهر آذار/ مارس الماضي 2021 أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً حول واقع المرأة السورية، حيث أشارَ التقرير إلى الانتهاكات الفظيعة المستمرة بحقها منوهاً إلى أن هذه الانتهاكات لم تحظَ بالقدر الكافي من الاهتمام الدولي والأممي، وذلك مقارنة مع الحجم المرعب لكثافة وتنوع أنماط تلك الانتهاكات، بما فيها الانتهاكات الجسيمة والتي بلغ بعضها مستوى الجرائم ضدَّ الإنسانية.

حيث سجل التقرير مقتل ما لا يقل عن 16104 امرأة، وعلى صعيد الاعتقال والإخفاء القسري فإن ما لا يقل عن 9264 امرأة لا يزلنَ قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا. وطبقاً للتقرير فإن ما لا يقل عن 92 امرأة قتلن بسبب التَّعذيب كانت 74 منهن على يد قوات النظام السوري. كما سجل التقرير ما لا يقل عن 11523 حادثة عنف جنسي، ارتكب النظام السوري 8013 منها، بينها 879 حصلت داخل مراكز الاحتجاز، وارتكب تنظيم داعش 3487، في حين أن 11 حادثة عنف جنسي ارتكبتها فصائل في المعارضة المسلحة، و12 كانت على يد قوّات سوريا الديمقراطية. إلا أن الملفت في هذا التقرير هو تطرقه لما تتعرض له المرأة العاملة في الشأن العام سواء في الأنشطة السياسية أو الإعلامية أو الإغاثية، من عنف على أساس الجنس والتضييق عليها لدفعها للتخلي عن عملها. وفي هذا السياق وثق التقرير ما لا يقل عن 67 حادثة اعتداء وترهيب تعرضت لها النساء الناشطات أو العاملات أو المراكز المختصة بالمرأة على خلفية أنشطتهنّ منذ آذار/ مارس 2020 حتى آذار/ مارس 2021، وذلك في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في كل من محافظات إدلب وحلب والرقة والحسكة ودير الزور، والتي تخضع لسيطرة واحدة من القوى التالية: قوات الجيش الوطني/ فصائل المعارضة المسلحة، قوات سوريا الديمقراطية، هيئة تحرير الشام، ولم يتم تضمين مناطق النظام السوري وممارساته في هذا المجال ضمنَ التقرير. وقال التقرير إن هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني وخلايا تابعة لتنظيم داعش استهدفت النساء بشكل تمييزي على خلفية عملهنّ.

هذه المعلومات التي وردت ليست في واقع الأمر إلا غيضاً من فيض، فقد شهد المجتمع السوري مؤخراً على سبيل المثال لا الحصر، تحريضاً واضحاً ومباشراً من قبل إحدى الشخصيات العامة المؤثرة والتي لها العديد من الأتباع والمريدين، هذا التحريض استهدف العاملات في مجال حماية المرأة ودعمها وتمكينها، حيث تم اتهامهنّ بالعمالة للغرب بهدف زعزعة أخلاق المجتمع السوري، وأنهنّ “مجندات من قبل الدوائر الكبرى في الغرب”، يأتي هذا الاتهام وغيره ضمن حملات ممنهجة تستهدف النساء الفاعلات وتعرّض حرفياً “حياتهنّ لخطر الموت”، الأمر الذي قد يدفع ببعض النساء إلى التراجع والانكفاء عوضاً عن تسخير المعرفة التي حصلن عليها والخبرة التي باتت بين أيديهنّ في سبيل تمكين وحماية السوريات.

وسط كل ذلك لا بد من الوقوف أمام من تمكنّ من كسر كل تلك القيود المكبّلة لمسيرة المرأة، ومن خلالهنّ يمكننا التعرف على موقع هذا القرار الأممي الذي على أهميته لا يزال حاضراً غائباً في هذا العالم.

الوجود النسائي في الائتلاف

ربا حبوش نائبة رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وعضوة هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، ترى أن التغيير في واقع المرأة وزيادة حضورها في الحياة السياسية يبدأ من المجتمع قبل كل شيء، فالمطلوب هو إيمان المجتمع بقدرات النساء وكفاءتهنّ. ومن الأسباب التي ترى ربا أن لها تأثيراً على وجود المرأة في العمل السياسي، هو أن الحياة السياسية في سوريا قبل الثورة كانت معدومة تقريباً باستثناء العمل السرّي والذي كان حكراً على بعض النخب ومعظمهم من الرجال.

