ظروف غير ملائمة لممارسة العلاقات الزوجية والإنجاب في مخيمات شمال شرقي سوريا

سولنار محمد

تم إنتاج هذه المادة خلال مرحلة المتابعة والإرشاد في برنامج “النساء والسلام والأمن”، من مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات؛ وبإشراف الصحفية زينة بيطار. حُرر ونُشر بالتعاون بين وكالة نورث برس، وشبكة الصحفيات السوريات.

 يعلو صراخ طفلٍ حديث الولادة، وسط انشغال والدته بتحميم طفلها الآخر الذي لم يتجاوز السنة والنصف من عمره، داخل خيمةٍ في مخيم نوروز قرب مدينة ديرك /المالكية، أقصى شمال وشرقي سوريا.

خولة (22 عاماً) وزوجها قررا إنجاب طفلهما الثاني، بعد أن أصبح مخيم نوروز محطة الاستقرار الأخيرة لهم منذ أكثر من عام في ظل عدم وجود حلول تلوح بالأفق عن عودة قريبة لمنزلهما.

المخيم بيئة غير آمنة لممارسة العلاقة الجنسية بين الأزواج:

يعد المخيم بيئة غير آمنة لحدوث العلاقة الجنسية بين الأزواج، حيث تكاد تكون الخصوصية معدومة، نظراً لتلاصق الخيم ببعضها البعض، الأمر الذي يدفعهم لممارسة العلاقة الجنسية على عجل، دون الاستمتاع بها، كما تقول خولة.

عدم الاستمتاع بالعلاقة الجنسية، ليست المشكلة الوحيدة التي تعترض الأزواج في المخيم، حيث تواجههم مشكلة أكبر، بوجود أطفالهم سواء كانوا صغاراً أم في فترة المراهقة، في الخيمة ذاتها، وذلك أثناء ممارسة العلاقة الجنسية.

في خيمةٍ مجاورة لخيمة خولة، تقطن زينب (21 عاماً) الحامل في شهرها الثامن، مع طفلتها وزوجها وطفلي زوجها من زوجة سابقة، البالغة أعمارهم/ن 12 و13 عاماً، ولا سبيل لممارسة العلاقة الجنسية بين زينب وزوجها، إلا في الخيمة التي يسكنانها مع أطفالهما الثلاثة.

تدرك زينب خطورة ممارسة العلاقة الجنسية، أثناء نوم أطفالها، وما قد يترتب عليها من نتائج كارثية، إن شعر الأطفال بما يحدث حولهم/ن، وحاولوا/ن تقليد ما يشاهدوه/ن، حيث تحتار بين إرضاء رغبات زوجها أو رفضها، تفادياً لأن يشاهد/ تشاهد أو يشعر/تشعر الأطفال والطفلات بما يجري، إلا أن رفضها المتكرر للممارسة، يتسبب بحدوث خلافات مع زوجها، حيث تضطر أحياناً لتأجيل الممارسة لشهرين أو أكثر، على حد قولها.

ورغم المحاولات الكثيرة، إلا أن طلبهم بتوفير خيمة خاصة بالأطفال، قوبل بالرفض المستمر، حيث لا تمنح المنظمات الداعمة، خيمة إضافية لأية عائلة، ما لم يتجاوز عدد أفرادها، ثمانية أشخاص.

غياب البيئة الآمنة لممارسة العلاقة الجنسية بين الأزواج، ينعكس سلباً على الحالة النفسية للنساء داخل المخيم، فقد تسبب غياب الخصوصية بحدوث نفور من العلاقة لدى الكثيرات من النساء.

هدى البالغة (22 عاماً) عندما وصلت إلى مخيم نوروز قبل نحو عامين كان لديها طفلة كما أنها كانت حاملاً بطفل آخر منذ أربعين يوماً، شبّهت ممارسة العلاقة الجنسية مع زوجها، كمن يقوم بـ “السرقة”، الأمر الذي دفعها وزوجها لرفض فكرة الإنجاب داخل المخيم، والاكتفاء بطفلتهما وطفلهما الذي أبصر النور في المخيم.

من جهة أخرى، فإن لممارسة العلاقة الجنسية بين الأزواج، بوجود الأطفال في الخيمة نفسها، انعكاسات خطيرة، “حيث تعتمد آلية التفكير لديهم/ن على التقليد الأعمى والمحاكاة لما يعايشونه مع والديهم/ن” ، وفق “روجين شاويش” المعالجة النفسية في مركز جيان لحقوق الإنسان، والتي تؤكّد “أن التّأثير الأكبر ينعكس على المراهقين/ات، والذين/اللواتي يخضعون/يخضعن لتغييرات فيزيولوجية عند مشاهدة ممارسة العلاقة الجنسية، الأمر الذي قد يتسبب بالخوف والانطواء لدى البعض، واعتياد ممارسة الاستمناء/العادة السرية لدى البعض الآخر”.

