لينا بركات: أريد أن أكون شريكة في هذا التغيير

الفكر الذكوري هو المشكلة وليس الرجل بحد ذاته

أفين يوسف: إعلامية من مدينة القامشلي، رئيسة مشتركة لاتحاد الإعلام الحر في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا

تنشر هذه المادة بالتعاون مع “حكاية ما انحكت“، ضمن برنامج “النساء والسلام والأمن” التابع لمؤسسة شبكة الصحفيات السوريات.

“إذا لم تدخل المرأة معترك السياسة بالشكل الصحيح، ولم تعرف موقعها ودورها ستبقى حقوقها منقوصة وقضيتها مستمرة”. هذا ما تقوله لحكاية ما انحكت، لينا بركات، التي تشغل الآن منصب المنسقة العامة لمجلس المرأة السورية الذي يعنى بقضايا المرأة في سوريا عامة، وشمال شرقها بشكل خاص”.


تعرَّفَتْ بالصدفة من خلال صفحات التواصل الاجتماعي على تطورات الأحداث في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرقيّ سوريا من تنظيمات نسوية، ونشاط هذه التنظيمات في جميع المجالات المجتمعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، وشدَّ انتباهها تحديداً (قانون المرأة) فشعرَت أنّه يلبّي جزءاً من رغبتها بأن يكون موجوداً في كل سوريا، وأن هذا القانون يجعل المرأة تشعر بقيمتها الحقيقية في المجتمع.

ترعْرَعَت لينا بركات في أسرة مثقفة ومتفهمة في مدينة حمص، وأنهت تعليمها الجامعي (قسم الأدب الفرنسي) في جامعة البعث، ثم حصلت على درجة الماجستير، وعملت مُعيدةً في نفس الجامعة، بالإضافة لاهتمامها بقضايا المرأة. وتشغل الآن منصب المنسقة العامة لمجلس المرأة السورية، وهو تجمع نسائيّ، يُعنى بقضايا المرأة في سوريا عامة، وشمال شرقها بشكل خاصّ.

البحث عن الإجابات

لم ينبع اهتمام لينا بقضايا المرأة من تجربتها الذاتية فحسب، بل تأثّرت بالتجارب التي مرّت بها النساء في محيطها “مجتمعنا الذي نعيش فيه ينظر للمرأة دائماً نظرة دونية، حتى لو ترعْرَعَت في أسرة متفهّمة، ومتحرّرة، حيث أن المجتمع مختلف” تقول لينا، وتُشارك تجربتها مع حكاية ما انحكت “على الصعيد العائليّ، والشخصيّ، كان والداي متفهمان جداً، ولم يكونا يميّزان بين أفراد الأسرة على أساس الجنس، كان دائماً الفضاء مفتوحاً أمامنا كفتيات في العائلة، لكن ما جعلني أهتمّ بقضايا المرأة هو القصص التي كنت أراها تحدث مع إحدى الجارات أو القريبات أو الصديقات أو الزميلات في الدراسة، كنت أشاهد مدى الظلم الواقع على المرأة، لذلك تكوّن في ذهني السؤال (لماذا؟)”

بدأت لينا مرحلة البحث عن الإجابة والأسباب، خاصّة مع وجود ما أسمته “كمّ التناقضات” عند قراءتها لبعض الكتب الدينية، والكتب التي تتناول قضايا المرأة، ومقارنتها بما يحدث في المجتمع، كلّ ذلك جعلها تفكر بذاتها، تقول لينا: “إلى متى سأدور في ذات الدائرة التي لا أستطيع داخلها تحقيق أي شيء؟”.

حق تقرير المصير

في فترة حكم حزب البعث، إلى ما قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، ومن خلال قراءتها قانون الأحوال الشخصية، والحالات التي شهدتها من طلاق وقتل وتمييز بحق المرأة، وحتى من خلال تجربتها الشخصية حيث إنها لم تستطع تمثيل نفسها في عملية قرانها، وباعتبار أن والدها كان متوفياً، فوُكِّل شقيقها نيابة عنها، وأثّر في نفسها كثيراً أن لا تستطيع تقرير مصيرها بنفسها، وهي الحاصلة على درجة الماجستير، وتبلغ من العمر ثلاثين عاماً، علاوةً على أنّ هذا أساساً جزءٌ أصيل من قرارها ومصيرها.

كلّ تلك الأمور خلقت لديها الدوافع كي تبحث عن ذاتها، وأن تعرف أين هي من هذا المجتمع؟ وبقيت مجمل الأسئلة عالقة في ذهنها، ومنها، لماذا لا تستطيع اتخاذ قرار الطلاق؟ ولِمَ عليها أن تَلِج إلى المحاكم لطلب الخلع؟ والتي غالباً ما تنتهي بتقديم تنازلات كبيرة كالتنازل عن الحضانة، والمهر ومؤخر الصداق. المرأة المتمردة بداخلها، لم تقتنع إلّا بالإجابات التي بحثت بنفسها عنها واكتشفت إجاباتها، وصولاً إلى تكوين الكثير من القناعات، والأفكار.

