النساء في المناهج التعليمية ما بين النمطية وخطوة نحو التغيير

ضمن مناطق النفوذ في سوريا


لمى راجح

حائزة على شهادة جامعية من كلية الصحافة والإعلام، جامعة دمشق، وشهادة ماجستير بالإعلام، جامعة بيروت العربية، تعمل مع عدة مواقع صحفية بشكل مستقل، وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وبالأخص النساء.


ما هي صورة النساء في المناهج التعليمية السورية؟ هل انعكست “الثورة” في تلك المناهج، لجهة إنصاف المرأة ودورها أم جاءت مجرد تكريس للقديم والسائد بأنماط أخرى؟ وهل تختلف صورة المرأة ودورها بين منهاج وأخر، تبعا للمناهج المتعددة التي باتت تدرس اليوم في سورية؟ هذا ما يحاول هذا التحقيق الاجابة عنه، من خلال الغوص عميقا في تحليل تلك المناهج والتنقيب عمّا يقف خلفها.

(ينشر هذا التحقيق في ختام مشروع سوريا في العمق، بالشراكة مع المنظمة الدولية لدعم الإعلام (IMS) ومؤسسة الغارديان فاونديشن ومؤسسة شبكة الصحافيات السوريات وموقع حكاية ما انحكت)

(شارك في هذا التحقيق: تصوير في المناطق الكردية: جانو شاكر، جودي حاج علي. وتصوير في مناطق المعارضة: أيهم بيوش. مونتاج: سعد الحاج. وانفوغراف: أحمد نجار)


كنت أتحدَّث معه عبر برنامج “الواتس اب”، بَدا من نبرة صوته كأنه صاحب القرار في الأسرة باعتباره الأخ الأكبر في العائلة، وربما المُسيطر، كما كان يوحي إليَّ من طريقة حديثه.

محمد، ابن الثلاثة عشر عاماً، يدرس في المرحلة الإعدادية، الصف السابع، يعيش مع أهله في مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، لديه أختان، تبلغ الأولى من العمر خمسة أعوام، والأخرى اثني عشر عاماً.

يتعلم محمد في إحدى المدارس التابعة للحكومة السورية المؤقتة، وقد تم الفصل بين الذكور والإناث مُذ كان في الصف الخامس الابتدائي، يُعلل ذلك بقوله :”الاختلاط بالمدرسة ممنوع وحرام، وهيك أفضل للبنات وإلنا، لأنو بهي الحالة بتقدر البنات تحافظ على حالها.. ”

حاولنا معرفة تأثير المناهج التعليمية على آلية تفكير محمد،  ضمن سياق علاقته مع والدته وأخته فيقول: “ما كتير بهمني شو تعلمت.. بهمني أخواتي البنات ما يطلعوا لحالهم من البيت إلا إذا كنت معهم أو أبي يرافقهم”.

بعد مرور ثماني سنوات على الثورة السورية وتغيّر الخريطة السياسية، كان من الأهمية العمل على معرفة مدى تغيّر الخريطة التعليمية؛ لنرى في حال كان هناك وعي لدى الكوادر التعليمية لأهمية كسر الأدوار النمطية للنساء والفتيات في المناهج التعليمية.

عملنا على تحليل منهاجي لمادتي القراءة والاجتماعيات للصف الخامس والسادس في كل من مناطق النظام السوري، والمعارضة، والإدارة الذاتية. فتبيّن من خلال مراجعة وتحليل مناهج مادة القراءة لكل تلك المناطق أنّ معظم النصوص أُخذت من مُؤلفين رجال، إضافة إلى أن المناهج تضمنت نشر نصوص لجهات أو مؤسسات كوزارة التربية أو مجمعات تربوية أو طبية.

