هناء الخضر
دور المؤسسات النسائيّة في تفعيل سياسات حسّاسة للجندر
تمّ إنتاج هذه المادة خلال مرحلة المتابعة والإرشاد في برنامج “النساء والسلام والأمن“، من مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات، وبإشراف الصحفية لمى راجح. حُرر ونُشر بالتعاون بين حكاية ما انحكت وشبكة الصحفيات السوريات.
انعكس الحراك النسائي والنسوي في سوريا خلال السنوات السابقة على عمل المنظمات في الشمال السوري، حيث عملت بعض المنظمات على تطوير سياسات خاصة بها حسّاسة للنوع الاجتماعي، كما كان للمنظمات النسائيّة دورًا في تعزيز الوعي من خلال العمل مع المجتمع المدني على تدريب الكوادر المدنيّة وصياغة سياسات حسّاسة للنوع الاجتماعي لهذه المنظمات، ونقصد بالسياسات الحساسة جندريًا تلك التي تراعي احتياجات وخصوصيّة كلا الجنسين بما يجعل بيئة العمل أكثر إنصافًا لهم/ن واستجابة لاحتياجاتهم/ن.
نال الشمال السوري في السنوات الأخيرة حصة كبيرة من العمل على مناصرة قضايا المرأة وتمكينها وعلى قضايا النوع الاجتماعي، وقد نشأت بعض المؤسسات النسائيّة العاملة في هذا الجانب، وخاصة في مدينة اعزاز التي تُعتبر بوابة الشمال السوري وحاضنة لجميع المنظمات الدوليّة والمحليّة. كما أصبح هناك فرق واضح بين الأدوار النمطيّة للنساء في الأعوام الماضية، وأدوارهن الحاليّة التي توسعت ليصبح وجودهن ملحوظًا في مختلف المؤسسات العاملة في الشمال السوري وإن كان هذا الوجود بنسبة ضئيلة. والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو الأثر الذي تمّ تحقيقه بعد مرور هذه السنوات من العمل المكثف على قضايا المرأة والنوع الاجتماعي وخاصة في إطار تفعيل سياسات حساسة للجندر؟
المعاناة نتيجة غياب سياسات حسّاسة للجندر
شام السيد (اسم مستعار) تعمل في مجال الحماية تشرح أنّها وقّعت على العديد من الوثائق التي تتعلق بالسياسات المعتمدة لدى المنظمة التي تعمل بها مثل مدونة السلوك وسياسة حماية الطفل والاستغلال الجنسي، وهي سياسات يتم تنفيذها ومتابعتها بشكل مستمر، وعلى مستوى السياسات الأخرى كسياسة الإجازات فهي مطبقة أيضًا، أمّا فيما يخص السياسات التي تراعي أوضاع النساء فتقول: “هناك العديد من الجوانب التي لا يتم مراعاتها ضمن السياسات، ولا يوجد إجراءات تراعي أوضاع النساء، فعلى مستوى المرافق الموجودة في المنظمة هي مشتركة وعندما تمّ المطالبة بتخصيص مرافق للنساء كان التبرير بعدم وجود مساحة لإنشاء هذه المرافق”، وتضيف: “إنّه لشيء يدعو للضحك أن أكون موظفة في مجال الحماية وأنا بحاجة للحماية، .يبدو أنّ سياسة الحماية موجهة للنساء غير الموظفات!”. رغم مطالبة شام وزميلاتها بمراعاة أوضاعهن كموظفات إلّا أنهنّ لا يجدن آذانًا صاغية تهتم بتغيير السياسات لتكون أكثر إنصافًا للنساء.
بالنسبة لفرص التدريب في المنظمة تؤكد شام بأنّها متوفرة ولكنها تتوجه للرجال بشكل أكبر خاصة إن كان التدريب خارج المنظمة بحجة أنّ المرأة يصعب عليها الوصول لمكان التدريب، وأنّ سياسات الأمن والسلامة تفرض عدم ذهاب موظفة بمفردها لحضور التدريب.
فاطمة (اسم مستعار) إحدى النساء العاملات في مجال الحماية وهي أم لطفلتين، تقول: “يوجد سياسات وهي مفعّلة، ولكنها تتسم بضعف الحساسيّة للجندر، وقد تمّ رفض اقتراح وجود حضانة للأطفال داخل المنظمة رغم أنّ الاقتراح كان يتضمن أن تتكفل الموظفات بأجرة المربية”. اضطرت فاطمة لوضع طفلتيها في إحدى الروضات من الصباح حتى ساعة انصرافها هي وزوجها من العمل، وبالرغم من الدور الإيجابي لزوجها إلّا أنّ المسؤوليّة الأكبر في موضوع رعاية الأطفال تتحمله فاطمة حيث تؤكد أنّ تفاصيل الطفل اليوميّة تتحملها الأم بشكل أساسي منذ لحظة ولادته، ممّا يضاعف المسؤوليّة على فاطمة إلى جانب عملها.
تتحمل الكثير من النساء في مجتمعاتنا مسؤوليّة تربية الأطفال، ويتوقع المجتمع منها أن تكون الأم هي وحدها المسؤولة عن تربيتهم. هذه الأدوار النمطيّة التي يتوقعها المجتمع تجعل العبء مضاعفًا على العديد منهن سيما اللواتي يعملن في المجال العام، فتجد النساء العاملات أنفسهن غير قادرات في كثير من الأحيان على التوفيق بين العمل داخل وخارج المنزل، خاصة في ظل عدم وجود سياسات عمل توفر حضانة لهن وساعات رضاعة ما يؤدي لانسحابهن من المجال العام.