قضية المرأة قضية إنسانية

تقول لينا إن قضية المرأة ليس لها علاقة بالقانون فقط، لأنها ليست قضية حقوقية قانونية، بل هي قضية إنسانية، لكنّ القانون يعطينا الدافع لأن نكمل السعي فيها.
“لماذا لا أكون شريكة بدلاً من أن أكون متفرجة؟! حتى لو أن هذا الأمر تطلب مني التضحية، فلا شيء يأتي دون ثمن” تقول لحكاية ما انحكت، وهي تشرح كيف انخرطت في تجربة المرأة في شمال وشرقي سوريا “عندما رأيت كلّ هذه الإنجازات من (دار المرأة) إلى (قانون المرأة) و(هيئة المرأة) وأنّ المرأة تستطيع أن تتواجد في كل مفصل من مفاصل الإدارة الموجودة في المنطقة، قررتُ أن أكون جزءاً من هذا الإنجاز طالما أمتلك الإمكانية والطاقة والرغبة بأن أحسّن وضع المرأة، ومنهنّ أنا!”.


في حديث لحكاية ما انحكت، يقول معروف بركات (50 عاماً) وهو شقيق لينا “أرى في قرار لينا وعملها منحىً إنسانياً مطلقاً، وأن الدفاع عن حقوق المرأة في مجتمعنا هو واجب إنسانيّ بالدرجة الأولى، وإن طريق الدفاع عن الحقّ الذي اختارته لهو طريق وعر وشائك، ويحتاج من يسلكه أن يمتلك شخصية تتميز بالإصرار والاستمرار وعدم الاستسلام”. ويردف بالقول “إنني أرى هذا التميز في لينا منذ الصغر، في مدرستها وجامعتها وحتى في زواجها، فهي لم تقبل، ولن تقبل الخنوع، أو الرضوخ والذل، وإني فخور بها، وأرى أن لها مستقبلاً مشرقاً في مسارها الإنساني”.

بيئة جديدة

كان لابد للينا أن تفكر كيف يمكن أن تتأقلم مع الوسط الجديد، وأن تقلق بشأن اللغة خصوصاً، كون الغالبية الموجودة في المنطقة هم كُرد، ويتحدثون اللغة الكُردية التي هي لغة غريبة وصعبة التعلم بالنسبة لها، وقد تجد صعوبة في التواصل مع الناس، بالإضافة إلى البيئة، والثقافة، وطبيعة الحياة الجديدة عليها… كل تلك الأمور، جعلها تفكّر مَليّاً، ومع ذلك، لم تَقِف تلك الأمور عائقاً أمام سعيها خلف الهدف الذي وضعته نصب عينيها، فقررت أن تقتحم كل تلك المخاوف، على صعوبتها، فهي ليست أصعب من الظروف التي تعانيها المرأة في المجتمع، وأيقنت بأن التفكير بالمرأة بهذه الطريقة الإيجابية، سيذلّل الكثير من العقبات

“كانت ثقتي بمحلها وفاجأني أكثر احتضانهم/ن لي بكل محبة، واحترام، وتقدير لهذه المبادرة البسيطة التي قمت بها لأكون شريكة في هذه الحركة النسوية الموجودة في المنطقة، وأيضاً الدعم الذي كان مهماً جداً بالنسبة لي، لذلك لم أشعر أبداً بالغربة، ولم أشعر بالفرق، حتى أنّهم/ن عندما كانوا/كنّ يعرفون/ن أنني من حمص، كانوا/كنّ يرحبون/ن بي أكثر” تقول لينا، وتضيف “من الطبيعي جداً أن نتوقع أننا لسنا في المدينة الفاضلة، وأن الصورة التي نطمح إليها لن تكون مثالية مئة بالمئة، خاصة مع معرفتي بمنطقة الجزيرة، والطبيعة العشائرية الغالبة عليهم، سواء من المكون العربي، أو الكُردي، أو السرياني، ودائماً في الطبيعة العشائرية هناك حصار وتضييق على المرأة” وتستدرك “لكن مقارنة مع كل ما ذكرت، فإن ما رأيته هنا جيد، ولن أقول ممتاز، فأن تخرج مثل هذه الأفكار من هكذا بيئة، لهو فعلاً معجزة!”.

لا تُنْكِر لينا وجود عقبات وتحديات في هذه البيئة فهي “مستنقع للعادات، والتقاليد المتخلفة، أيضاً هناك الفقر، وعدم الاهتمام بالتعليم، وعدد الناس المتعلمين وخصوصاً الإناث، أيضاً الغالبية من المتزوجات بأعمار صغيرة، ويتحملن مسؤوليات أكبر من أعمارهن، بالتأكيد كل ذلك يحتاج إلى كفاح وجهود جبارة لتغييرها، فلا توجد عصا سحرية بيدنا لنغير كل شيء بلمح البصر، ولم أشعر بالصدمة لأنه من الجميل أن تأتي إلى هكذا بيئة، وتعملي فيها لأنهم بحاجة إلى الكثير من العمل”.