مناهج النظام السوري لا تكفي وحدها في ظل الظروف الأمنية المتشدّدة

هبة (اسم مستعار/ 43 سنة)، تعمل مُدرِّسة للمرحلة الابتدائية، منذ ما يقارب الخمسة عشر عاماً، تستعرض رأيها بالأساليب التربوية في المدارس التابعة لحكومة النظام السوري. وتقول: “يحاول النظام السوري إدخال أساليب تعليمية جديدة لإظهار نفسه أنه يدعم قضية المرأة، غير أنّ المنهاج في كثير من حيثياته يُجسّد صورةً نمطية للنساء، وحتى الآن لا يحتوي على تجسيد حقيقي لواقع النساء والفتيات في سورية ودورهنَّ في عملية صنع السلام. ورغم أنّ المناهج تم تحديثها مؤخراً إلا أننا لم نلحظ أي أثر لدور النساء في الحرب أو المجال الإنساني ضمن المناهج التربوية، بل ظلّ التعامل مع واقعهنَّ يُجسَّد بشكل نمطي، ويكرس أدوراهنَّ (الجندرية) التقليدية المنوطة بهنَّ”.

أصدر النظام السوري تحديثاً جديداً للمناهج التعليمة  للعام الدراسي 2018-2019، وحسب ما تبين من سؤال عدد من المدرسين/ات أنه مايزال يوجد فصل بين الذكور والإناث ابتداءً من مرحلة الإعدادي باسثتناء بعض المدارس الخاصة في دمشق، وحمص، وحماة.

بلغ عدد الدورس التي تمّ تحليلها ضمن منهاج القراءة للصفين الخامس والسادس 63 درساً، و65 درساً آخر لمادة الاجتماعيات، وتبيَّن من خلال التحليل أنّ 23 درساً ضمن منهاج القراءة، و15 درساً ضمن منهاج الاجتماعيات يحملون في طياتهم تمييزاً ضد النساء والفتيات، سواء في النصوص أو الصور المرفقة.

الاختراع والابتكار صفة خاصة بالذكور

بناءً على ما تم تحليله من مناهج النظام السوري، وجدنا أنّ صفات ومهن العلماء والمخترعين يتفرّد بها الذكور دون الإناث، باستثناء درس واحد يتحدث عن عالمة سورية، في حين وجدنا بالمقابل صوراً نمطية لأدوار النساء تتجسّد في دور الأم والمضحية أو المعلمة والسكرتيرة، بينما وردت عدّة نصوص تستعرض أسماء الشعراء والخطاطين والعلماء الرجال.

أما بالنسبة إلى الألعاب التي يمارسها كلا الجنسين، أظهرت بعض الدروس أنّ الصبيان يلعبون كرة القدم. وبالمقابل أظهرت النصوص والصور قيام الفتيات بممارسة ألعاب تتناسب مع جنسهنَّ كعزف الكمان..[1]

التمريض مهنة خاصة بالنساء

جسدت مناهج النظام السوري مهنة التمريض على أنها مهنة خاصة بالنساء، إذ يرد نص يتحدث عن المرأة الممرضة وعطائها، مع إلصاق بعض الصفات الأنثوية مثل “حلوة الروح، ومشرقة الوجه، وباسمة الثغر”. ليتكرر ذات المشهد ضمن دروس الصف السادس من خلال إيراد أبيات شعر تتحدث عن الممرضة ووصفها بصفات كـ “الحورية البيضاء”، “زهرة الدنيا”، و”العطوف”. وبينما لم نلاحظ في المناهج نصوصاً تعليمية تتحدث عن تلك المهنة عند الرجال.

تسييس صورة النساء

وجدنا أنّ هناك نوعاً من تسييس التعليم لمصلحة وأجندات النظام السوري كما هو ملاحظ من النصوص التي تمّ تحليلها، منها وجود نصّ يروي قصة “سَحر” التي تحلم بأن تصبح مبدعة على المستوى العلمي، وترفع علم بلادها على كتفها. النص يحملنا إلى سياق آخر، وهو النزاع السياسي على قضية العلم السوري بين العلم الذي يمثل النظام السوري وعلم الاستقلال الذي اختارته المعارضة السورية، والربط بين إمكانية أن تصبح النساء مبدعات وجعلها قضية وطنية لهنَّ، في حين لم نلحظ مثل هذا الربط عندما أُلصقت صفة المبدع أو المخترع بالذكور.

