سوريات في مواجهة إصابات الحرب

شادية التعتاع

تجلس على الأرض في فسحة منزلها بساقٍ واحدة بين كومةٍ من الخبز وكومةٍ أخرى من الألبسة البالية. يرتاد عليها من تعود أن يشتري خبزه منها، وأينما جلست يكون عكازها الخشبي بجوارها ليعينها على النهوض والمشي. بابتسامةٍ خفيفةٍ على وجهٍ حفر الزمن الصعب فيه بعض التجاعيد قالت لنا أم محمد (٤٧عام) من قرية حيش:” أحمدُ الله على ما أنا فيه”. كانت أم محمد تعيش في بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي حين سقط برميلٌ متفجرٌ ألقته إحدى مروحيات النظام السوري على بيتها مما جعلها تفقد إحدى ساقيها. بعد دمار بيتها وتخلي زوجها عنها والزواج بأُخرى عادت أم محمد لتعيش مع أطفالها الستة في منزلٍ شبه مهدّم لأحد أقاربها في حيش مسقط رأسها.
تحاول أم محمد التأقلم مع حالتها وظروف الحرب القاسية، حيث بدأت العمل في بيع الخبز وبعض الألبسة المستعملة لتؤمن لأطفالها لقمة عيشهم وحياةً كريمةً قدر المستطاع. حالة أم محمد ليست الوحيدة، بل تُمثل آلاف النساء ممن فقدن إحدى أطرافهن إثر الحرب. ففي أواخر حزيران 2015، فقدت السيدة تهاني (٣١عام) من بلدة احسم في ريف إدلب الجنوبي ساقها وجنينها بالإضافة لابنها الذي لم يبلغ من العمر 8 سنوات إثر استهداف السوق الرئيسي لبلدتها من قبل طيران النظام السوري. وبسبب الأوضاع المالية الصعبة وغلاء الأسعار، لا تستطيع تهاني تركيب طرف صناعي ذكي.
تُضيء قصة تهاني الضوء على معضلة غلاء الأطراف الصناعية وخاصة الذكية منها. فكثير من الشباب والشابات والأطفال يُعانون من العجز والانطواء بسبب هذه المشكلة، حيث قد يصل سعر الطرف الواحد إلى آلاف الدولارات، ويُعتبر تأمين هذا المبلغ شبه مستحيل عند شريحة كبيرة من الناس، إضافة إلى عدم توفر هذه المستلزمات في محافظة إدلب لذا يضطر المصابون للسفر إلى تركيا لتأمينها.
أثرت ظروف الحرب على المجال الطبي في سوريا، فقد قلّ عدد الأطباء نتيجة الهجرة خارج البلد وقصف المشافي والمستوصفات مما أدى إلى إنشاء مشافي ميدانية بإمكانيات بسيطة. يتحدث الدكتور عطا عرنوس عن التحديات التي يواجهها الأطباء ضمن هذه الظروف الصعبة التي تؤثر على مساعدة ضحايا الحرب: “هناك عدّة منظمات في كصنفرة وإدلب وريف حلب الغربي في الداخل السوري تبنّت موضوع تركيب الأطراف الصناعية، ويتم ذلك من قبل لجان ودراسة عن وضع المصاب المادي والعائلي ليتم مساعدته في حالات نادرة” بحسب قول الطبيب.
من جهة أخرى يقول الأخصائي ماهر زعتور مدير مركز الأطراف الصناعية في بلدة كفرنبودة بريف حماه أن مركزهم يقدم المساعدة بتركيب الأطراف الصناعية العادية والذكية بسعر التكلفة تقريباً بسبب غياب الدعم للمركز. ويوضح أن فكرة إنشاء المركز جاءت من معاناة الناس في سعيهم للحصول على أطراف صناعية وانتظارهم لمدة قد تصل إلى ستة أشهر. ويضيف أن المركز يعمل بجهود مختصين في تركيب الأطراف بتكلفة متفاوتة تبدأ من ٣٠٠ دولار بحسب نوع البتر، ويعد الطلب على الأطراف الذكية محدوداً بسبب ارتفاع التكلفة. وقد تم افتتاح فرع للمركز في بلدة “الدانا” بريف ادلب للوصول لأكبر عددٍ ممكن من المتضررين.
تعتبر مشكلة بتر الأطراف الناجمة عن الحرب من كبرى ويلات الحروب
حيث ترافق هذه الإصابة المصاب\ة مدى الحياة. ورغم غياب الإحصائيات الدقيقة، فقد نوه الدكتور عطا عرنوس (جرّاح عام في مشفى ادلب الوطني) أنّ نسبة بتر الأطراف تتراوح ما بين ١٠ إلى ١٢ بالمئة من مجمل الإصابات الكلية الناجمة عن القصف والغارات الجوية. كما قدَّرت الجمعيات الطبية المحلية في الداخل السوري أنّ عدد مبتوري الأطراف في عموم سوريا يزيد عن ١٠ آلاف مصاب، وتمثل النساء ٤٠% من هذه الإصابات.
وبالإضافة إلى معاناة آلاف النساء المبتورات الأطراف، تعاني النساء أيضاً من إصاباتٍ نتيجة لانتشار السلاح بين أفراد أسرهن. فمثلاً في ريف إدلب الجنوبي، تعرضت فاطمة البالغة من العمر 22 عاماً لإصابة نتيجة لإطلاق زوجها النار بشكل عشوائي في منزلهم حين وقع شجار بينه وبين أحد أفراد أسرته لتخترق إحدى الطلقات جسدها من الخاصرة وتخرج من ظهرها مسببة لها عطباً تاماً في الكلية وضرراً في الطحال وكسراً في فقرتين من عمودها الفقري. تم إسعاف فاطمة إلى مشفى في بلدة مجاورة لإجراء عمليات لها لربط الفقرات من قبل الطبيب المختص (محمد الجسري). وبعد معاناة طويلة تخللها الألم والتهديد بالشلل وعدم المشي لمدة سنة ونصف تقريباً، استطاعت فاطمة بقوة إرادتها الوقوف والمشي على رجل واحدة بمساعدة عكازاتها بعد خضوعها للمعالجة الفيزيائية.
تضيء قصص أم محمد وتهاني وفاطمة الضوء على معاناة آلاف النساء في سوريا من بتر الأطراف والإصابات الناتجة عن قصف الطيران العشوائي وانتشار السلاح. ورغم أنّ جميع فئات المجتمع عرضة لهذه المعاناة، إلا أن المجتمع البطريركي والنظرة الدونية للمرأة تجعل تجربة النساء اللواتي يتعرضن لبتر الأطراف أكثر صعوبة.