وقد شهد الائتلاف ما عرف بالتوسعة النسائية، وتعزو ربا سبب زيادة عدد العضوات في الائتلاف إلى زيادة إقبال النساء على العمل السياسي وإيمان عدد من الجهات والمكونات السياسية بدور النساء، إضافة إلى التساؤلات التي طرحها المجتمع الدولي عن سبب قلة تمثيل المرأة في مواقع صنع القرار، هذه الأسباب مجتمعة ساهمت بوجود النساء أكثر من قبل في المواقع السياسية. وتضيف ربا “أستطيع أن أقول أنه خلال السنوات الماضية أثبتت المرأة القدرة الكبيرة على العمل السياسي فالظروف والضغوط التي تعاني منها النساء بالمقارنة مع الرجال أكبر وأكثر، إضافة إلى الصورة النمطية وخضوع المرأة دائماً للتقييم حتى على صعيد حياتها الشخصية”.

وفي الواقع تشهد وسائل التواصل الاجتماعي عادة حملات تنمّر على النساء اللواتي يتمكنّ من الوصول لمواقع في المعارضة أكثر بكثير مما يتعرض له الرجال. وحتى اليوم لا يوجد في صفوف الائتلاف الوطني سوى 8 سيدات من أصل 84 عضو، ورغم قلّة عددهنّ إلا أنهنّ فاعلات حيث إن 3 سيدات هن في الهيئة الرئاسية والسياسية، وسيدة في اللجنة الدستورية وسيدة في هيئة التفاوض وأخيراً سيدة في مكتب المنظمات.

 

اللجنة الدستورية

ديما موسى وهي عضوة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إضافة إلى مشاركتها في اللجنة الدستورية، تقول: بالتأكيد ما زال تمثيل المرأة في الشأن العام السوري لا يرتقي لمستوى دورها في المجتمع وحتى في العمل في مختلف القطاعات، مع ذلك هناك تحسن لا يمكن التقليل من شأنه في هذا الصدد، وتركيز أكبر على تمكين المرأة، وإن كان بطيئاً ولم يصل بعد إلى المستوى المطلوب، وما زال لدينا الكثير من العمل ليكون القبول والتقبل لمشاركة المرأة والوعي الجندري على المستوى المطلوب. وأكدت ديما أن سعي النسويات السوريات كان له دور كبير في زيادة المشاركة السياسية للمرأة السورية، وأن النسويات يعملن على هذا الصعيد وغيره من تمكين النساء السوريّات، لأن هذا حق المرأة التي تشكل نصف المجتمع.

أما عن نسبة وجود المرأة في اللجنة الدستورية، فهي لم تتجاوز ككل الـ 30%، وتضيف ديما أن السبب في تحقيق هذه النسبة هو أن المبعوث الأممي وفريقه عوّضوا النقص في الوجود النسائي ضمن الأطراف السياسية بتسمية عدد أكبر من النساء ضمن مجموعة المجتمع المدني. بحسبة بسيطة في الواقع تشكل النساء نسبة قليلة ضمن مرشحي هيئة التفاوض في اللجنة الدستورية، ففي اللجنة الموسعة يوجد 7 نساء مقابل 50 عضواً أي 14 % فقط، وفي اللجنة المصغرة 2 من أصل 15 أي 13% فقط.

وتشدد ديما أن السبب في زيادة الوجود لا يمكن حصرها بإرادة المجتمع الدولي، بل هو سعي سوري نسوي، وأعطت مثالاً على ذلك دور النسويات في تثبيث الكوتا للمشاركة النسائية في العملية السياسية في بيان مؤتمر الرياض 2. وتضيف “حتى الآن وجود النساء في مراكز صنع القرار لا يزال أقل من الكوتا (30%)، علماً أن الكوتا ليست مطلب المجتمع الدولي فحسب، بل هي مطلب النساء وخاصة النسويات السوريات المهتمات بالشأن العام، وبالرغم من وضع الكوتا وتعهد معظم الأجسام والمؤسسات بتحقيقها، إلا أن معظمهم لم يلتزم بها لا في مراكز صنع القرار ولا حتى في العضوية”.

الحركة السياسية النسوية السورية

في عام 2017 تأسست الحركة السياسية النسوية السورية، وكانت أول جسم نسوي سياسي كما تشير ديما موسى، وترى أن الحركة لها بصمة حقيقية في تعزيز حضور المرأة في العمل السياسي، وقد تمكنت الحركة من استقطاب نساء سوريات من كافة مناطق الداخل السوري إضافة إلى النساء اللواتي يعشن خارج سوريا. وتعمل الحركة السياسية النسوية منذ تأسيسها على التواصل مع الجهات السورية المختلفة وعقد لقاءات مع الجهات الدولية حول مختلف النقاط التي تتعلق بالملف السوري، ومن خلال ذلك تعمل على تعزيز وجود النساء السوريّات في المشهد السياسي.