المناهج التعليمية في مناطق الإدارة الذاتية.. محاولة للدمج بين الجنسين

بلغ عدد الدروس الصادرة في اللغة العربية التي تمّ الإطلاع عليها ضمن منهاج القراءة للصفين الخامس والسادس 36 درساً، من بينهما 19 درساً تضمنت نصوصاً وصوراً تمييزية ضد النساء والفتيات، في حين بلغ عدد الدروس التي تمّ تحليلها ضمن مادة الاجتماعيات 156 درساً، من بينها 10 دروس تمييزية.

لاحظنا من خلال الزيارات الميدانية لمدرسة (الشريف الرضي) في مدينة القامشلي، أنه لا يوجد أي اختلاط بين الذكور والإناث ضمن الصف السادس، بينما كان الاختلاط بين الجنسين في الصف الثالث، كما وجدنا أنّ بعض الطالبات يتعاملنَ بكل أريحية مع زملائهنَّ الذكور.

تُشير المعلمة جيان حرسان، مدرسة اللغة الكردية في مدرسة الشريف الرضي إلى الجهود المبذولة لإزالة الحساسيات بين الفتيات والصبيان من خلال إجلاسهم جميعاً إلى جانب بعضهم ومشاركتهم سوية في النشاطات.

كان من الملاحظ ضمن مدرسة الشريف الرضي، أن العديد من الألعاب كانت مشتركة بين الصبيان والبنات، وقد أبدوا جميعهم تقبلهم لفكرة اللعب سوية، غير أنّ الطالبات كنَّ يمارسنَ ألعاباً خاصة بهنَّ، بينما يلعب الطلاب كرة القدم.

بالمقابل وجدنا ضمن مدرسة بولس يعقوب، في القامشلي أنّه لا يوجد ألعاب خاصة بالفتيات، بل اقتصر الأمر على وجود كرات قدم أو سلة يلعبها الصبيان، مع إعطاء دروس رياضية مشتركة بين الجنسين، منها رياضة الصباح أو بعض التمارين التي يتم إعطاؤها بداية حصة الرياضة.

وعن تنميط الألعاب بين الجنسين ضمن المدارس، تقول سميرة حاج علي، الرئيسة المشتركه لهيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة في الإدارة الذاتية: “التنميط غير مقصود، وقد تمَّت كتابة المناهج منذ بداية تأسيس الإدارة الذاتية، ولا يوجد ضمن المناهج التعليمة فَرق بين الشباب والبنات، وحالياً يوجد فِرق للبنات في ألعاب كرة القدم والطائرة والقوى، وهذه المناهج قابلة للتغير والنقاش والتطوير”.

من جهة أخرى، استطلعنا رأي بعض المدرسين والمدرسات عن المناهج التي تُدرس في مناطق الإدارة الذاتية، وجميعهم أشاروا إلى أنّ معظم الدروس ذكوريةٌ لا تخلق صورًة منصفة للنساء والفتيات في عقل التلاميذ.

تحليل المناهج الخاصة بالإدارة الذاتية

وجدنا من خلال تحليل مناهج الإدارة الذاتية أن هناك سعيا لتكريس الأدوار النمطية بين الجنسين، حيث تم تمثيل صورة الأب باعتباره صاحب القرار أو الواعظ لأبنائه بما يجسد هرمية السلطة ضمن المجتمعات السورية. [2]

بالمقابل لُوحظ وجود تكريس لصفة الأم “المضحية” [3]، إذ ورد في إحدى الدروس نصٌ يتحدث عن أنثى الأخطبوط وتضحياتها في سبيل أن يعيشوا صغارها، وصورة أخرى للأم المُضحية ضمن مادة الاجتماعيات للصف السادس تُجسد قيام الأم بدورها في الإشراف على رعاية شؤون الأطفال. أما في المنهاج الصادر باللغة الكردية للصف السادس في مادة القراءة، فقد تم وصف الأم بمجموعة صفات، منها، أنها مصدر الرحمة والحضن الدافئ، وأنها تقوم بغسل وخياطة الثياب، وهي سخية بمشاعرها.

