الدكتورة آراء الجرماني، جامعة بروكسل الحرة
يعلم المتابع أن حركات التحرر النسوي في سوريا لم تكن ببعيدة زمنيا عن حركات التحرر النسوي الأوروبية. ففي نهاية القرن التسع عشر وبدايات القرن العشرين أخذت الموجة الأولى من حركات التحرر النسوي الأوروبية بالظهور وبالتزامن معها ظهرت نداءات وإنجازات نسوية سورية بعضهن كان مدركا لنسوية خطابهن وأخريات غير مدركات ولكنهن كن يعايشن حركات التغيير الفكري في العالم مما أدى لتأسيس جمعيات نسائية امتد نشاطها ليواكب بداية ظهور الموجة النسوية الثانية في العالم في نهاية الستينات.
تنوعت اهتمامات هذه الجمعيات بين التنمية والتعليم والرعاية الصحية والمطالب السياسية والاجتماعية والثقافية إضافة للموجهة دينياً. فكان منها: (الجمعية القحطانية)، (المنتدى الأدبي)، (جمعية العربية الفتاة السرية)، (الندوة الثقافية)، (رابطة الجامعيات السوريات)، (سيدات الحنان)، (نور الإحسان)، (المرأة العربية)، (السيدات الإنجيلية)، (النهضة النسائية)، (إرشاد الفتاة العربية)، (الرابطة الثقافية النسائية)، (منتدى سكينة الأدبي)، (الهلال الأحمر السوري)، (الإسعاف العام النسائي)، (النساء العرب القوميات)، (الجمعية النسائية للخدمات الاجتماعية).
حال استلام حزب البعث زمام السلطة في سوريا أخذ على عاتقه قولبة جميع مكونات البلد البشرية ضمن اتحادات ونقابات وروابط ومؤسسات تنتظم تحت مظلة الحزب الحاكم حزب البعث العربي الاشتراكي. نظام القولبة هذا هو ما جعل أي خروج عن هذه القوالب عبارة عن تمرد على الحزب الحاكم، ومنه كانت المرأة، أحد طرفي النوع والتي لم يكتف النظام السياسي في سوريا بتواجدها داخل قوالب الاتحادات والنقابات المهنية والعمالية بل قام بتأطيرها عام 1967 داخل إطار الاتحاد العام النسائي السوري ومن ثم استكمل حافظ الأسد ما قد بدأه عبد الناصر أثناء حكمه لسوريا في توجيه أنظار الشعب إلى العدو الخارجي إسرائيل مطلقا برنامجه الساسي اللاحق امام المؤتمر القومي واصفاَ المرحلة التي تمر بها سورية أنها مرحلة “تحرر وطني” لاسترجاع الاراضي العربية المحتلة، وأن المعركة الوحيدة الآن هي بين “الامة العربية” و”اسرائىل”. ومن هنا تحولت جميع المطالب الاجتماعية والايديولوجية والسياسية الداخلية إلى مطالب ثانوية، وفي حال تعارض مطلب داخلي مع المهمة الأساسية وهي محاربة إسرائيل يعتبر هذا المطلب الداخلي مطلبا لاغيا وربما تتوجب محاربته. وبذلك باتت حملة اعتقال النساء الناشطات في التنظيمات النسائية المدنية واجبا وطنيا ليصل في عام 1987 عدد النسوة المعتقلات المتهمات بالانتماء إلى حزب العمل الشيوعي في فرع فلسطين 80 امرأة تراوحت فترة احتجازهن بين الأشهر والسنوات. هؤلاء النسوة أمثال أميرة حويجة وناهد بدوية وغيرهن واللواتي كن امتداداً لعمل نسوي سياسي شهدته سوريا منذ الثلاثينينات.
الاتحاد النسائي محو أمية أم تجهيل متعمد!!
