الصحافية: إسلام النميري
“تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع «تمكين الجيل القادم من الصحفيات السوريات» بالشراكة بين مؤسستي «شبكة الصحفيات السوريات» و «حكاية ما انحكت». أُنتجت هذه المادة بإشراف الصحافية زينة قنواتي”.
ما تزال القنصلية السورية في اسطنبول تعتمد نظام جباية الأموال من خلال سحب أكبر قدر ممكن من أموال السوريين المجبرين على إصدار أوراقهم الرسمية عبر نوافذ الحكومة السورية.
“بتحسي حالك فايته على سوبر ماركت يعني هي سفارة المفروض لخدمة المواطن مو للبيع والشراء”. تجيب منى عند سؤالها عن تجربتها مع القنصلية السورية في تركيا.
تقول منى (اسم مستعار) إن أسعار تصديق أي ورقة من القنصلية يساوي ٢٥ دولاراً أمريكياً، بينما حجز الموعد القريب يتراوح ما بين ٤٠٠ إلى ٤٥٠ دولار، وهي أسعار مرتفعة جداً بالنسبة للعدد الأكبر من اللاجئين السوريين إلى تركيا، ناهيكم عن أسلوب معاملة موظفي القنصلية غير اللائق في التعامل مع المراجعين.
“إلي سنة ونص عم زبط بأوراقي كرمال كون قانونية، والدور بالقنصلية بدو ثلاث أو أربع أشهر وأنا بهاد الوقت ممكن اتحاسب لأن زواجي غير مثبت. بعد معاناة صدقت عقد زواجي وطلبوا مني ٢٥ دولار”.
وبحسب بيانات معهد الإحصاء التركي، يحتل السوريون المرتبة الأولى في عدد حالات الزواج بين الأجانب على الأراضي التركية، واحتلت العرائس السوريات المرتبة الأولى بين الأجنبيات لعام ٢٠٢١ بنسبة ١٤٪ تليهن الأزيديات والأوزبكيات من أصل ٤٪ من عدد الزيجات الكلي الذي وصل إلى أكثر من ٥٦١ ألفاً، وعلى الرغم من هذه الأرقام فإن رحلة تثبيت الزواج في تركيا ما تزال تشكّل أزمة أوراق، تضاف إلى ملف أزمات الأوراق الثبوتية للسوريين في تركيا خاصة مع سعي كثيرين منهم لشرعنة وجودهم على أراضيها خوفاً من الترحيل في المقام الأول.
يقيم سامر (اسم مستعار) في مدينة إسطنبول، ويشتكي من تعامل القنصلية وتعقيد الإجراءات إذ يقول: “كنت بدي صدق بيان زواج من القنصلية بوقت مستعجل، حكولي الموعد بحاجة بين تلت أو أربع أشهر فاضطريت أن أتواصل مع سماسرة طلبوا مني ٣٠٠ و٤٠٠ دولار، ما قدرت إدفع المبلغ وأجلت الموضوع، بسبب هذا التأخير انفسخت خطوبتي”.
يشارك سامر معنا تسجيلاً صوتياً لأحد السماسرة وهو يطلب منه مبلغاً من المال مقابل حجز موعد وتصديق أوراقه بدون حضوره.
مع ارتفاع أعداد السوريين في تركيا ألغت القنصلية السورية، نظام الطابور أمام القنصلية الواقعة في إسطنبول، واستبدلته بنظام حجز المواعيد عبر الموقع الإلكتروني وهنا برز دور السماسرة التابعين إدارياً لموظفي القنصلية حيث يضطر المواطن إلى اللجوء إليهم بسبب عدم جدوى الموقع الإلكتروني أو طول مدة الانتظار.
تروي سناء، تجربتها مع القنصلية أنها أكثر سلاسة، خاصة بعد سماعها تجارب المواطنين الصعبة عبر مجموعات الفيس بوك.
تقول سناء إنّ “كتير أشخاص عرضوا على يحجزولي موعد بخمسين دولار، بس سألت محامي، حكالي كله نصب وبتقدري تحجزي موعد عن طريق الواتس أب التابع للقنصلية وفعلاً بعد ٤٢ يوم حصلت على موعد”.
فيما يخص تعامل الموظفين، أشادت سناء بلطف المعاملة من قبلهم وتعاونهم معها فيما يخص المراجعة خاصة أنها تبعد مسافة ثلاث ساعات عن القنصلية وذكرت إنها دفعت مبلغ ٧٥ دولار أمريكي مقابل استخراج قيد مدني فردي.
في هذا السياق يقول شادي (اسم مستعار) إنّه حاول التواصل مع القنصلية عن طريق البريد الإلكتروني، منذ بداية وصوله إلى تركيا ولم يتم الرد أبداً، “لجأت إلى سماسرة وطلبوا مبالغ عالية تصل إلى ٧٠٠ دولار لحجز موعد خلال عشرة أيام وهو مبلغ كبير على أي لاجئ مقيم في تركيا”.