إن ما يثير الانتباه وجود جملة وردت ضمن أحد النصوص لمنهاج الصف الخامس، إذ يَحكي النص قصة ناسك قام بجمع المال، وكان من بين أهدافه في جمع المال أن يتزوج وتنجب له زوجته ابنًا سويًا. لا يُفهم من النص سوى محاولة تجسيد لعوامل القوة بما يتماشى مع نظرة مجتمعاتنا المحلية من خلال الاعتقاد أنّ امتلاك المال والأبناء من البنين خاصة، هما، فقط، عاملَي القوة والسيطرة.

هل العمل في الأرض تشاركي بين الجنسين أم ماذا؟

يمكن الاستدلال على ذلك بعدما تمَّ تحليل مناهج الإدارة الذاتية، إذ نجد فيها تهميش عمل النساء في الأرض في كثير من الأحيان، حيث وردت عدة نصوص تشير إلى عمل الرجال وحدهم وامتلاكهم للأرض. [4]

على النقيض من ذلك، نلاحظ أنّ هناك محاولة في كتاب الاجتماعيات باللغة العربية لعكس صورة تشاركية بين الرجل والمرأة في العمل بالأرض ضمن المجتمعات البدائية، حيث وردت عدة صور تُجسد ذلك، بالإضافة إلى الإشارة ضمن أحد الدروس إلى أن المجتمع البدائي كان أمومياً ضمن كتاب الاجتماعيات للصف الخامس.

ضمن المناهج الصادرة باللغة الكردية، ورد نصٌّ يتحدث عن المجتمع الأمومي جاء فيه: “تقدّم الإنسان بتقدم المرأه.. هي قدوة مجتمع.. منذ الأزل البعيد في زمن (نولتيك) المرأة كانت تُدير بيتاً حتى في مجال الثقافة والبناء وتربية الحيوانات”.

المُديرون والقادة هم من الرجال فقط بينما النساء ممرضات

من المفارقات التي توصلنا إليها من خلال التحليل هو أن المُديرين دائمًا رجال وليس نساء، إذ طالما وردت عدّة صور ونصوص تجسّد ذلك.[5]

بينما يتم عرض مهنة التمريض على أنها خاصة بالنساء، حيث ورد نص يتحدث عن الممرضات ويصفهنَّ بالحمامات البيضاء ضمن منهاج القراءة للصف الخامس. إلا أنه جاءت بعض الصور المُنصفة لكلا الجنسين وكسرت النمطية، منها ما جاء ضمن المناهج الصادرة باللغة الكردية للصف السادس، ففي مادة القراءة، ورد درس بعنوان: “المرأة والحياة” جعل منها ناقلة للثقافة والتاريخ الكردي، وتحدث عن مكانتها عندما كان المجتمع أمومياً، إذ ساهمت في اختراع آلات الحصاد وتربية الحيوانات، وكيف أصبح دورها مهمشّاً في المجتمع الذكوري.

صورة المرأة المقاتلة

لاحظناها من خلال تحليل المناهج الكردية والعربية التابعة للإدارة الذاتية أن مناهج القراءة والاجتماعيات الصادرة باللغة الكردية تضمنت صوراً ونصوصاً تتحدث عن المقاتلات، بعكس المناهج الصادرة باللغة العربية التي لم تتطرق قطُّ إلى المقاتلات، وحول هذه النقطة تقول الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة، سميرة الحاج علي: “تُراعي المناهج التعليمية خصوصية المجتمعات في مناطق الإدارة الذاتية، ومن أجل ذلك تم وضع مناهج تتوافق مع الثقافة السائدة، مع الإشارة منها إلى الدور البارز للمرأة الكردية ضمن ثورة “روج آفا، وشمال سورية” وهذا ما جعلهم يُدخلون صورة المرأة المقاتلة والحزبية والسياسية إلى المكون الكردي دون الاقتصار على ذلك، بل والتطرق إلى كافة أعمالها الأخرى التي تقوم بها”.