وترى ديما وهي عضوة في الحركة، أن أحد أهم أنشطة الحركة هي الجلسات التشاورية الوطنية التي تعقد مع مجموعات نسائية في الداخل السوري ودول جوار سوريا، وينتج عنها أوراق سياسية تسلط الضوء على آراء هؤلاء النسوة وتوصياتهنّ حول مختلف المواضيع، خاصة التي لها صلة بالعملية السياسية.

السياسة والمجتمع المدني 

هند قبوات رئيسة منظمة تستقل ومديرة برنامج حلّ النزاعات في جامعة جورج مايسون، تجد أننا أبعد ما نكون كسوريين/ات عن تطبيق القرار 1325 حيث تقول “مساهمة المرأة لا تزال متواضعة ومحدودة”، وبحسب وجهة نظرها  “لولا المجتمع الدولي والمبعوث الأممي السابق إلى سوريا ستفان دي مستورا ما كنا رأينا نساء يجلسن على طاولة المفاوضات”. وأكدت أن أي تقدّم نشهده على المستوى السياسي يرتبط ارتباطاً عضويًا بالمجتمع المدني دون شك، فالمجتمع المدني هو ضمير السياسيين/ات. ومن هنا تأتي أهمية منظمة تستقل بالنسبة للسيدة هند، وهي منظمة تعليمية نسائية بدأت نشاطها في عام 2014، وتركّز على تمكين المرأة سياسياً إضافة إلى فضّ النزاعات وإعداد قياديّات عدا عن ورشات تتعلق بالعدالة الانتقالية والدعم النفسي.

تستقبل المنظمة نساء وفتيات من مختلف المحافظات السورية، وتعمل من خلال عدة مراكز في الداخل السوري وتركيا، وساهمت المنظمة في إيصال الفتيات إلى الدراسة الجامعية من خلال شراكات أقامتها مع عدة جامعات في الداخل السوري وتركيا. وتعتبر هند أن من أهم ما حققته المنظمة هو إيصال رسائل نساء الداخل السوري عبر المنابر الدولية، وفتحت لهنّ الطريق للمشاركة بالعملية السياسية. وأعطت مثالاً على أهمية الدور الذي يؤديه المجتمع المدني والنسائي في توجيه البوصلة السياسية، ما حدث بخصوص معبر باب الهوى الإنساني، حيث قامت النساء بحمل ورود بيضاء وتنفيذ وقفة في إعزاز ريف حلب الشمالي، ضد إغلاق معبر باب الهوى المعبر الوحيد المتبقي للمساعدات الإنسانية. وهذه الوقفة في واقع الأمر كانت ورقة ضغط حقيقية في المفاوضات المتعلقة بالمعبر.

هيئة المرأة السورية

تم مؤخراً الإعلان عن تشكيل هيئة المرأة السورية التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، سندس فلفلة وهي ناشطة في الداخل السوري، تحدثت عن الهيئة ونوهت “أن هيئة المرأة السورية تمتاز عن غيرها من التجمعات النسائية السورية أن نواتها بدأت في الداخل السوري، وأن الهدف منها هو تمكين المرأة وحثها على زيادة مشاركتها وإيصال صوت المرأة السورية ورؤيتها السياسية من قلب الواقع في الداخل السوري”. وتعتقد سندس أن الظهور السياسي للمرأة بدأ بالبروز، لكننا لا نستطيع القول إنها وصلت إلى مراكز صنع القرار، مضيفة “هذا ما نطمح إلى تحقيقه من خلال هيئة المرأة السورية”.

وتتحدث ربا حبوش عن ولادة هيئة المرأة السورية، أنها جاءت نتيجة خطة عمل مكتب المرأة الذي تم استحداثه في الائتلاف في بداية الهيئة الرئاسية السابقة. وتتابع “قمنا بعشرات اللقاءات والتواصلات والورشات والندوات وقمنا بتواصل وتشبيك مع النساء في المناطق المحررة لأنهنّ الأهم في هذا المشروع… انطلقنا من الداخل وبنينا جسوراً باتجاه الخارج وليس العكس”. وتشرح ربا عن الهيئة أنها مشروع استراتيجي في إطار بناء المؤسسات الوطنية، كما تنقل الهيئة واقع النساء السوريّات ورغباتهنّ الحقيقية ورؤيتهنّ لوجودهنّ في مستقبل سوريا بعيداً عن أجندات خارجية أو رغبات الداعمين، كما ترسم استراتيجيات وتبني قدرات وتؤسس لتكون المرأة مستقبلاً رئيسة حكومة أو رئيسة برلمان أو وزيرة أو في أي منصب تستحقه مع العمل على ضمان حقوقها القانونية والدستورية.

