ابتسام تريسي:” لم تقتصر رواياتي على تصوير المرأة بدور الأم أوالسيدة المظلومة”

أروى الباشا

لطالما كانت المرأة العنصر الرئيسي في الشعر العربي، والملهمة الأولى للشعراء، فضلاً عن أن كثيراً منهم قدموا شعرهم كله تغزلاً بالمرأة أو حزناً على فراقها، مثل قيس بن الملوح المعروف باسم «مجنون ليلى» أو عباس بن الأحنف الذي سار على نهجه في كثير من الأحيان.

في عصرنا الحالي، يعود العنصر النسائي مجدداً إلى الأدب لاسيما في مجال قصيدة التفعيلة التي يُقال إن بداياتها تعود لنازك الملائكة في قصيدتها المشهورة «الكوليرا». وسواء صدقت تلك الرواية أو خابت، بقيت المرأة في هرم المواضيع الأكثر طغياناً على الشعر المعاصر، مع تنوع الأساليب والرموز وخروج مفهوم المرأة من تلك التي يُتغزل بها إلى الآلهة التي تأتي بمثابة منقذ ومجير، كما في قصائد كثيرة منها أنشودة المطر لبدر شاكر السياب.

في الرواية لم يكن الأمر ببعيد عن الشعر، إذ جاءت الكثير من الأديبات المطالبات بحقوق النساء وعكست كتاباتهن حركة نهضة المرأة والتحرر، مثل غادة السمان وأحلام مستغانمي وسعاد الصباح وأخريات.

لكن كيف تم تصوير المرأة في الرواية العربية؟ تحاول هذه المادة الإجابة على هذا السؤال من خلال لقاء مع الروائية السورية ابتسام تريسي. يتطرق حواري مع الروائية تريسي إلى مواضيع كصورة المرأة ودورها في سطور كثير من الروايات العربية، إضافة للحديث عن دور الأدب السوري والنسوية في زمن الثورة.

أروى الباشا: سنبدأ بأعمالك الأدبية، ما المساحة التي خصصتها للنساء في رواياتك؟ وما الحالات التي صورتيهن فيها؟
ابتسام تريسي: في مجموعاتي القصصية الثلاث البطولة مطلقة للمرأة، تحدثت عن مشكلات مجتمعية واضطهاد وحقوق من منظور أنثوي. في رواياتي كان للنساء أهمية قصوى في الثورة والحياة الاجتماعية والبناء. أقصد بـ”الثورة،” ثورة الشمال ضد المحتل الفرنسي في أربعينات القرن الماضي التي تناولتها في “جبل السماق”. ففي روايتي “جبل السماق” تعددت أدوار النساء التي تناولتها فكان هناك المرأة الأم المربية الفاضلة في شخصية فاطمة، والمقاتلة في شخصية عائشة، والمضطهدة المظلومة في شخصية “لحلوحة”، و”العاهرة” في شخصية فضة.
وفي معظم رواياتي هناك مساحة لتصوير الأم والمثقفة، وسيدة المجتمع، والكاتبة والمبدعة والطبيبة والمهندسة والمضطهَدة والمضطهِدة. المرأة كما الرجل لها عدّة وجوه ولم تقتصر رواياتي على تصويرها بدور الأم أوالسيدة المظلومة. أمّا في رواياتي التي كتبتها عن الثورة السورية، فالمرأة فيها هي أساس الثورة ووقودها أيضاً.
وفي آخر رواياتي “ظلال تيلا” صوّرت المرأة المقترنة بالورد، فكانت المرأة رمزاً للأرض؛ فقد تناولت حياة 12 سيدة كل واحدة منهن تحمل اسم وردة وصفاتها. الرواية كلها نساء وستصدر قريباً في تونس.

أروى الباشا: كيف تم تصوير النساء في غالبية الروايات السورية؟ وما هي الفرص التي حظيت بها المرأة لتكون بطلة فيها؟
ابتسام تريسي: بعض الكاتبات أخلصن لقضايا المرأة وكتبن عن عالمها فقط وتحيزن لها كمكون اجتماعي مضطهد ومهضوم الحقوق. وقد نوقشت قضاياها على مدى التاريخ الأدبي منذ أول رواية كتبتها ألفت الإدلبي “دمشق يا بسمة الحزن” وحتى الآن.

أروى الباشا: برأيك كيف تم تناول النساء في الروايات السورية التي كتبها رجال؟
ابتسام تريسي: تتفاوت النظرة إلى المرأة من كاتب إلى آخر، فبعضهم يرى فيها “الرمز المقترن بالأرض والوطن،” والبعض الآخر يراها قاصرة التفكير ولا تملك سوى مزايا جسدية فيعاملها بالنص الأدبي على أنّها دمية أو عاهرة أو ربّة بيت غبية مهمتها الإنجاب والعناية بالبيت والأطفال.
هناك كتّاب تعاطفوا مع وضع المرأة المظلومة مثل فاضل السباعي في روايته “ثمّ أزهر الحزن”، وممدوح عزام في روايته “معراج الموت”، ومن قدم صورة ملتبسة كما في “دلعون” لنبيل سليمان، ومن قدم صوراً مختلفة وغنية تناولت كل حالاتها وتقلباتها كنهاد سيريس في معظم رواياته خاصة “حالة شغف.”