المعارضة السورية تتأرجح في مناهجها ما بين الإنصاف وقلة الإمكانيات

بالنسبة للمناهج التابعة للحكومة السورية المؤقتة، فهي واحدة وتدرس ضمن المدارس التابعة لها، سواء في إدلب وريفها أو غيرها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري. ولكن الحكومة السورية المؤقتة لا تملك سيطرة تامة على العملية التعليمية في المناطق الخاضعة للمعارضة السورية. بعض المدارس تتبع للحكومة السورية المؤقتة، وقلة منها تتبع لمنظمات إغاثية محلية. ويقتصر بحثنا هنا على مناهج الحكومة المؤقتة.

بلغ مُجمل دروس القراءة للصفين الخامس والسادس 72 درساً، من بينها 18 درساً تضمنت نصوصاً وصورا تمييزية، في حين بلغ عدد دروس الاجتماعيات 49 درساً من بينها 12 درساً تمييزياً.

تعمل الحكومة السورية المؤقتة ضمن ظروف وإمكانيات محدودة، وفي ظل قصف أمني واستهداف للمدارس من قبل النظام السوري، بحسب ما يؤكده رئيس دائرة المناهج والتوجيه في مديرية التربية الحرة في حلب، خالد الشيخ كله (49 عام)، حيث يقول: “إن ضعف الإمكانيات المالية التي تُعاني منها مديرية التربية هي السبب في عدم القدرة على إعداد مناهج جديدة تكون مُنصفة للنساء والفتيات، وغير منمَّطة لهنَّ. يقتصر دور المناهج الحالية على إعداد نساء وفتيات ليصبحنَ موظفات فقط، ويدخلنَ سوق العمل، بحيث تعمل المناهج على رفع سوية الجانب المعرفي دون الجانب الثقافي والقيمي. ما يزال ينقصنا العديد من التدريبات التي تعمل على بناء قدرات المدرسين والمدرسات في كيفية التعامل واتباع أساليب تربوية تخلق الوعي لتبنِّي أدوار غير نمطية للجنسين”.

فيما يتعلق بالمناهج التعليمية التي تدرسها الحكومة السورية في المناطق التابعة لها، فإنها اتبعت مناهج النظام السوري القديمة، التي كانت تدرس ما قبل اندلاع الثورة السورية حسب ما صرح به وزير التربية الدكتور، عماد برق، مع إضافة بعض التعديلات التي سعت من خلالها الحكومة السورية المؤقتة لإزالة رموز النظام السوري ورموز حزب البعث العربي الاشتراكي، وإضافة رموز تتعلق بالثورة السورية.

ولمعرفة المزيد من التحديات التي يواجهها واقع التعليم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، حاولنا استطلاع رأي الكوادر التدريسية النسائية، لكننا واجهنا تحدياً في ظهورهن بأسمائهن الصريحة، إذ رفضنّ حتى إجراء مقابلات مصورة نتيجة تشدّد البيئة التي عادة لا تتقبل في كثير من الأحيان أن تظهر النساء بهوياتهنَّ الصريحة عبر الإعلام.

من جهتها، ترى ريم (اسم مستعار/46 سنة) مديرة مدرسة ابتدائية وإعدادية للفتيات في ريف إدلب، أنّ للبيئة والقوى المسيطرة دور كبير في كيفية التعامل مع الطلاب والطالبات. فمع اندلاع الثورة السورية وتحولها إلى حرب مفتوحة، سيطرت فصائل عسكرية متنوعة على المنطقة، حيث تباينت الأجندات الاجتماعية والسياسية لهذه الفصائل وتنازعت فيما بينها تزامنا مع حربها ضد النظام السوري. انتهى الأمر الآن بسيطرة تحالف من القوى الإسلامية بزعامة هيئة تحرير الشام. قد لا تتدخل هذه السلطات بوضع المناهج حتى اللحظة، ولكن تفرض شكلا معينا للباس، تقول ريم: “نضطر في كثير من الأحيان أن نفرض على الطالبات نمطاً معيناً من اللباس الشرعي رضوخاً لأوامر الهيئة، إذ سبق وخضعتُ للتحقيق من قبلهم؛ لأنني كنت أتذمر من فرض ارتداء المانطو الطويل الذي يُغطي القدمين الكاحل، عليهنَّ”.

