بحجة الأفكار الغريبة عن المجتمع .. التحريض على عمل النساء في القطاع المدني..

في ضوء ازدياد انخراط النساء في المجال العام، وتوسع رقعة العمل النسوي والجندري والنسائي، أصبحت العديد من النساء أكثر عرضة للتنمر والتعنيف المجتمعي، وبدأت الدعوات والحملات تنتشر بشكل مستمر لمحاربة أعمالهن وأنشطتهن، وتحاصرهن في أبسط حقوقهن منها المشاركة في الفضاء العام، والتنقل، والسفر، والتعبير عن آرائهن وأفكارهن بحرية، وممارسة المهن التي يرونها مناسبة لهن.

ونتيجة لهذه الممارسات التمييزية والإقصائية  ضد النساء والفتيات، فنحن مؤسسة شبكة الصحفيات، وكمنظمة نسوية تعمل في مجال الإعلام بهدف خلق بيئة عمل آمنة للصحفيات والعاملات في المجال الإعلامي، وعلى احتكاك مباشر معهن، نجد أنفسنا معنيات بهذه الدعوات والحملات التي تدعو لمحاربة النساء والعاملات في المجال الإعلامي، وتحد من حريتهن في ممارسة المهن التي اخترنها لأنفسهن، مؤكدات على الأهمية الاستمرار بعملنا في توفير الحماية لهن من خلال برنامجنا “الحماية السلامة”، وتقديم آليات وبدائل للعمل في بيئة آمنة وخالية من العنف والتمييز القائم على النوع الاجتماعي.

إننا مدركات لخطورة تقاطع دوائر وازدياد العنف القائم على النوع الاجتماعي كالعنف المجتمعي والإلكتروني نتيجة ممارسة النساء لبعض المهن، مما يؤدي لأن يصبح التمييز مضاعفاً ضدهن لكونهن نساء أولاً، ونتيجةً للأعمال التي يقمن بها ثانياً، سيما إن كانت في مجال الإعلام والصحافة.

ما يجعلنا اليوم نحن كاتبات هذا المقال نخفي أسماءنا الحقيقية ضمن اسم “فريق المؤسسة” خوفاً من التعرض للتنمر والهجوم.

كما أن الأمر لم يتوقف هنا، بل ما يزيد الطين بلة هو تبني الممارسات التمييزية بحق الكثير من النساء من قبل أصحاب السلطة الدينية والسياسية، بهدف محاربتهن، والتحريض ضدهن، مستغلين مكانتهم لخلق رأي عام مضاد لعمل الكثير منهن في المجال المدني.  إذ ينظر للكثير من رجال الدين والسياسة بعين الاحترام و يتمتعون بمكانة اجتماعية، وهذا ما يجعل كلامهم ذات مصداقية، مما قد يدفع ببعض المجتمعات المحلية للتضيق على النساء وعملهن في المجال المدني أو الحد من حرياتهن أو حتى تعنيفهن. 

إذ يزعم أصحاب هذه الممارسات أن المنظمات النسوية والنسائية تستجلب أفكاراً غريبة عن المجتمع السوري، وتخالف عاداته وتقاليده، وتدعو لـ “انفلات” النساء السوريات.

إضافة لذلك، انتشرت مؤخراً دعوات عبر منصات التواصل الاجتماعي تدعو لمحاربة الإعلام الحساس للنوع الاجتماعي والأنشطة التي تتعلق بهذا الاختصاص، كالأنشطة التي تتضمن التدريب على التغطيات الصحفية الحساسة للنوع الاجتماعي ضمن مناطق الشمال السوري.

إذ عمد بعض السياسيين أو من لديهم مناصب سياسية، (سنتمتنع عن ذكر أسمائهم، إذ ليس غايتنا التشهير بهم، بل خلق التوعية لحماية النساء) إلى الهجوم عبر منصات التواصل الاجتماعي على النساء المبادرات لهذه الفعاليات.

من الأهمية التنبيه أن هذه الدعوات والممارسات تصب في خلق خطاب الكراهية ضد النساء، وتفتح الباب على مصراعيه ليس فقط لمحاربتهن وتعنيفهن، بل قد يصل الأمر أحياناً لقتلهن في جوٍ تسود فيه لغة السلاح والانفلات الأمني.  إذ تعمل على تحميل العاملات في المجالات المدنية والإعلامية عبئاً مضاعفاً في مواجهة الخطر سواء على حياتهن أو أسرهن.

للحقيقة ما يدعو للاستغراب أن أصحاب هذه الدعوات الرافضة لعمل المنظمات المدنية النسائية أو النسوية، يتجاهلون تاريخ سوريا، الذي شهد نشاط العديد من النساء السوريات على مدى عقود من زمن، في مجال مناصرة قضايا المرأة وحقوقها كحق الاختيار والتعلم والحريات الفردية وغير ذلك من الحقوق والحريات.

ومنهن على سبيل المثال لا الحصر ماري عجمي التي أنشأت مجلة العروس، أول مجلة تعنى بشؤون المرأة عام 1910، وثريا الحافظ،، والأديبة نازك العبد، وعادلة بيهم الجزائري وغير ذلك من الأسماء.