قولبة الدولة السورية تلاها استصدار قانون لا يسمح للجمعيات في سورية أو أي تجمع مدني بالتواجد على ارض سوريا دون ترخيص مسبق من وزارة الشؤون
الاجتماعية والعمل التي ارتبطت قراراتها بالمخابرات والأمن السوري لدواع تخص المصلحة القومية، وبذلك حرمت المرأة من أي تمثيل لها على مستوى مؤسسات المجتمع المدني، وبات تعطيل كل حراك نسوي لاحق إنما هو حالة مبررة بما يدعى الهم القومي ولم يكن استمرار (رابطة النساء السوريات) التي تأسست منذ 1948 إلا عبارة عن محاولة جاهدة للاستمرار أثناء حكم الأسد على الرغم من تقليص طموحاتها التي لم تتجاوز المطالبة ببعض المطالب القانونية الحقوقية من مثل الجنسية وحقوق الأمومة والطفولة! وهو ما قصر حضور المرأة السورية على نافذة الاتحاد النسائي الذي لم تتجاوز منجزاته دورات لمحو الأمية، وأعمال مهنية وفنية نسوية وقرارات لإنشاء روضات للأطفال في مؤسسات الدولة لرعاية أطفال الموظفات، إضافة إلى تهيئة وتأهيل نخبة من سيدات المجتمع الحزبيات ليكن ممثلات لائقات لصورة الدولة التي يعمل حزب البعث على إبرازها أمام المجتمع العالمي.
تضارب قانوني!!
تبييض صورة الدولة أمام العالم والأمم المتحدة إنما هو أمر مركزي في سياسة نظام حزب البعث تحت قيادة الأسد، لذا تم تمويه توجه الدولة المناهض لتمكين المرأة ومساواتها بالرجل بالاحتماء خلف فكرتين هما: شرقية المجتمع وقوامة الرجل في الشريعة الإسلامية الفكرتين اللتين عززت حكم الأسد أمام العالم بوصفه قائدا لحزب يساري في مجتمع ينتمي لمنظومة قيمية شرقية اسلامية ولأن الأسد لم يأت للحكم بانتخابات ديمقراطية لذا كان حريصا على عدم مواجهة أو مجابهة المجتمع السوري ورجال الدين بل على تعزيز مكانة رجال الدين سياسيا إضافة لمكانتهم الاجتماعية وهو ما يعني رصيدا اجتماعيا له يبقيه على كرسي الحكم إضافة لتبنيه الهم القومي في محاربة إسرائيل. وهو ما هيأ أرضية شعبية ودينية لتبني قانون الأحوال الشخصية الجائر بحق المرأة فيما يخص أحكام الزواج والطلاق والوراثة والتحرش الجنسي، القانون المستند في معظمه على القانون الصادر باسم مجلة الأحكام الشرعية سنة 1293 هجرية ثم سنة 1336 هجرية أيام الدولة العثمانية. في الوقت ذاته كانت مواد الدستور الوجه المتسق مع قرارات الأمم المتحدة الناطقة بالمساواة في الحقوق والواجبات وفرص العمل وحق الانتخاب بين الرجل والمرأة هذا الوجه الذي كرسه بشار الأسد لاحقا بإصدار مرسوم تشريعي صادق فيه على اتفاقية (السيداو) بينما كانت أوامره في الكواليس تجري بتحفظ الحكومة على المواد والفقرات التي لا تتناسب مع مواد قانون الأحوال الشخصية.
ارتكاس ثقافي توعوي!!
السوريات وردة اليازجي ومريانا المراش وماري عجمي أول من كتبت مقالا عام 1870 في مجلة الجنان ليتبعها لاحقا وخلال 25 عاما تأسيس أربع مجلات نسائية: العروس عام 1910 الفيحاء عام 1920 ودوحة المياس عام 1928 والربيع 1935. وفي مقارنة سريعة مع الانحدار الذي طال الحراك النسوي والمدني بعد استلام البعث الحكم في سوريا نجد اقتصار المرحلة على مجلة المرأة العربية الصادرة عن الاتحاد النسائي التي تصدرتها أخبار الرئيس ومنجزات القيادة القطرية والاتحاد النسائي في محو الأمية ودورات تعليم الحلاقة والتطريز والخياطة.