ومن خلال الزيارات الميدانية لمدرسة ناصيف كبريتي للمرحلة الابتدائية في ريف إدلب، لاحظنا ضمن حصة الرسم أنها لم تكن جندرية ومنهجية، كما طالبت بعض المدرسات اللواتي رفضنَ الكشف عن هويتهنَّ لأسباب أمنية من خلال اللقاءات معهنَّ بتفعيل دور المناهج التعليمية للعمل على تعزيز صورة إيجابية للمرأة وإزالة مظهر التمييز بين الجنسين.

كما وجدنا أن حصص الرياضة قد اقتصرت على ممارسة رياضة الجري للطلاب الذكور، بينما بقيت الطالبات مجتمعات بالطرف الآخر من باحة المدرسة، يُمارسنَ ألعابهنَّ الخاصة التي لا تتطلب الحركة بما يتماشى مع العادات، والتي تقضي بعدم مشاركتهنَّ برياضة الجري وكرة القدم وغيرها تحت مسمى “العيب”.

من جهته، يشير مدرب مادة التربية الرياضية عمر (اسم مستعار/ 34 سنة/ معرة النعمان/ اللقاء تم به من خلال “الواتس اب”) عن هذا الانفصال التام بين الذكور والإناث خلال حصة الرياضة، ويقول: “يعود ذلك إلى العادات والقيم السائدة في المجتمع السوري، وخاصة الريفي الذي يتمسك بأصوله التي طالما فرضت على المرأة أن تكون الأم والطبَّاخة والمربية، بينما لا يشارك الرجل في هذه النشاطات”.

تحليل المناهج الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة

تحتوي بعض الدروس على صور منصفة للنساء والفتيات منها الشعور بالفرح لولادة البنت، مثلما جاء في أحد النصوص ضمن منهاج الصف الخامس، ما يجسّد محاولةً لكسر الأنماط الاجتماعية الذهنية السائدة عن ولادة الإناث.

وللمرة الأولى من خلال تحليل كافة المناهج، نلاحظ الحديث عن الأدوار المزدوجة للمرأة التي تعمل في المجال العام والخاص، عبر نشاط ضمن فقرة حملت عنوان “يوميات” في مادة القراءة للصف الخامس، حيث الكتابة عن يوميات المرأة العاملة التي رُزقت بولد، وستعود إلى العمل بعد انتهاء فترة إجازة الأمومة.

كذلك وجدنا من خلال الاطلاع على المنهاج، أنّ صفات العلماء والمروءة والشجاعة والتعاون هي صفات خاصة بالذكور ([6]) بينما وجدنا أنّ بعض الأعمال يتم تجسيدها على أنّها مهنٌ خاصة بالرجال، كأعمال البناء وشرطة المرور

والتنظيف.([7])

كان من الملاحظ من خلال التحليل، أنّ معظم النصوص ضمن منهاج الاجتماعيات للصفين (الخامس والسادس) تستعرض سير الرجال القادة مع إشارة خجولة إلى الملكة (أليسار) الأميرة الفينيقية، التي ورد ذكرها ضمن منهاج الصف السادس، وكذلك الحديث عن الملكة (زنوبيا).

كما جاء ضمن درس الاجتماعيات للصف السادس نصٌ بعنوان: (شخصيات عربية) تضمن ذِكراً لأسماء قادة رجال دون النساء.

