صافيناز عفدكي: تجربتا نزوح .. فمخرجة

تنشر هذه المادة بالتعاون مع “حكاية ما انحكت“، ضمن برنامج “النساء والسلام والأمن” التابع لمؤسسة شبكة الصحفيات السوريات.

نجبير غانم

(القامشلي)، تركتْ أثاث المنزل على باب البيت الذي استأجرته، وانطلقتْ باحثةً عن مكانٍ لإخراج فيلمها الذي سطّرتْ حروفه من معاناة أهل مدينتها رأس العين/ سري كانيه شمال غربيّ مدينة الحسكة على الحدود التركيّة، أثناء نزوحهم عَقِبَ وقوعها تحت سيطرة الجيش التركيّ وفصائل المعارضة السوريّة الموالية له في تشرين الأول عام 2019، ولَم تُضْعِفْ إرادتها حالة عدم الاستقرار التي عايَشَتْها، والمشاهد المؤلمة التي عايَنَتْها أثناء الهجمات على مدينتها.

صافيناز عفدكي (28 سنة) مخرجة وكاتبة سيناريو أفلام سينمائيّة، من عائلة ميسورة الحال، والدها، عمر عفدكي، كان ناشطاً سياسيّاً معارضاً للنظام السوريّ، وقد دفعَ ثمن معارضته الكثير من الألم والتعذيب في سجونه، أما والدتها، عدولة محمد، فكانت تدرّس نساء الحيّ دروس مَحْو الأمّيّة وتعمل في الخياطة، إلى جانب تربية أطفالها الستّة، وهم أربعة بنات وولدين بصعوبة بالغة، بحكم غياب والدهم المستمرّ عنهم.

رحلتا النزوح وبِدْء العمل

أثناء تهديدات تركيا باجتياح مدينة سري كانيه، وفي ظلّ التوتّر الأمنيّ ومخاوف الأهالي من ذلك، بدأت صافيناز بكتابة الجزء الأوّل من فيلمها “BERBÛ” أي ( موكب الزفاف)، والذي تدور أحداثه حول قِصّة ثلاث شابات تزامنَ قُرْب زفافهنّ مع بِدْء التهديدات باجتياح المدينة، لشدّة تأثّرها بالأوضاع وقَلَقِها على ما ستؤول إليه الأمور في المدينة.
أكملتْ صافيناز كتابة جزئين آخرين من فيلم (BERBÛ) بعد نزوحها إلى مدينة القامشلي، ضمن ظروف بالغة الصعوبة، حيث تقول لحكاية ما انحكت: “فقدنا الكثير من أحبّتنا في الحرب، كما أنّنا لَمْ نَكُنْ مستقرّين في نزوحنا”. وتَصِف حيْرتها بين التزامها العائليّ وشَغَفِها، بالقَوْل “واجهتُ صعوبةً في اختياري البقاء مع عائلتي لمساندتهم في هذه الظروف القاسية، أو استكمال رسالتي من خلال الفيلم لإيصال معاناة شعبي للعالم أجمع”.

عزمتْ صافيناز، بإمكاناتٍ تقنيّة متواضعة، وتزامناً مع فرض الإدارة الذاتيّة حَظْرَ تجوالٍ كُلّي منذ أسابيع على مدينة ديريك/ المالكيّة، وهي المدينة التي صُوِّر فيها الفيلم، على ألّا تستسلم لهذه الظروف، فكانتْ المخرجة وكاتبة السيناريوـ وساهمتْ في تسيير أمور العمل بجميع تفاصيله بنفسها.

كانَ لأخوَيّ صافيناز اللذان يعملان في مجال صناعة الأفلام المتحرّكة، تأثيراً خَلَقَ لديها حبّاً للعمل في المجال السّينمائيّ منذ نعومة أظفارها، إلّا أنّ ظروف عدّة مَنَعَتْها من التخصِّص فيه، لأن “أوضاعنا المادّية آنذاك حالتْ دون تحقيق حلمي بالدّراسة في الأكاديميّة السّينمائيّة في ديار بكر بتركيا”، لذا بدأتْ بالدراسة في كُليّة التّربية بجامعة الفرات بالحسكة، إلا أنّ تعرّضت والدتي لأزمة صحيّة فقدت على إثرها الذاكرة، ما أجبرني على ترك دراستي قبل عام من التخرّج، لمرافقتها إلى تركيا لتلقّي العلاج”.