الدكتورة آراء الجرماني، جامعة بروكسل الحرة
يعلم المتابع أن حركات التحرر النسوي في سوريا لم تكن ببعيدة زمنيا عن حركات التحرر النسوي الأوروبية. ففي نهاية القرن التسع عشر وبدايات القرن العشرين أخذت الموجة الأولى من حركات التحرر النسوي الأوروبية بالظهور وبالتزامن معها ظهرت نداءات وإنجازات نسوية سورية بعضهن كان مدركا لنسوية خطابهن وأخريات غير مدركات ولكنهن كن يعايشن حركات التغيير الفكري في العالم مما أدى لتأسيس جمعيات نسائية امتد نشاطها ليواكب بداية ظهور الموجة النسوية الثانية في العالم في نهاية الستينات.
تنوعت اهتمامات هذه الجمعيات بين التنمية والتعليم والرعاية الصحية والمطالب السياسية والاجتماعية والثقافية إضافة للموجهة دينياً. فكان منها: (الجمعية القحطانية)، (المنتدى الأدبي)، (جمعية العربية الفتاة السرية)، (الندوة الثقافية)، (رابطة الجامعيات السوريات)، (سيدات الحنان)، (نور الإحسان)، (المرأة العربية)، (السيدات الإنجيلية)، (النهضة النسائية)، (إرشاد الفتاة العربية)، (الرابطة الثقافية النسائية)، (منتدى سكينة الأدبي)، (الهلال الأحمر السوري)، (الإسعاف العام النسائي)، (النساء العرب القوميات)، (الجمعية النسائية للخدمات الاجتماعي).
حال استلام حزب البعث زمام السلطة في سوريا أخذ على عاتقه قولبة جميع مكونات البلد البشرية ضمن اتحادات ونقابات وروابط ومؤسسات تنتظم تحت مظلة الحزب الحاكم حزب البعث العربي الاشتراكي.
نظام القولبة هذا هو ما جعل أي خروج عن هذه القوالب عبارة عن تمرد على الحزب الحاكم، ومنه كانت المرأة، أحد طرفي النوع والتي لم يكتف النظام السياسي في سوريا بتواجدها داخل قوالب الاتحادات والنقابات المهنية والعمالية بل قام بتأطيرها عام 1967 داخل إطار الاتحاد العام النسائي السوري ومن ثم استكمل حافظ الأسد ما قد بدأه عبد الناصر أثناء حكمه لسوريا في توجيه أنظار الشعب إلى العدو الخارجي إسرائيل مطلقا برنامجه الساسي اللاحق امام المؤتمر القومي واصفاَ المرحلة التي تمر بها سورية أنها مرحلة “تحرر وطني” لاسترجاع الاراضي العربية المحتلة، وأن المعركة الوحيدة الآن هي بين “الامة العربية” و”اسرائىل”. ومن هنا تحولت جميع المطالب الاجتماعية والايديولوجية والسياسية الداخلية إلى مطالب ثانوية، وفي حال تعارض مطلب داخلي مع المهمة الأساسية وهي محاربة إسرائيل يعتبر هذا المطلب الداخلي مطلبا لاغيا وربما تتوجب محاربته. وبذلك باتت حملة اعتقال النساء الناشطات في التنظيمات النسائية المدنية واجبا وطنيا ليصل في عام 1987 عدد النسوة المعتقلات المتهمات بالانتماء إلى حزب العمل الشيوعي في فرع فلسطين 80 امرأة تراوحت فترة احتجازهن بين الأشهر والسنوات. هؤلاء النسوة أمثال أميرة حويجة وناهد بدوية وغيرهن واللواتي كن امتداداً لعمل نسوي سياسي شهدته سوريا منذ الثلاثينينات.