ترى فاطمة بأنّه، وعلى مستوى المناصب، ثمّة تمييز غير مباشر وهناك فرق بين مكاتب المنظمات خارج وداخل سوريا فيما يخص هذا الجانب. ورغم عدم وجود سياسة مكتوبة تنص على منع تولي المرأة المناصب العليا، ولكن هناك أعذار وتبريرات في المنظمات العاملة في الداخل السوري خاصة تلك المناصب التي تتطلب احتكاك بفئات مختلفة من المجتمع قد تُسبب بعض المضايقات للمرأة في حال كانت في مثل هذه المناصب حسب رأي فاطمة، وتتابع: “إن كان هذا التبرير صحيحًا فمن المفترض وجود سياسات أمن وسلامة تحمي المرأة وتُمكّنها من القيام بعملها وخاصة إن كانت تُبدي رغبة بذلك ولديها القدرة على الإنجاز والإبداع”.
ثمّة الكثير من التحديات التي تواجهها العديد من النساء السوريات لتولي مناصب قياديّة وإداريّة عُليا، ويأتي هذا كنتيجة لرفض بعض المجتمعات المحليّة تولي النساء لهذه المناصب، ونتيجة لذكوريّة المجتمعات التي ترفض ذلك بالإضافة لغيرها من الأسباب التي تتعلق بالإرث الاجتماعي والعادات والتقاليد، ما يؤدي بالمحصلة لإقصاء النساء وتحييدهن عن العمل أو توفير بيئة عمل آمنة وعادلة لهن.
تجارب لنساء مع وجود سياسات حسّاسة للجندر
نيفين الحوتري رئيسة مجلس إدارة وحدة دعم وتمكين المرأة في مدينة اعزاز، ترى أن من يهتم بتطبيق سياسات حسّاسة للجندر هي المنظمات التي تختص بالعمل على قضايا النوع الاجتماعي، وترى أنّ غالب المنظمات التي تعمل في مجالات أخرى سواء أكانت دوليّة أو محليّة لا يهمها أن تكون سياستها أو حتى أنشطتها حسّاسة جندريًا.
وبما أن وحدة دعم وتمكين المرأة هي منظمة نسائيّة تعمل وتسعى لتفعيل دور النساء ومناصرتهن، فقد أصدرت الوحدة دليلًا يتحدث عن أدوار النساء ضمن المؤسسات. أشار الدليل إلى أنّ أغلب أدوراهن تقتصر على مناصب إداريّة عاديّة ونمطيّة، ونساء قليلات جدًا تواجدن في مناصب قياديّة. كذلك يتضمن الدليل توصيات بأن يكون للمرأة تمثيل حقيقي في المنظمات، وقد قامت وحدة دعم وتمكين المرأة باستهداف عدد من المنظمات بهذا الدليل وذلك بهدف تفعليه.
إلهام عاشور مديرة فريق سوريانا الأمل النسائي في مدينة اعزاز، قامت مع الفريق في الفترات السابقة بالعمل على تطوير وتفعيل العديد من السياسات والإجراءات التي تتعلق بالإجازات الدوريّة وساعات العمل المرنة التي تتيح للموظف\ة اختيار توقيت العمل الذي يناسبه\ها. وكما عملت مع الفريق على تفعيل إجازات تتعلق بطبيعة المرأة على وجه الخصوص مثل إجازة الدورة الشهريّة والرعاية الشهريّة في حال مرض أحد أقرباء المرأة من الدرجة الأولى، إضافة إلى اعتماد العطل الرسميّة العالميّة مثل يوم المرأة العالمي.
سيسيليا الطويل موظفة في مكتب التنمية المحليّة في اعزاز، ترى أنّ السياسات المُطبقة داخل المنظمة كان لها أثر إيجابي في قدرتها على الإنجاز بالجودة والسرعة المطلوبة، تقول سيسليا: ” لقد استفدت من إجازة الأمومة وساعات الإرضاع ممّا خفّف عني العبء النفسي الكبير تجاه طفلي المولود حديثًا”. ترى الطويل أن هناك قلّة قليلة من المنظمات التي تراعي جوانب أُخرى مثل أهميّة وجود حضانة للأطفال داخل المنظمات التي تستقطب النساء للعمل.
سياسات حسّاسة للجندر من منظور الرجال
محمد (اسم مستعار) مسؤول موارد بشريّة، يرى أنّ المشكلة ليست في وجود سياسات حسّاسة للنوع الاجتماعي وعدم وجودها بل في عقليّة القائمين/ات على تنفيذها وتطبيقها، فموضوع الجندر لا يراعي النساء فقط بل الرجال أيضًا، والجنسين يحتاجون/ن لتفعيل هذه السياسات. “ربما لو تمّ استهداف عقليّة القائمين/ات على وضع السياسات لكان الموضوع أجدى بكثير” يقول محمد.
سعيد (اسم مستعار) وهو موظف أمن وسلامة في إحدى المنظمات الإقليميّة والعاملة في الداخل السوري يقول: “إنّ السياسات موجودة ولكنها ليست مُعمّمة على جميع الموظفين\ات، فلو لم يسألني أحد عن وجود إجازة أبوة في المنظمة لما خطر في بالي السؤال أو التفكير في هذا الجانب لأنّني أعزب، وربّما كان العديد من الموظفين/ات لا يعرفون ذلك.”