ضحية جديدة، ولكن فرصة لبدء التغيير
مقال من جندر رادار
ضمن دوامة الاستخفاف بمعاناة النساء، كادت جريمة قتل آيات الرفاعي تنتهي بإفلات الجُناة كما في غيرها من حالات العنف الأسري. لكن، ومع تعاظم الضغط على منصات
التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، تم فتح ملف التحقيق واستجواب القَتلة. تَتكامل عناصر جريمة قتل هذه الشابة لتؤكد أن الفعل ليس فردياً واستثنائياً، بل نتيجة منظومة مجتمعية مفعمة بكراهية النساء.
بالعمل على تفكيك هذه العناصر تتبدى مسؤولية الأهل عن زواج ابنتهم المبكر، وعن صمتهم عن تعنيفها المستمر. كما تظهر مأساة سيطرة أهل الزوج على حياة الفقيدة وتحويلها إلى كابوس غير منتهي من الذل والإهانة والضرب. ومن تفاصيل الأذى التي تعرضت لها آيات بالإضافة للخيانات المستمرة من قبل زوجها، تهديده لها بالزواج من أُخرى.
عاشت آيات الخوف من الطلاق ومن العار ومن الوصمة ورحلت على يد العائلة التي يرجو الإنسان عادة أن يجد معها الأمن والمحبة. ويظهر في هذه الحادثة تقصير الأجهزة الأمنية التي لم تبد تفاعلها لمحاسبة القتلة، حتى قامت صديقة آيات بفضح جريمة العائلة بحسب الروايات المتعلقة بالحادثة. كل ما سبق يبين كيف يتجذر العنف ضد النساء كممارسة مجتمعية وليس كحادثة فردية ومفاجئة.
ومن اللافت في هذه الجريمة بروز قضية القوة والسيطرة وارتباطها بالعنف الجسدي. فالتهديد والتخويف والقمع جزء من عناصر هذه الجريمة والتي استخدمت لإخضاع الضحية. كما يظهر استخدام امتيازات الزوج وارتباطه بمواقع السلطة لاستمرار تعنيفه ومحاولاته التملص من العقاب.
قد يعكس الجدل في منصات التواصل، تبرير انتماء الزوج لصف النظام كنوع من حصر هذا العنف بفئة معينة أو بحزب معين. بينما لا يخفى كون هذه الحوادث جزء من ثقافة أبوية متغلغلة في مجتمعاتنا وليست حكر على حزب أو تيار سياسي دون الآخر، كما لا تقتصر على الرجال أصحاب السلطة الرسمية.
تعكس هذه التفاصيل بما فيها من رعب حجم الضرر في المنظومة حيث يمر تعذيب وقتل النساء والفتيات كحدث عابر. كيف يمكن ضمان أمن وسلامة النساء مع وجود قوانين مجحفة بحقهن ومع نظرة مجتمعية تجعل من العائلة والزوج سلطة مطلقة لها الحق في إنهاء حياتهن؟ كيف يمكن ضمان سلامتهن مع وجود عُرف يحرمهن من العلم والعمل، وبالتالي يمنع تمكينهن من اتخاذ قرارات تضمن استقلالهن وكرامتهن؟ مع الخوف من الحرمان من الأطفال ومع الخوف من العوز ومع الخوف من الوصمة لا مجال لمساحة آمنة للنساء في مجتمعنا.
ويعتبر نظام الرعاية الصحية جزءاً من المؤسسات التي تساهم بالكشف عن العنف الأسري وفضح جرائم المُعَنفيين. فحوادث العنف المنزلي والتي تشتمل على عنف جسدي تحتم على الكادر الطبي الكشف عن الأذى التي تتعرض له الناجية / الضحية. ومما يمكن استشفافه من الحادثة، فقد تلقى المشفى جثمان المغدورة دون إثارة الأسئلة حول رواية العائلة. فتم قبول الجثمان مع ادعاء العائلة أن المغدورة قد تعرضت للارتطام بالحائط كحادث عرضي. ومع قبول الفريق في المشفى بهذه الرواية دون إجراء كشف طبي، فإنهم لم يظهروا نيّة ومسؤولية في تحقيق العدالة.
ورغم ما تحمله تفاصيل هذه الجريمة من سوداوية، إلا أن الحراك على منصات التواصل الاجتماعية وانتشار الهاشتاغ الذي جعل من جريمة قتل آيات الرفاعي قضية رأي عام، يُظهر إمكانية التغيير وأهمية الحراك النسوي. فقد بات تحصيل العدالة قضية رأي عام ولم يعد من الممكن إفلات القتلة من العقاب. من هنا تأتي أهمية العمل الدائم لتقديم خطاب إعلامي يخلو من التمييز الجندري. كما تتجلى الحاجة لمنصات إعلامية تعمل على تمثيل النساء ونقل أصواتهن ورؤيتهن حول عالم يخلو من التمييز واللامساواة.
ليست قصص تعذيب نساء وإهانتهن، أخبار يجب تنحيتها لكثرة تكرارها، بل هي دليل على ضرورة الاستمرار بالحديث عنها وبعمق أكبر من أجل التغيير العاجل والسريع. وليست الصرخات المطالبة بالتغيير مسألة يجب كبحها وإسكاتها، بل هي الجرائم ضد النساء والفتيات ما يجب فضحها وإنهائها، والتوقف عن التعامل معها ضمن إطار الخلافات العائلية.
من ناحية أخرى يقود السؤال حول أهمية الإعلام إلى تأمل دوره بالحفاظ على كرامة الضحايا / الناجيات من النساء من خلال التروي والالتزام بمجموعة من القواعد المهنية قبل نشر أسمائهن. فموضوع حملات نشر الوعي والتعريف بمصير الضحايا / الناجيات تنطوي على جدلية تعكس الأمر ونقيضه فيما يتعلق بنشر أسماء الضحايا / الناجيات. فرغم ضرورة كشف جرائم القَتلة إلا أن سؤال كشف أسماء الضحايا / الناجيات يتضمن عدة نقاط يجب مراعاتها بحسب الحالات وبحسب الظرف.
ومن المهم اعتبار القوانين التي تخفف من عقوبة المُعنفيين، كجزء أساسي من استمرار حلقة العنف ضد النساء. ومن ضمنها التساهل مع والتغاضي عن قضايا العنف اللفظي والذي يسمح بتمادي المُعَنِف واستسهاله الاستمرار بالإساءة لشريكته. ومن المؤسف أنه في بعض الحالات يتم التخفيف من أثر العنف اللفظي واعتباره كجزء طبيعي من العلاقات الحميمة. أو قد يتم الاستهزاء بمشاعر الناجية / الضحية عند الإشارة لما تتعرض له من إساءات لفظية.
ويظل السؤال مستمراً حول كيفية وضع قوانين رادعة لتحمي النساء والفتيات من العنف الأسري، وكما يستمر البحث عن طرق لتغيير الخطاب الأبوي الكاره للمرأة والمحمل بالوصائية والتشييء والوصمة. من الضروري بمكان عدم التوقف عن تسليط الضوء على ما تعانيه النساء من عنف أسري، ورفض الرواية التي تجعل من هذه الجرائم قضايا فردية أو حالات خاصة. فليست جريمة قتل آيات الرفاعي حادثة منفردة، بل هي مشكلة اجتماعية وجزء من كابوس مسلّط على النساء بشكل يومي ومستمر. وبهذا تتضح ضرورة اعتبار كل قضايا العنف الأسري كقضايا رأي عام، كي نحقق العدالة للضحايا ونُحصّل الأمن والسلامة للناجيات والضحايا المحتملات.