يقول شادي: “راسلت القنصلية لأحجز موعداً عن طريق الواتسآب، فجاءني الرد بعد ثلاثة أشهر بأن الشهادات السورية لا يمكن تصديقها من القنصلية دون ذكر أي أسباب”.
يكمل شادي أن تصديق شهادته الجامعية شرط أساسي لإرفاقها في ملفه لدى الحكومة التركية للحصول على الجنسية، ويعلق على أن اعتماد القنصلية الواتسآب كطريقة أساسية للتعامل هو أسلوب غير رسمي ويعرضهم لمشاكل خاصة أن إدارة الهجرة لا تقبل من المواطنين رسالة الواتس أب من القنصلية، معتبرة أن البريد الإلكتروني هو الطريقة الرسمية للتعامل.
في الخامس والعشرين من حزيران من العام الفائت، أعلنت القنصلية السورية في اسطنبول، طريقة جديدة لحجز المواعيد من خلال تطبيق واتساب، حيث نشرت القنصلية السورية عبر موقعها الإلكتروني رقماً للتواصل يتيح للسوريين إرسال رسالة إليه لحجز موعد، على أن تتضمن الرسالة الاسم الثلاثي واسم الأم والمواليد، إضافة إلى إرفاق صورة وثيقة رسمية تثبت هوية صاحب العلاقة، مرفقة بنوع المعاملة المراد إجراؤها.
يشاركنا عزام تجربته في تجديد جواز سفره: “أخذت موعداً عن طريق تطبيق واتسآب في الشهر التاسع سنة ٢٠٢٢، انتظرت ست أشهر ولم يصلني رد، أنا مضطر لتجديد الجواز وإلا أخسر إقامتي”.
يقول عزام إنّه راجع القنصلية في الشهر الثالث لعام ٢٠٢٣، وخلال محادثة بينه وبين الحارس أخبره بإمكانية تجديد الجواز بشرط استخراجه مستعجلاُ.
“اضطررت أن أدفع ٨٢٥ دولاراً بدل ٣٢٥ دولارأً متل ما طلبوا مني مشان يطلعولي إياه مستعجل لأن مافيني انتظر موعد وسافر مرة تانية على إسطنبول وانا ساكن بغازي عنتاب”.
يُعد سعر جواز السفر السوري، بحسب الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية السوريّة، ثاني أغلى جواز سفر في العالم، بحسب تقرير نشرته شبكة CNN في أيار الماضي، كما يحتل جواز السفر السوري المرتبة الثالثة بين أسوأ عشرة جوازات في العالم، وفق مؤشر “هينلي لجوازات السفر” للربع الأول من العام ٢٠٢٣، إذ يُسمح لحامله بدخول ٢٩ دولة فقط دون الحاجة لاستخراج تأشيرة دخول.
حاولنا التواصل مع القنصلية السورية، إلّا أنّنا واجهنا صعوبة في الوصول لأيّ من المسؤولين داخل السفارة، ولم نتلق أي رد أو تصريح في هذا السياق.
تحدثنا مع المستشار القانوني إبراهيم النميري، وشرح لنا أن اللاجئين السوريين مضطرون للتعامل مع القنصلية السورية وتصديق كافة أوراقهم من خلالها لضمان صحتها لدى الحكومة التركية. وأضاف أن الحكومة السورية هي الحكومة الفعلية في الوقت الراهن، على الرغم من فقدان شرعيتها واضطراب العلاقات مع تركيا إلا أن الحكومة التركية مضطرة الى اعتماد أوراق السوريين من خلالها.
يعلق النميري على اعتماد تطبيق الواتسآب كطريقة رسمية لحجز المواعيد، بالقول: “هي طريقة غير حضارية وغير معتمدة لدى الدول مع وجود البريد الإلكتروني الرسمي، إضافة إلى المشاكل التي يتعرض لها اللاجئون في حال ضياع الهاتف أو تعرضه للتلف وبالتالي ضياع الموعد”.
يقول النميري إن الحل الأمثل لتصديق الأوراق هو اعتماد البريد التركي ptt، “بحيث يرسل المواطن أوراقه للتصديق مع الرسوم، ويستقبلها أيضاً عن طريق البريد وبالتالي إلغاء دور السماسرة في حجز المواعيد”.
حسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، بلغت إيرادات النظام السوري من المبالغ التي يتم تحصيلها في القنصليات السورية مقابل “بدل الخدمة” العسكرية، حوالي ٢٤٠ مليار ليرة سورية (حوالي ٦٠ مليون دولار أمريكي حسب سعر الصرف آنذاك) في عام ٢٠٢١، بزيادة قدرها ٧٠ مليار ليرة سورية (حوالي ١٧.٥ مليون دولار أمريكي) عن عام ٢٠٢٠، ما ساهم في ارتفاع نسبة هذا المورد في الميزانية السورية العامة إلى ٣.٢٪، بزيادة نسبة ١.٧٥٪ عن عام ٢٠٢٠.