ترى ربا أن مفهوم النسوية كان حكراً على نخب معينة واقتصر على طبقة محدودة، وبالنسبة لها فإن أهم شيء الآن أن تسمع المرأة صوتها وأن تلغي النساء اختلافاتهنّ الإيديولوجية والفكرية وأن يتفقنّ على الحقوق الواجبة التي لا يمكن التنازل عنها.

اللوبي النسوي السوري

يستمد اللوبي النسوي السوري رؤيته من تطلعات النساء السوريات نحو الحرية والمساواة وتطلعات الشعب السوري نحو دولة المواطنة والديمقراطية، إضافة إلى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات ذات الصلة، وقد تأسس عام 2014.

تشرح الكاتبة ريما فليحان المديرة التنفيذية ومؤسسة للوبي النسوي السوري “اللوبي يقوم بعدة أعمال منها ضغط وتحليل سياسي للحدث وتقييم من أجل رسم استراتيجيات طويلة المدى تتناسب مع الواقع السوري”.  كما ينظم اللوبي حملات مناصرة تهدف لمناهضة العنف الجنسي والجنساني، وهو أحد أهم العوائق التي تقف في وجه تفعيل دور النساء والوصول إلى حقوقهن، وأيضاً التعريف بالقرارات الدولية مثل ١٣٢٥ والمصطلحات مثل النسوية الخ.

من وجهة نظر ريما والتي كانت لها تجربة سياسية من خلال مشاركتها في المجلس الوطني السوري، أنه لا يوجد تغيير جذري حول مشاركة النساء، بل هي محاولات لتحسين الصورة فقط، وتضيف “وأخشى وهو ما زال هاجساً وأتمنى أن أكون مخطئة أن تصنع المعارضة أشكالاً ملحقة بكياناتها تشبه ما فعله النظام في مراحل سابقة، حيث تكرّس تجمعات محددة ومسموح لها بالنشاط، وتعتبرها التمثيل الوحيد للمرأة السورية وكأنهم يوجدون توأماً للاتحاد النسائي الذي انتهى على الطرف المقابل وهذا أمر خاطئ”.
المنظمات النسوية

من المنظمات السورية التي تناضل من أجل حقوق النساء منظمة “النساء الآن”، وهي منظمة نسوية سورية غير ربحية تعمل على تمكين النساء والفتيات بمختلف القطاعات والمستويات، ولديها 4 برامج الأول هو التمكين المعرفي والاقتصادي، وبرنامج التمكين المجتمعي والسياسي، وبرنامج الحماية إضافة إلى برنامج البحث والمناصرة.

تقول لبنى القنواتي وهي مديرة قطرية سابقة لبرامج سوريا وتركيا في منظمة النساء الآن، أن القرار 1325 بشكل عام في سوريا له معوقات كبيرة تبدأ من تحديات وجود النساء في الفضاء العام وخاصة في العملية السياسية وعمليات اتخاذ القرار أو حتى في بناء خطط الأمن والسلامة. تشير إلى أن هناك إقصاء بحق النساء بشكل دائم وممنهج وبنيوي من قبل الثورة حتى، أي أنه موجود في بنية المجتمع وبنية مؤسساته، وأضيف إلى ما سبق تعقيدات الحرب وأثر الحرب على المجتمع وعلى النساء تحديداً.

ما زالت الجهود الساعية لتطبيق القرار 1325 في سوريا خجولة ومحدودة بحسب لبنى، وترى أن الجهود الساعية لتطبيقه تنحصر في المنظمات النسوية المعنية بالدفاع عن حقوق النساء، وعن حقوق الناجيات وتعنى بنهج العدالة وبتمثيل متكافئ لكل مكونات المجتمع، وهذه المنظمات بشكل عام قليلة في الساحة السورية، وهي الوحيدة التي تدفع نحو تطبيق القرار 1325 وأحياناً يوجد دعم من الجهات الدولية سواء على صعيد المنظمات أو الحكومات.