ومن هنا يمكن القول أن أنشطة العديدات من النساء السوريات اليوم ليست وليدة هذه التغيرات التي طرأت في السنوات العشر الأخيرة، أي إن النساء الناشطات والنسويات لم يهبطن من ” البرشوت” على المجتمع السوري، محملات بأفكار غريبة عنه، كما لو أنه لم يسمع بها من قبل كما يدعي البعض.

 

 ما هكذا تورد الإبل..

كان من الملفت للنظر هو تزامن الدعوات لمحاربة النساء الفاعلات في المجتمع المدني مع خطبة رئيس المجلس الإسلامي السوري الشيخ أسامة الرفاعي، التي ألقاها في جامع أعزاز الكبير شمالي حلب، والتي تضمنت هي الأخرى هجوماً صريحاً على النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني. وكأنه لم يعد يشغل بال الشيخ أسامة سوى عمل المرأة وكأنها القضية الوحيدة التي لم تحل في سوريا، متناسياً الأحداث الدموية التي تشهدها سوريا كل يوم، في ظل تشابك القضايا وتعقدها كقضية المعتقلين/ات والمختفيين/ات قسرياً، والتهجير والبطالة ونقص الموارد، وانتشار السلاح وغيرها من الأحداث.

نود التنويه أنه ليس هدفنا من هذا المقال الحط من مكانة الشيخ أسامة أو نيل منه ولكن اضطررنا لكتابة اسمه الصريح بعدما انتشرت خطبته على العلن، ونتيجة لكمية التحريض التي نالت من النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني، وكذلك كإعلان صريح من فريق شبكة الصحفيات عن الدعوة والتضامن مع النساء كافة في تلك المناطق. كما كان هدفنا من جهة أخرى وكحق مشروع لنا نقد الخطبة بطريقة مهنية ومن جهة نظر جندرية تأخذ بعين الاعتبار وضع النساء في تلك المناطق وكمية التعنيف والتمييز  الذي تتعرض له الكثيرات.

 جاء في خطبة الشيخ أسامة قوله: ” هناك نساء من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا، بل هم من أبناء بلدنا ومدننا. يأتون مجندات من قبل الأمم المتحدة وغيرها.. يأتون من مراكز التضليل والتفكير، يأتون لينشروا بين فتياتنا خاصة بما يسمونه تحرير المرأة.. ما يسمونه بالجندر.. وما يسمونها بهذه الأسماء التي أدرجوها بين نساءنا”. 

هل يعلم الشيخ أسامة أنه في المنطقة التي كان يخطب بها في ريف حلب الشمالي والتي تشمل: إعزاز وعفرين وجرابلس والباب وغيرها، وقعت 7 جرائم قتل بدعوى “الشرف” بحق النساء والفتيات حسب ما جاء في تقرير نشرته منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وهذا الرقم هو جزء من حصيلة 24 جريمة أخرى رصدتها المنظمة في الفترة الممتدة بين بداية 2020 وحتى شهر شباط/فبراير 2021. أي خلال سنة واحدة فقط! 

إذ وقعت هذه الجرائم في مناطق متفرقة في سوريا، ويشمل التقرير ذكر فقط الحوادث التي استطاعت المنظمة الوصول إليها، حيث يُعتقد أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير، بالإضافة للعديد من جرائم قتل النساء التي شهدتها سوريا على مر العقود، وتم التعامل معها على أنها شأن عائلي ضمن صمت مجتمعي مطبق.

ربما كان من الأجدر بالشيخ أسامة تحريم هذه الجرائم واعتبارها على أنها انتهاك بحق المجتمع السوري، والدعوة لحقن دماء النساء والفتيات، وتحريم قتلهن وإزهاق أرواحهن بغير حق تحت ذريعة “الشرف”.

هل يعلم الشيخ أسامة أن العديد من النساء والفتيات يتعرضن بشكل مستمر لكافة أشكال العنف المجتمعي والقانوني والسياسي، سيما العنف الأسري ويجبرن على تزويج الطفلات، بالإضافة لحرمانهن من حقهن في التعليم وغيرها من الحقوق الأساسية.

هل لدى الشيخ أسامة المعرفة عن معاناة العديد من النساء في الشمال السوري، نتيجة لسطوة المجتمع الأبوي الذي يحاربهن في عملهن ضمن مجال المجتمع المدني، وينظر لهن نظرة دونية، وأحياناً يضطررن لترك أعمالهن. 

ألا يجدر بالشيخ أسامة مناصرة النساء العاملات في المجتمع المدني، والتخفيف من حدة الهجوم المجتمعي الذي يتعرضن له، بعدما أصبحن الكثير منهن المعيلات الوحيدات لأسرهن وأطفالهن، بدلاً من صب الزيت على النار فوق رؤوسهن واتهامهن بالكفر والتضليل في بيئة تنتشر بها السلاح والمليشيات مما يهدد سلامتهن.

 في هذا الصدد أصدرت منظمة اللوبي النسوي السوري  بياناً ضد الدعوات التحريضية بحق النساء والفتيات، ووقعت عليه عدداً من منظمات المجتمع المدني والنسائي والنسوي والشخصيات الفاعلة في المجال العام.

كما أصدرت منظمة منظمة مساواة بياناً هي الأخرى تستنكر الهجوم على النساء ضمن المجتمع المدني.