أروى الباشا: ما الذي يمنح الرواية السورية اليوم خصوصيتها؟
ابتسام تريسي: يأخذ الأدب خصوصيته من المكان أولاً، فالمكان يفرض تاريخه وعاداته وتقاليده على الشخصيات التي يتناولها الكاتب، شخصيات وأجواء روايات حنا مينة مثلاً تختلف عن شخصيات وأجواء روايات ممدوح عزام ونهاد سيريس. البحر قاسم مشترك لمعظم روايات مينة، بينما تطغى أجواء الجنوب ممثل بـ”السويداء جبل العرب” على روايات ممدوح عزام، كما تركت حلب بصمتها في روايات نهاد سيريس، وتركت الرقة بسحر أجوائها الصحراوية الحميمة علامتها في أدب عبد السلام العجيلي، وتركت جبال العلويين أثرها العميق في أدب هاني الراهب ماعدا روايته “رسمت خطا في الرمال” فقد كتبها عن الكويت أثناء وجوده هناك. وتستطيعين لمس هواء دمشق وياسمينها في روايات ناديا خوست، وقمر كيلاني، وألفت الإدلبي، كما تلمسين الحارات وجدران الأزقة في روايات فواز حداد.
خصوصية الأدب السوري نابعة من شخصية الإنسان السوري وثقافته وتاريخه وحضارته وعاداته في الزواج والأفراح والأحزان وحتّى في الطعام.

أروى الباشا: ماذا عن مشاركة النساء في النتاجات الأدبية العربية حسب وجهة نظرك؟
ابتسام تريسي: إن تحدثنا عن الكم فقد أصبح عدد الكاتبات المشاركات في الإنتاج الأدبي العربي كبيراً وفعالاً. وإن تحدثنا عن الكيف، فقد أثبتت مجموعة من الكاتبات حضوراً جيداً وقيّماً. لا أستطيع القول “كلّ الكاتبات،” فهناك من يستسهلن الكتابة وهنّ واثقات من النجاح بضمان أنوثتهن، هذا واقع للأسف موجود وبدأ يستشري في الصحافة والجوائز. فهناك الكثير من الأعمال التافهة التي عامت على السطح ورُوّج لها وأخذت الجوائز على مستويات رفيعة فقط لأنّها لكاتبة أنثى تعرف كواليس الكتابة والنجاح.

أروى الباشا: دعينا نتحدث عن مدينتك إدلب، هل تغير دور المرأة فيها بعد الثورة؟ وكيف؟
ابتسام تريسي: تغيّر الوضع في إدلب في مسارين متناحرين ومتضادين؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه منظمات المجتمع المدني لتطوير قدرات المرأة ودفعها لاستلام مهامها في الإنتاج والبناء والتربية والتعليم وكلّ مجالات الحياة؛ جاءت الحسبة المفروضة من الشرعيين التابعين للفصائل المسلحة لتقيّد هذه الحرية وذاك العمل بالتدقيق والمحاسبة على اللباس ونوع العمل الذي تقوم به المرأة.

أروى الباشا: قبل الثورة كان هناك قصور في قدرة المرأة على إيصال صوتها والتعبير عن أفكارها، هل اختلف الحال بعد الثورة؟
ابتسام تريسي: بالتأكيد كما اختلف الأمر بالنسبة للرجل اختلف بالنسبة للمرأة، دعينا لا نفرّق في هذا المجال بين رجل وامرأة ولنتحدث عن الإنسان السوري الحر الكريم، فأنا لا أستطيع أن أقول السوري في المطلق؛ لأنّ السوريين للأسف بعد الثورة أزاحوا اللثام عن دواخلهم وتعروا تماماً ولم يعد هناك ما هو مخفي عن العيون.

أروى الباشا: برأيك هل كان هناك سوء فهم من قبل النساء للحرية التي حصلن عليها بعد الثورة السورية؟
ابتسام تريسي: لا نستطيع التعميم؛ فالحوادث التي جرت في أوروبا وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لا تشمل كلّ السوريات، وأيضاً السوريات اللواتي يتمتعن بوعي وفهم صحيح للحرية واللواتي قمن بإنجازات كبيرة بعد الثورة لا يمكن أن نعتبرهن كلّ السوريات. المشكلة في هذا الأمر أنّ الحالات الفردية سواء “الخاطئة” أو “الصحيحة” تحشد المجتمع الافتراضي السوري خلفها فيعتبرها كلاً. فحين تنجح سورية في مجال علمي في أوروبا نجد قصائد المديح للسوريات على مواقع التواصل، وحين ترتكب إحداهن حماقة، نرى سيلاً من الاتهامات والقدح والذم “للسوريات”. المجتمع مليء بالتناقضات وأفرزت الثورة وفرزت كلّ شيء وعوّمته.