الحرب والعنف والمنفى
أقامت مؤسسة حكاية ما انحكت وشبكة الصحفيات السوريّات بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف الجنسي المتصل بالنزاعات، جلسة حواريّة في مكتبة خان الجنوب، للحديث عن التغطيات الإعلاميّة لموضوعة العنف الجنسي المتصل بالنزاعات في سوريا وبلاد اللجوء.
أقامت مؤسسة حكاية ما انحكت وشبكة الصحفيات السوريّات، في الثالث والعشرين من شهر حزيران الحالي وبمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف الجنسي المتصل بالنزاعات، جلسة حواريّة في مكتبة خان الجنوب في برلين، تحت عنوان “الحرب والعنف والمنفى”، للحديث عن التغطيات الإعلاميّة لموضوعة العنف الجنسي المتصل بالنزاعات في سوريا وبلاد اللجوء.
شارك في الجلسة كلّ من: نائبة المديرة التنفيذيّة في شبكة الصحفيات السوريّات، رند صبّاغ، والكاتبة والصحفيّة سعاد عبّاس، والمستشارة في برنامج جندر رادار في شبكة الصحفيّات السوريّات، هبة محرز، وأدارت الجلسة الكاتبة والصحفيّة وديعة فرزلي.
بدأت وديعة فرزلي الحوار في طقس برليني حار جدًا، لتحكي عن سعادتها بعودة مناسبات اللقاء وجهًا لوجه بعد سنتين من القيود المفروضة على اللقاء والحركة بسبب انتشار فيروس كوفيد19.
لينتقل الحديث بعدها مباشرة إلى الجرائم المرتكبة ضدّ النساء في العالم العربي، ولا سيما جريمتي قتل الطالبتين في مصر والأردن خلال الأيام القليلة التي سبقت انعقاد الجلسة، وإلى سهولة التطبيع مع العنف الموجّه ضدّ النساء في العالم العربي.
تطرقت هبة محرز للحديث عن الفرق بين العنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي، وهو حسب تعريف الأمم المُتحدة، أي نوع من العنف الموجّه ضدّ شخص آخر بسبب جنسهم أو نوعهم الاجتماعي، والعنف الجنسي المرتبط بالنزاعات، وهو حسب تعريف الأمم المتحدة، شكل من أشكال العنف الذي يستهدف المدنيين ويلحق بهم الصدمات والإذلال على المدى الطويل، ويساهم في تفتيت الأسر والنسيج الاجتماعي، ممّا يؤدي إلى النزوح وتأجيج أنشطة الجهات المسلحة، ويكون ذلك بدافع تحقيق أهداف سياسيّة أو عسكريّة أو اقتصاديّة للسيطرة على الأراضي والموارد. كما يُستخدم هذا العنف كمنهج للتطرف العنيف والإرهاب، كما تشكّل النساء والفتيات الضحايا الرئيسيّة والمتأثرة بشكل أساسي من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، لأسباب ليس أقلّها أنماط التمييز بين الجنسين وعدم المساواة التي كانت قائمة قبل النزاع.
تحدثت رند صباغ عن التغطية الصحفيّة، والمواضيع المرتبطة بالنساء التي تُكتب في الصحافة، وعن تهميش النساء، وعن عملية إنتاج الصحافة، والتي يجب أن يكون لديها معايير تأخذ بعين الاعتبار جميع الفئات المقصودة بهذه التغطيات، وضربت مثلًا بتغطيات “سيئة” تقوم بها صحف كبرى، مثل مقابلة الناجيات من العنف ونشر قصصهن دون موافقتهن، أو على الأقل دون أن يعرفن النتائج المترتبة على فعل النشر وكيفيته وطبيعته.
كما تحدّثت صبّاغ عن إشكاليّة العناوين الرنانة في الصحافة، وعن طريقة حصول الصحفيين على المعلومات وطرح الأسئلة بطريقة سلطويّة، مع وجود عبارات تبرّر العنف، مثل تبرير الاغتصاب بالقول إنّ المرأة عادت في وقت متأخر من الليل مركّزين على ثيابها، ليتم تبرير العنف وإعطاء مبرّرات للجناة متحجّجين بالنزوح والحرب، كما يتم تبرير العنف عن طريق القول إنّ هذه الأمور تحدث في كلّ مكان، كذلك تعتقد صبّاغ أنّه وفي كثير من الحالات يتم إعطاء الجناة مساحة أكبر من الناجيات في التغطية الصحفيّة، مستخدمة مصطلح “رمسنة العنف” (من الرومانسيّة).
في الوقت ذاته تحدثت سعاد عباس عن خطاب وسائل الإعلام وعن عدم وجود خطاب مضاد للعنف الجنسي وللتهكم على الناجيات، وكيف تحوّل معنى كلمة نسويّة، بالنسبة إلى البعض، إلى مفهوم أنّ المرأة معادية للمجتمع، بحيث يكون وقع الكلمة سلبيًا على الأذن، قائلة إنّ المؤسسات الإعلاميّة المستقلة مثل الجمهوريّة وحكاية ما انحكت ليس لها تأثير يذكر إذا ما قورنت بتأثير القنوات الإعلاميّة التقليديّة، حتى أنّ الكثير من الأمثال الشعبيّة وثقافة الحياة اليوميّة قد ساهمت في التطبيع مع العنف.
تنقّل بعدها الحوار إلى مناقشة فكرة الحساسيّة الجندريّة وأهميّة تصحيح المفاهيم وتغيير الخطاب الإعلامي، وإلى صعوبة “جندرة” اللغة العربيّة.
نقاط عديدة أُبرزت خلال الجلسة الحواريّة مثل الفرق بين أشكال العنف الموجّهة ضد اللاجئين واللاجئات، وكذلك العنف بين اللاجئين/ات أنفسهم/ن، وهو العنف الذي يتقاطع مع خطاب الكراهيّة الموجّه ضد اللاجئين في دول اللجوء، ولا سيما الدول الأوروبيّة، ليبدأ هنا نقاش عن “عدم إعطاء فرصة لليمين الأوروبي” مقابل “يجب عدم التغطية على عيوبنا بحجة عدم استغلالها من قبل أحزاب اليمين الأوروبي”.
رغم كلّ النقاط السابقة، إلّا أنّ المشاركات في الجلسة الحواريّة قد أشرن إلى بعض النقاط الإيجابيّة التي تغيرت خلال السنوات الماضيّة، مثل أن يستخدم بعض الدعاة والشيوخ كلمات مثل “جندر” و”نسويّة” أثناء أحاديثهم وخطبهم الكارهة للنساء.
تخطط حكاية ما انحكت، مع شبكة الصحفيات السوريات وشركاء آخرين، لتنظيم جلسات حواريّة أخرى وأنشطة ثقافيّة في عدد من المدن حول العالم، حيث يتواجد السوريون والسوريات ومن يتقاطع معهم/ن، هادفة إلى خلق حالة عامة من النقاش المجتمعي الذي يساهم في رواية حكايات السوريين والسوريات المختلفة.