عمّار ديّوب، شبكة الصحفيات السوريات
الدستور، نصوص قانونية ناظمة لكافة شؤون الحياة. تضعه الدول للتخلص من الفوضى ولإدارة شؤون الناس وفقاً لتوازنات القوى المجتمعية فيه. يصاغ أيضاً وفقاً لحالة التطور العامة في المجتمع، وبالتالي يتغير بتغير المجتمع وهو ما يُجبر الدولة على تغيير دستورها وقوانينها. إذا كان لدينا مجتمع ذكوري وديني وفيه تمييز طبقي سيعني ذلك صياغة دستور متوافق مع هذه المسائل، والعكس صحيح؛ فإذا كان المجتمع يساوي بأغلبيته بين المواطنين، فهذا يعني دستوراً عادلاً وتلتغي منه المواد التمييزية على اختلاف أشكالها، دينية كانت أم جنسية أم قومية أم طبقية.
الآن كيف سنجندر الدستور، ومجتمعاتنا تعاني كل أشكال التمييز؟ كيف سيكون لدينا دستور يُساوي بين النساء والرجال وثقافتنا ذكورية وأحزابنا الحداثية ومنظمات المجتمع بكل أشكالها هامشية ومشتتة وشللية! هناك توجه نسوي يؤكد، أن سورية تتجه نحو دستورٍ جديد، وهذا صحيح. فقد طُرح الأمر مِراراً وتكراراً على طاولات مؤتمر جنيف الخاصة بالشأن السوري، وكذلك تم طُرحه مؤخراً عبر بيان مؤتمر سوتشي، وتمّ تشكيل لجنة دستورية منبثقة عنه. وأيضاً السيد ديمستورا شكّل مجلساً نسائياً للتشاور بخصوص تضمين حقوق النساء في أي دستور قادم لسورية وأن تكون مشاركتهم بما لا يقل عن 30%، أي صيانة حقوق المرأة، وهنا يصبح مفهوم الكوتا الدستورية تعبير مطابق لهذه الحالة، أي وجود مواد دستورية ولكنها فوق الدستور، أي غير قابلة للاستفتاء عليها، وتُفرض فرضاً، وهذا يتم عبر الدولة، أو التدخل الدولي المتعدد الأشكال لصياغة الدستور السوري.
الأمرُ إشكاليٌّ بحق، فحينما يسود مجتمع ذكوري وفيه تمايز ديني، ويؤمن بالأحوال الشخصية الدينية، وبأن القرآن وبقية النصوص الدينية هي المصدر التشريعي الأساسي للقوانين، وأن دين الدولة الاسلام، وبالتالي يطرح السؤال: كيف سيتم التغلب على كل هذه العقبات، وجندرة الدستور ولغته؟
لا يمكن نقاش جندرة الدستور نحو “المساواة الكاملة بين الجنسين” وأثر ذلك على النساء قبل مناقشة كيفية كتابة الدستور ومن سيكتبه وكيف سيتم تمريره عبر مجتمعنا كما ذكرت؟!. طبعاً كل جندرة للدستور وإلغاء كل أشكال التمييز بين الأديان أو المرأة والرجل أو في الأحوال الشخصية وسواها، سيؤثر مباشرةً على النساء، وسيكون الأمر صراعياً بين القوى المجتمعية المؤمنة بالتغيير والمساواة وبين القوى الرافضة للمساواة والعدالة بين الاديان والجنسين؛ القضية ليست بسيطة على الاطلاق.
يوجد لدينا مشكلة كبرى، وهي توجه الفاعلين والنسويات/يين، نحو المنظمات الدولية والدول الأجنبية والسيد ستيفان دي مستورا بالتحديد، للضغط على أية قوى سياسية سورية أو قضائية أو النظام الحالي أو أية أطراف فاعلة لتكون أية صياغة جديدة للدستور ضامنة لحقوق النساء بالمساواة الكاملة. أقصد أن التوجه لم يكن نحو المجتمع المحلي بشكل أساسي، بل نحو قوى دولية فاعلة، وهذه قضية خطيرة، “تغزو” القوى السياسية السورية كافة، وهي إدارة الظهر للمجتمع المحلي، ومحاولة تأمين الدعم من الخارج لإقرار دستور جندري. قُدمت انتقادات شديدة لهذه القضية، وأصلها هنا، أن الأساس في الدستور أن يمثل المجتمع. طبعاً وجود وعي غير جندري في المجتمع سيعني معركة خاسرة منذ البداية، وبالتالي لا بد من كوتا دستورية، ومواد فوق دستورية تُفيد بالمساواة بين الجنسين.
في حالتنا السورية، سيكون هناك دستور جديد، أو إعلان دستوري مؤقت لحين صياغة الدستور، وبتوضيحنا لحالة المجتمع أعلاه، تصبح حقوق النساء مهددة فعلاً، وستكون مواد الدستور والقوانين القادمة لا تختلف كثيراً عن الدساتير التمييزية القديمة في سورية، والتي ترفع من شأن الإسلام على بقية الأديان والطوائف، وتُعلي من شأن الرجل وفقاً للأحوال الشخصية الديني، ولا تؤهل المواطن ليكون رئيساً لسوريا إلا إذا كان رجلاً ومسلماً.
الثورة التي اندلعت في 2011 كانت تتجه نحو صياغة دستور وضعي ولا شك، ولكن كل التطورات اللاحقة عمقت الهويات الدينية والقبلية والطائفية، وبالتالي لا يمكن للدستور القادم تجاوز هذه التطورات! إذاً ما الحل لهذه الاشكالية؟
حاولت طرح معظم المشكلات التي ستعترض جندرة الدستور أعلاه. وأود أن أؤكد أنه من الخطأ “التوهم” أن الدول المتدخلة بالشأن السوري فعلاً تريد وضعنة الدستور وجندرته؟ ما أعرفه عن العراق مثلاً، أن الدستور كان لتشريع التطييف والذكورية، ورفض كل توجه علماني أو وضعي، وتم ذلك بإشرافٍ أمريكي. أيضاً بالنسبة للروس والأمريكان، باعتبارهما الطرفين الفاعلين الأساسيين في سورية حين نهاية الحرب وبداية الحل السياسي، فهل سيعملان على دستور مجندر؟ إن ملاحقة المنظمات النسوية للقوى الدولية ليُضمِّنوا حقوق النساء في أي دستور سوري مستقبلي ستخضع لموازين القوى، وسيكون تمثيل النساء وفقاً للتمثيل النسائي في القوى السياسية والمجتمعية والمدنية السورية.
إن فرض كوتا دستورية وإيجاد قوانين وضعية من أعلى لن يساهم في تغيير كبير في وعي المجتمع. فمثلاً، لن تحدث مساواة كاملة بين النساء والرجال إن بقيت النساء يمتلكن وعياً ذكورياً باعتبار وعيهن من المجتمع الذي هن فيه. تشترط المساواة الكاملة بين النساء والرجال حدوث تغيرات كبرى في تطورالمجتمع اقتصادياَ وتحديداً صناعياً، وبالتالي تغير الأساس المادي وانتقال المرأة إلى موقع المساواة في العمل والمجتمع.
القضية ليست بسيطة، ولكن دون شك، وبشكل قاطع فإن كل جندرة للدستور سيكون لها دور في تشكيل وعي جندري مجتمعي وليس نسائي فقط.