كان من الملفت ضمن منهاج القراءة للصف الخامس هو أدلجة صورة البنات ضمن مسعى ديني، فرغم أنّ الصورة تتحدث عن حق طفل في الحصول على الخدمات الصحية، إلا أنّ الصورة المرفقة تُشير إلى بنت ترفع يدها إلى السماء كأنها تقوم بالدعاء أو الصلاة.

سلوكيات الأطفال بين الرافض والمتقبل للجنس الآخر

خلال حصص الرسم ضمن المدارس التي زرناها في القامشلي، كانت رسومات الفتيات تشير إلى صديقاتهنَّ أو أسرهنَّ. وبالعكس لاحظنا أن الصبيان رسموا أصدقاءهم الذكور وعائلتهم، أما في المدارس التي زرناها في ريف إدلب، فقد رسمت الفتيات أمهاتهنَّ أو صديقاتهنَّ أو أخواتهنَّ البنات بعيداً عن الأخوة أو الأب أو الزملاء في الصف، أما الأطفال الذكور فقد رسموا إخوانهم الذكور أو آبائهم مع الرفض لرسم الأخت أو الزميلة في أغلب الأحيان.

في هذا الصدد، يقول الطبيب النفسي (جلال نوفل): “من الطبيعي أن نلاحظ ميل الأولاد إلى حدِّ عمر 9 سنوات لوجود صديق واحد من الجنس نفسه، أما في عمر 12-14 سنة فيبدأ الأطفال بتشكيل “شلل” لهم من الجنس نفسه، مع إدراكهم جميعاً لهويتهم الجندرية، نتيجة الوعي الجنسي والاجتماعي. عادة يوجد تنافس بين الصبيان والبنات في العمر 8-9 سنوات، ونتيجة للتربية النمطية التي تدفع البنت باتجاه البيت والصبي باتجاه التعليم، يبدأ الصبيان بالتفوق في مادة الرياضيات مثلاً، بينما يتم إدخال مادة التدريب المنزلي للبنات وتأهيلها للزواج، إذ يبدأ تنميط الأدوار الاجتماعية منذ عمر التسع سنوات”.

يحلم (محمد) أن يصبح في المسقبل أستاذًا مادة الرياضيات، ويقول: “أكيد أرفض أخواتي البنات يشتلغوا، وما بقبل يختلطوا بالرجال، إلا إذا اشتلغوا في مجال تدريس القرآن؛ لأنو الاختلاط حرام. أنا بحب مادة الرياضيات لأنها بتفيد المجتمع، بس أكيد ما بوافق أختي تدرس رياضيات.. هي الشغلة للصبيان”!.


المراجع:

[1] للاطلاع على مزيد من النصوص مراجعة مناهج النظام السوري، منهاج الصف الخامس، القراءة، الفصل الأول، درس “الذكاء الاصطناعي، “بالعلم نرتقي”، والصف السادس درس بعنوان “مقابلة إذاعية” لماذا منع الملك دخول الكتب” ودرس “مجلس العدل”و”البيئة والصحة”

[2] لمزيد من التفاصيل الاطلاع على درس القراءة باللغة العربية للصف الخامس بعنوان: “من والد إلى ولده”، ودرس الصف السادس “السرد في القصة”

[3] راجع منهاج الصف الخامس، درس الصياد الصغير

[4] راجع النص في منهاج القراءة للصف الخامس باللغة العربية بعنوان “الحصادة الحديثة” ودرس “التمسك بالأرض”

[5] راجع درس “الرحلة” ودرس ” النبل والكرم” ودرس “مقابلة مع مدير شركة الكهرباء” وصورة لرجال الأعمال مثلما ورد في مادة الاجتماعيات للصف الخامس ودرس الاجتماعيات “التجارة” للصف الخامس…

[6] راجع لصف الخامس القراءة الفصل الأول درس “المروءة”، ودرس “ثمار التعاون” “حقوق وواجبات” ومنهاج الاجتماعيات للصف السادس

[7] راجع نصوص “المبدعون” “آلة الفارابي الموسيقية” الصف الخامس منهاج القراءة