محطة ديار بكر

بعد هجوم قوّات المعارضة السوريّة على مدينة رأس العين/ سري كانيه عام 2012 ونزوح سكانها، استقرّتْ صافيناز مع والدتها في ديار بكر بتركيا، واعتبرتْ ذلك نقطة تحوّل في حياتها، وخطوةً على طريق تحقيق حلمها “السينمائيّ”، حيث بدأتْ الدراسة في أكاديميّة “جكر خوين” السينمائيّة في العام نفسه، وتخرّجتْ منها في عام 2014 بعمر (23) عاماً، وبعد مشقّة كانت أولى ثمراتها هو فيلم (زايين/ الولادة) الذي أخرجْتُه بنفسها، كما تقول لحكاية ما انحكت.

كان عام 2017 شاهداً على ولادة ثاني فيلم من إخراجها، وتَمّ تصويره في مدينة الرقّة السوريّة بعد أسبوعين فقط من طَرْدِ تنظيم “داعش” مِنها، حيث تقول لحكاية ما انحكت “عَمِلْنا على تصوير الفيلم الذي حَمَلَ عنوان “المنزل” وسط خطورة الوضع الأمنيّ في الرقة، وانتشار الألغام فيها، إلا أنّني صمّمْتُ على الانتهاء من إخراجه، وعُرِضَ في عِدّة مهرجانات دولية”.

درستْ صافيناز السيناريو في معهد سينمائيّ أنشأتهُ الإدارة الذاتيّة في مدينة تربسبيه/ القحطانيّة في سوريا، وعَمِلَت بعدها في “كومين فيلم روج آفا” وهي جمعيّة مختصّة بالسينما وغيرها من الفنون في شمال وشرقيّ سوريا.

رغم ذلك، لم تتوانى صافيناز عن تقديم المساعدة في معالجة الجرحى في بلدة تل تمر، وذهبتْ بعدها لمساعدة النازحين في مدارس مدينة الحسكة، بالإضافة إلى إكمال عَمَلِها في كتابة سيناريو وإخراج فيلم (BERBÛ)، إذ “رغم تأثرها الشديد بفقدان خالِها في الحرب، إلّا أنها سُرعان ما استجمعتْ قِواها خلال فترة وجيزة، ولَمْ تَفْقُد إرادتها أو وإصرارها على العمل في السينما بشكلٍ عامّ، ومساندة عائلتها بشكلٍ خاصّ” كما تقول لحكاية ما انحكت، ناديا درويش، جارتها في سري كانيه، وصديقتها المقرّبة.

وَصَلَ “موكب الزفاف” إلى مراحله الأخيرة، ومن المقرّر أنْ يعرض في عام (2021 ) وهو فيلم طويل مدّته ساعتان، بطاقم عَمَل من المتطوعين/ات دونَ مقابلٍ ماديّ، ومَرَدُّ ذلك، بحسب صافيناز، هو “شغفهم/نّ بهذا المجال، كما أنّ أغلبهم/نّ من مدينة رأس العين/سري كانيه، وهم/هنّ راغبون/ات بشدّة لإيصال صوت قضيّتهم/نّ للعالم عبر السينما”.

مثلها مثل معظم الباحثات عن النجاح وتحقيق أحلامهنّ، تخلّل مشوار صافيناز الكثير من الصعوبات والعوائق، بدءاً من ظروفها الاجتماعيّة مروراً بالحَرْبِ والنّزوح، ولكنْ لَمْ تُرْهِقها تِلْكَ التحدّيات ولَمْ تُضْعِف عزيمتها، بَلْ تَرجمتْ ذلك سينمائيّاً، مستخدمةً شَغَفَها، و”تمكّنتْ مِن كَسْبِ حُبّ واحترام جميع من عَمِلَ مَعَهَا وعَرِفها” كما تقول ناديا عن صديقتها، وتضيف “إنّها فتاة طموحة وقويّة وهي خَيْرُ مِثال عن المرأة الناجحة”.