الصحفيات السوريات: محاصرات بالذكورية والتهميش والإسكات

من اجتماعات مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات حول التحديات التي تتعرض لها الصحفيات

رغم ارتفاع عدد النساء العاملات في قطاع الإعلام، إلا أنهن لازلن يعانين من تحديات تمنع تطورهن المهني وتهدد أمنهن. ولكون الإعلام وسيلة هامة لتعزيز الديمقراطية ومصدر للمعلومات يساهم في صياغة الفكر، يتبدى دوره أيضاً كأداة تساهم بتحقيق المساواة بين الجنسين على صعيد المحتوى والممارسة. وللأسف، يبقى تمثيل المرأة ناقصاً في ملكية وسائل الإعلام وإنتاج المعلومات وكذلك الأمر في مواقع صنع القرار. من هنا عملت مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات في اجتماعاتها في تركيا على فتح باب النقاش حول التحديات التي تعاني منها الصحفيات ضمن مسيرتهن المهنية. وقد شاركت في هذه الاجتماعات مجموعة من الصحفيات السوريات اللواتي ساهمن من خلال مناقشة تجاربهن بتسليط الضوء على عدد من القضايا الهامة والتحديات التي تقف في طريق تطورهن المهني ، والتي سعت مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات بدورها لتقديم توصيات لحلها والبحث بشكل جماعي عن أدوات عملية لتكون بيئة العمل الإعلامية مناسبة وآمنة للصحفيات. 

يُعتبر تحقيق العدالة بين الجنسين أمراً ضرورياً لضمان الديمقراطية، والتي تتيح المشاركة المتساوية في صنع القرار. تعني المساواة بين الجنسين تمثيل عادل للمرأة والرجل والتمكين والمسؤولية والمشاركة في جميع مجالات الحياة العامة، بما في ذلك وسائل الإعلام. وتُعتبر المساواة الجندرية كشرط لتحقيق العدالة الاجتماعية والتي هي أمر يُعنى بتحقيقه جميع أفراد المجتمع ولا يقتصر على النساء. لذا تتبدى العلاقة بين تمثيل إعلامي عادل وحر وبين تحقيق المساواة الجندرية كعلاقة جوهرية. ومما لا شك فيه أن الخطاب الإعلامي المتحيز وغير العادل يساهم بتعزيز بنية التمييز والتهميش على كافة الأصعدة ومنها الاجتماعية والثقافية. لذا سعت مؤسسة شبكة الصحفيات للبحث في أشكال الممارسات التي تشكل عقبات في وجه تطور عمل الصحفيات على الصعيد المهني والتي تجعل من بيئة العمل بيئة مسمومة تهدد سلامة وأمن الصحفيات النفسية والجسدية. 

من القضايا التي تمس قدرة الصحفيات على الإنجاز، الاستهانة بإمكانيات النساء وخبراتهن حيث تتعاطى المؤسسات الإعلامية معهن على أنهن واجهة لتحصيل التمويل من المؤسسات الداعمة والتي تشترط نسبة تمثيل معينة من الجنسين كي تستمر بتقديم الدعم. من شأن هذا الأمر أن يُظهر النساء كواجهة غير منتجة يتم توظيفها لتقديم صورة إيجابية أمام الداعمين. عبّرت المشاركات في اجتماعات مؤسسة الصحفيات السوريات عن خيبتهن تجاه هذا النوع من الممارسات، وقد بيّنت إحدى المشاركات أنها تعمل بشكل مستمر لإظهار كفاءتها وخبراتها لتثبت أن منصبها هو نتيجة استحقاق مهني وليس نتيجة نسبة تمثيل جندري. 

وضّحت إحدى المشاركات فيما يتعلق بهذه المسألة: أحاول دائماً أن أثبت أنني لست موجودة ضمن المؤسسة فقط لكوني امرأة. أنا موجودة لأنني أستحق هذا المكان. قد يبدو الأمر غريباً لكن مبدأ الكوتا والذي يقوم على التمييز الإيجابي يشكل حاجزاً في وجه إثبات وجودنا“.

كما تتسبب قلة الوعي داخل المؤسسات الإعلامية حول معنى التحرش والعنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي، بغياب القوانين الرادعة لهذه الممارسات والفشل في حماية النساء من الاعتداءات الجنسية. وبالنظر لذلك، أشارت الصحفيات أنهن لازلن يعانين من التحرش في مكان العمل والذي يضعهن في حالة صدام مع زملائهم الذين لا يحترم بعضهم الحدود التي تسمح بها العلاقات المهنية. يتسبب هذا الأمر بشعور الصحفيات بعدم الأمن والقلق الدائم على سلامتهن. يؤثر هذا الأمر على إنتاج الصحفيات وعلى قدرتهن على العمل ويضعف مشاركتهن في المؤسسة الإعلامية. وتساهم ثقافة لوم الضحية بتعزيز قلق النساء وخوفهن من التبليغ عن حالات التحرش والتعدي المستمرة. أشارت مشاركة لهذه النقطة بقولها: نتعرض لدعوات عشاء غير بريئة، أو تعديات تصل لملامسات مزعجة، وأحياناً يتم التدخل في حياتنا الشخصية وخياراتنا الخاصة“.