كما تحدثت لبنى عن معوقات تنفيذ القرار الأممي، حيث اعتبرت سلطات الأمر الواقع المختلفة الموجودة في سوريا هي أهم وأول معوق، واصفة إياها بالسلطات الديكتاتورية والعنيفة. لكنها تقول أيضاً بالمقابل ” هذا لا يعني عدم وجود تجارب ناجحة حاولت الدفع لوجود النساء في الفضاءات العامة خاصة في قطاعات الحوكمة والقطاعات السياسية، لكن للأسف ضغط سلطات الأمر الواقع دائماً ما يكون أكبر تحدٍ بهدف إخراج النساء من المشهد”. وتضيف أن ضغط سلطات الأمر الواقع مترافق بسلطة المجتمع الأبوي الذكوري الذي يمارس الإقصاء والعنف البنيوي على النساء، وبالتالي له دور أيضاً بعدم تفعيل دور النساء والضغوط المضاعفة التي توضع على كاهلهنّ.

يبدو المجتمع المدني بوابة مهمة لتنفيذ القرار 1325 في سوريا، لكن هنا أيضاً نصطدم بمشكلة أخرى، حيث شهد تمويل المجتمع الدولي في السنوات الأخيرة الكثير من التعقيدات المالية الأمر الذي أدى إلى انسحاب عدد من الممولين، وإيقاف العديد من المشاريع مما دفع المنظمات إلى الاهتمام بالمشاريع التي تستهدف النساء، والمشكلة تكمن هنا أن هذه المنظمات غير مختصة بالتعامل مع النساء وخبراتها في هذا المجال محدودة. وتشرح لبنى “الأمر انعكس سلباً على النساء ذاتهن، حتى أن بعض المنظمات ليس لديها تواجد نسائي ضمن طواقمها وتكون النتيجة هي استبعاد النساء اللواتي هن جوهر هذه المشاريع”.

إضافة إلى كل ما سبق بعض المشاريع يتم فرضها من قبل الداعمين بقالب جاهز مستورد وغالباً هذه المشاريع لا تكون فعالة أو على الأقل غير مستدامة. ومن العوائق الأخرى التي تشير إليها لبنى بما يتعلق بتأثير مشاريع المجتمع المدني على الواقع النسائي والوصول إلى تطبيق القرار 1325 في الساحة السورية، هو واقع العنف والحرب والظروف الاقتصادية والثقافية وغيرها الكثير التي باتت شديدة التعقيد، وأعطت مثالاً عن التهجير الذي شهدته منطقة الغوطة في ريف دمشق، هذا التهجير جاء بعد سنوات من البناء والتأسيس لقيادات نسائية ومشاريع استهدفت النساء بشكل فعال، إلا أن شتاتهنّ والواقع الجديد الذي فرض عليهنّ أدى إلى هدم وضياع كل ما تم بذله.

لا بد من الاستمرار بالعمل

تمكنت النساء السوريات في السنوات الأخيرة من التقدم في صفوف مراكز صنع القرار، لكن لا يزال تقدماً محدوداً وغير كافٍ. المعوقات كثيرة، تبدأ من المجتمع ولا تنتهي بالنخب، ولا بالظرف العام والخاص، لكن من المؤكد أن كسر القيود المفروضة على النساء يحتاج إلى حراك مدني قوي ومنظم، وهنا يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية في هذا الجانب.

مسؤولية سياسية وأخلاقية وتنظيمية واقتصادية …إلخ، مسؤولية استمرار طحن السوريين/ات برحى السلاح والحرب دون التمكن من وضع حد لذلك، مما أتاح المجال لسلطات الأمر الواقع لتكون صاحبة الكلمة العليا، مسؤولية استمرار جرائم الحرب والاعتقال والعنف وتكرار المجازر دون توقف، ليصبح عدم الاستقرار وانعدام الأمان هو عنوان حياة السوريين/ات، فتصبح المرأة ضحية مرات ومرات، لمجتمع لا يعرف سوى العنف ولغة السلاح، ويصبح العمل لتحصيل أقل حقوقها “الحماية” يحتاج لجهود جبارة ومضنية تحمل في طياتها خطر الموت، مسؤولية تمويل ضعيف وغير مدروس يودي بما يبذل من إنجازات في مهبّ الريح، مسؤولية صمّ الآذان عن الكثير والكثير من الأصوات الصادقة التي وصلته بوضوح لا يقبل التأويل، لتكون النتيجة ما نحن عليه من درب الآلام لتحقيق بديهيات حقوق النساء.

لا تملك النساء السوريات رفاهية التعب، ولا الاستسلام لهذا الواقع، فهو الخيار السهل المستحيل، لأنه يعني أن فتياتنا لن ينعمن بأقل حقوقهن، يعني أن نلغي نضالاً وآهات خرجت تناشد ما تبقى من ضمير في هذا العالم.