حمل وإنجاب في ظل الافتقار للكثير من الخدمات الصحية:

من جهة أخرى فإن إحدى أكثر المصاعب التي تواجه النساء في المخيمات، هي غياب الرعاية الصحية المتكاملة، خاصة أثناء فترات الحمل و الإنجاب والإرضاع، والتي تكون فيها بحاجة إلى وجود أطباء/طبيبات مختصين/ات، للإشراف على فترة الحمل، والحاجة لإتّباع نظام غذائي صحّي، وأدوية خاصّة لهذه الفترات.

وفي حين  توجد داخل المخيم، نقطة طبية وحيدة، تتبع لمنظمة الهلال الأحمر الكردي، والذي يقدم خدمات صحية عديدة بشكل مجاني، إلا أنها تفتقر لوجود أطباء/طبيبات مختصين/ات، والاكتفاء بوجود قابلة قانونية، لرعاية النساء، الأمر الذي يدفع بهن للجوء إلى العيادات الخاصة في مركز مدينة ديرك / المالكية، والذي يحتاج لتكلفة تفوق قدراتهن المالية، بسبب سوء أوضاعهن الاقتصادية.

فقد اضطرت هدى لتلقي العلاج خلال فترة حملها، لدى طبيبة مختصة بالأمراض النسائية، خوفاً من تكرار تجربتها السابقة  مع الإجهاض، “أخبروني في النقطة الطبية أنني أتممت شهري السابع من الحمل، لكن الحقيقة كانت أنني قد دخلت الشهر التاسع من الحمل”.

أما زينب، فقد سبق أن تم الكشف عن وضعها الصحي، وحصلت على إثرها على أدوية، اكتشفت فيما بعد، عن طريق طبيبة مختصة، أن تلك الأدوية مضرة بصحة النساء الحوامل.

وتعاني غالبية النساء الحوامل في المخيم، من أمراض فقر الدم وسوء التغذية، نظراً لاعتمادهن الرئيسي على السلات الغذائية المقدّمة من المنظمات الإغاثية، والتي تفتقر للكثير من المستلزمات الضرورية للحوامل، إضافة إلى عدم قدرة تلك العوائل على تأمين الطعام المغذّي للنساء خلال فترة الحمل.

وحول إمكانية تعيين طبيب/ة نسائية في المخيم أوضح “أحمد شيخموس” الرئيس المشارك للهلال الأحمر الكردي في المنطقة الشرقية، أنه من الصعب تعيين أطباء/طبيبات مختصين/ات، نظراً لضعف الإمكانيات المادية في ظل الدعم المقدّم للمنظمة.

“ونساء المخيمات هن الأكثر عرضةً للمشاكل الصحية والنفسية خلال فترات الحمل و الإنجاب والإرضاع، فغياب الرعاية الصحية له دور في الانعكاس على الحالة النفسية للمرأة الحامل والمرضعة، إذ أن لتغيّر آلية إفراز الهرمونات خلال فترة الحمل والرضاعة، تأثير على الحالة النفسية والجسدية للمرأة”، كما توضح روجين شاويش.

منظمات المجتمع المدني غائبة عن المشهد

أن تنجب/ي طفلاً/ة في المخيم، ليس بالأمر السهل، في ظل غياب التوعية اللازمة لرعاية الحامل أولاً، والطفل حديث الولادة ثانياً.

“جهات كثيرة قامت بتسجيل أسمائنا بغية حضورنا لجلسات الدعم النفسي للنساء الحوامل والمرضعات، إلا أنها لم تلتزم بعقد أية من هذه الجلسات” تقول زينب.

وفي حين اقتصرت التوعية على إرشاد النساء بالطرق الصحيحة للرضاعة، وكيفية رعاية الطفل الرضيع، من قبل إحدى المنظمات العاملة في المنطقة.

نساء أخريات داخل المخيم، لم تخفين حاجتهن للدعم النفسي، لما تواجهنه من مشاكل نفسية خلال فترات الحمل والإنجاب، التي تضاف إلى قائمة الصعوبات التي يعشنها نتيجة النزوح وعدم الاستقرار في بيئة آمنة للعيش.

وهذا ما أكدته روجين شاويش، أن غياب جلسات الدعم النفسي في المخيمات، له من الأثر الكبير ما قد ينعكس سلباً على علاقة المرأة الحامل بأفراد عائلتها، والذي قد يصل لدرجة تعرضها لاكتئاب شديد، مشيرةّ إلى أن خدمات الدعم النفسي التي تقدّمها منظمات المجتمع المدني، لا تساعد النساء في التعامل مع ظروفهن، إلا بنسبة قليلة لا تتجاوز 30%.

والتقت شبكة الصحفيات السوريات بـ”إلهام حمدو” القابلة القانونية في المخيم، والتي أوضحت أن ما يقارب 50% من نساء المخيم يطالبن بتأمين موانع الحمل، في حين أن الرجال يرفضون استخدام الواقيات الذكرية، وأن نسبة المتقبلين للفكرة لا تتجاوز 5%.

وتسكن هدى وزينب وغيرهما من النساء وعوائلهن، منذ سيطرة الفصائل السورية الموالية لأنقرة على مدينتي رأس العين وتل أبيض في عام 2019، داخل مخيم نوروز شمالي مدينة ديرك / المالكية، الذي يضم  979 عائلة تتألف من 4602 شخص بينهم من مدن عفرين وتل أبيض ورأس العين وكوباني.