قاد سؤال التضامن الصحفيات لمناقشة القضايا المالية والمرتبطة بدخل النساء وعدم احترام حقهن بدخل متساو والتقصير أحياناً بدفع الأجور في المواعيد المحددة لذلك. من أسباب هذا التقصير، اعتبار الرجل كالمعيل الأساسي للعائلة، بالتالي يتم تجاهل جهد النساء واستحقاقهن لأجرهن المادي. أعطت مشاركة مثالاً على ذلك: “يقول لي بعض زملائي بسخرية: ليس لديك مسؤوليات مثلنا، نحن لدينا عائلات لنعيلها، لذا لا تقلقي بشأن تحصيل دخلك“. 

يُعتبر العماء الجندري في السياسات الإدارية من الممارسات التي تحرم النساء من حقوق أساسية. على سبيل المثال في قطاع الإعلام، تُجبر الصحفيات  على القيام بواجبات لا تتناسب مع ظروفهن الصحية والجسدية ومنها حالة الحمل. حيث يُجبرن على العمل “على الهواء مباشرة” في شهور الحمل المتقدمة أو  في بعض الحالات ضمن إجازة الأمومة. قالت مشاركة بهذا الخصوص: “تفاجأت أن الإدارة قد أجبرتني على العمل حتى في إجازة الأمومة الخاصة بي وتم تخفيض راتبي إلى أقل من الثلث… من المفروض أنه كان لدي شهر قبل الولادة وشهرين بعدها، لكن بسبب التعب تعرضت لولادة مبكرة في الشهر الثامن ولم يتم تعويضي عن 3 أشهر“. 

لا يتم تأمين دور رعاية للأطفال للسماح للصحفيات الأمهات بممارسة أعمالهن دون الشعور بالقلق على أطفالهن. وكما لا يوجد أيام عطلة رسمية في حالات الدورة الشهرية. ويتعزز التمييز ضد النساء من خلال التدخل بمظهرهن وتقيمهن بناءً على ذلك، ويتم ربطهن ببرامج إعلامية تأطرهن بقضايا المنزل والأطفال والأمومة. 

تتجلّى إحدى ممارسات التهميش في الحد من وصول النساء لمناصب إدارية عليا وعدم السماح لهن بالتطور المهني، مما يحصر الأدوار الإدارية بالرجال ويمنع مشاركة النساء  في صنع القرار ووضع القوانين التي من شأنها تمكينهن. كمثال عن ذلك قالت مشاركة: للأسف، لم يتم ترقية أي من زميلاتي لمناصب إدارية ونادراً ما قابلت سيدات في مواقع صنع القرار في مجال الإعلام”. 

ضمن هذه الظروف المسيئة والتي من شأنها عدم السماح بتطور النساء مهنياً، أعطت الصحفيات أمثلة تعكس مدى سعيهن للاستمرار في مواصلة عملهن ورغبتهن بالمشاركة في التغيير. عكست الصحفيات إرادة قوية تؤكد على كونهن فاعلات وقادرات على تحدي بنية الظلم. معرفة ووعي الصحفيات بالأسباب التي تسبب بتهمشيهن وعدم تمثيلهن هي خطوة مهمة نحو التغيير. لذا، تساهم مؤسسة شبكة الصحفيات بنشر هذه المعرفة وتسليط الضوء عليها لوقف الممارسات السلبية التي تمنع مشاركة النساء بشكل متساوي وديمقراطي في الإعلام. تعمل مؤسسة شبكة الصحفيات على إعطاء مساحة للعاملات في الشأن الصحفي ليستطعن أن يعبّرن عن ذاتهن وليصغن شروطهن التي من شأنها أن تحقق التغيير نحو تمثيل متساو وخطاب جندري عادل ضمن الإعلام. وتسعى المؤسسة لتأمين الحماية النفسية والجسدية وتقديم الدعم  المالي من خلال برنامج الحماية وضمنه مشروع إدارة الحالة. يأتي هذا المشروع كجزء من رؤية المؤسسة التي بجوار سعيها للتغيير تقوم بتقديم الدعم والحماية لمنع الضرر المباشر والذي يتعاظم خطره على النساء فقط لكونهم نساء.


Comments are closed.