قوانين ممتازة

تعتقد لينا أن القوانين الحالية ممتازة، لكن يتوجب العمل على تغيير ذهنية المجتمع ليكون هناك توافق بين القانون والعلاقات الاجتماعية، فالقانون مهم جداً لتغيير العادات والتقاليد في المجتمع، وتؤكد لحكاية ما انحكت على أن “العائق يبقى في تحليل البعض لقضية المرأة بطريقة خاطئة، حيث يجب أن نعلم أن الرجل في قضية المرأة ليس عدوها، وأن المرأة ليست بصدد الاستعداء مع الرجل، بل يجب أن تستعدي الفكر الذكوري، لأن هناك نساء أيضاً يحملن هذا الفكر الذكوري أكثر من الرجل نفسه، فالفكر الذكوري وطبيعة التفكير الذكوري هي المشكلة، وهي ليست مشكلة الرجل بحد ذاته”.

تشدّد لينا على التسويق الخاطئ لقضية المرأة انطلاقاً من “فقدان الرجل لحريته أيضاً، لذلك يجب أن نعترف بأن فهمنا لقضية المرأة فيه مشكلة، وأنه يتم تسويق قضية المرأة بطريقة خاطئة جداً، فينتج ردّات فعل سلبية عند المجتمع، حتى النساء أنفسهن يصبح لديهن نفور من قضية المرأة، لذلك يجب علينا تصحيح تلك الأخطاء وأن نكسبهن، كي لا نخسر ما استطعنا تحقيقه”.

شبكة علاقات واسعة

يقع على عاتق مجلس المرأة السورية المطالبة بحقوق النساء السوريات داخل وخارج سوريا، وأيضاً تحقيق مكاسب على مستوى مراكز صنع القرار. وباعتبار لينا بركات المنسقة العامة للمجلس، فكان من المهم للغاية أن توسع شبكة العلاقات وتقوم بالعديد من النشاطات والفعاليات، فكان ثمار جهودها الوصول إلى نساء من مختلف المدن السورية ليأخذنَ مكانهنّ في الهيئة التنفيذية للمجلس، وهن يمثلنَ منظمات موجودة بالداخل من دمشق، والساحل السوري (طرطوس وبانياس واللاذقية) ومن السويداء، وحمص، وحلب وكل المدن السورية الأخرى، ويقمن بالنشاطات حسب الإمكانية المتاحة، ويتم دعوة سيدات من تلك المدن، وتتضمن النشاطات المحاضرات وورشات العمل، والتي تؤكد على موضوع التمكين السياسيّ للمرأة. وكتنظيم نسويّ مدنيّ يحاول أن يشمل كل القضايا التي تهم المرأة، فهنّ يعملن في مخيم الهول شمال شرقي سوريا، وينفذنَ مشروع عمل جديد مع قسم المهاجرات (اللواتي من خارج سوريا) في المخيم، ويَقُمْنَ بإدارة مراكز في جميع المخيمات في المنطقة، ويعملن بشكلٍ أساسي في التمكين السياسيّ؛ كون مشاركة المرأة في هذا المجال ضعيفة نوعاً ما.

تقول لينا: “دائماً النساء تَخَفْنَ من موضوع السياسة، هذا ما لاحظته وأردتُ العمل عليه، علماً بأن السياسة هي من صُلب قضايا المرأة، كون السياسة تستغل الدين، والدين هو الذريعة التي يتم من خلالها استغلال المرأة، فإذا لم تدخل المرأة معترك السياسة بالشكل الصحيح، ولم تعرف موقعها ودورها ستبقى حقوقها منقوصة وقضيتها مستمرة”.
حاولت لينا أن توسع شبكة علاقاتها لتصل إلى العلاقات الدولية إلا أن الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي “لم يكونوا حياديين” حسب تعبيرها، حيث من خلال إرسالهم للوفود إلى أي منطقة ودخولهم إلى المجتمع، فإنهم يكوّنون نظرة مسبقة عن ذلك المجتمع في تلك المنطقة، وكان هناك تخوف من التعامل مع مناطق شمال وشرقي سوريا، لكن لينا آثرت أن توسع علاقاتها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وعبر منصة “زووم” لتقوم بورشات عمل بمشاركة بعض الشخصيات والمنظمات العربية والعالمية، إلا أنها تؤكد أن الاستجابة من قبلهم/ن أيضاً تكون ضئيلة، فكلّ ذلك متعلق بأجندات معينة أو سياسات معينة لتلك البلدان.

تتابع لينا بركات هذا النشاط النسوي، وتحقق من خلاله بعض الخطوات على الرغم من أنها دائماً تطمح لتحقيق الأفضل، لكنها راضية بنسبة كبيرةٍ عما تم إنجازه حتى الآن، وتسعى للمزيد من النجاح في هذا العمل.