مريضات سرطان الثدي شمال شرق سوريا.. معاناة مضاعفة وفرص علاج محدودة

ديانا محمد وشيرين تمو ونجبير حسين – شبكة آسو

لم تتوقع جازية اوسو (٤٧عاما) أن الكتل التي بدأت تظهر في ثديها الأيمن وعمدت لاستئصالها هي أوراماً سرطانية بل اكتشفت ذلك بعد الأعراض التي بدأت تظهر عليها إثر العمل الجراحي الذي خضعت له، لتبدأ مرحلة علاج طويلة لا تعلم نهايتها.

ويعتبر سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء في بلدان العالم النامية والمتقدمة على حد سواء، وتحدث سنوياً نحو ٣٨’١مليون حالة جديدة للإصابة بسرطان الثدي و٤٥٨٠٠٠حالة وفاة جراء الإصابة به وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وتم تخصيص شهر تشرين الأول/أكتوبر من كل عام في بلدان العالم كافة للتوعية بخطورة سرطان الثدي وضرورة الابتكار في الكشف عنه وعلاجه فضلاً عن تزويد المصابين بالرعاية المخففة لوطاته.

ويشار أن معدلات الإصابة بمرض السرطان ارتفعت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة في سوريا، حيث أشارت الوكالة الدولية للأبحاث السرطانية التابعة لمنظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر في أيلول/ سبتمبر ٢٠١٨إلى إحتلال سوريا المركز الخامس بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان، وبأن هناك ١٩٦شخصاً مصاب بالسرطان من كل ١٠٠ألف سوري وأن المرض يتسبب بوفاة ١٠٥أشخاص من كل ١٠٠ألف سوري، وعلى صعيد مديرية الصحة في مقاطعة كوباني فإن هناك ١٣٤حالة سرطان ثدي منذ بداية ٢٠١٩وحتى اليوم.

وتفتقر المناطق السورية بشكل عام ومناطق شمال شرقي سوريا بشكل خاص إلى المراكز العلاجية الكافية لعلاج سرطان الثدي، كما لاتضم فعاليات للتوعية بأهمية الكشف المبكر عن المرض إلا ماندروهو ما يؤخر اكتشاف المرض ويفاقم الخطر ويزيد من حجم المعاناة والتكاليف العلاجية.

عن تجربتها مع سرطان الثدي تقول جازية وهي من قرية جولي التابعة لريف عامودا شمال شرق سوريا” منذ قرابة السنتين إكتشفت إصابتي بالمرض، شعرت بداية بورم في ثديي الأيمن ظننت أنه أمر عادي كعقدة حليب أو ما شابه، أهملت الامر و لم اهتم و لكن مع زيادة الالم منذ خمسة أشهر اضطررت للذهاب إلى الطبيب الذي شخصها على إنها عقدة ليفية و ليست شيئاً خطيراً، وهو ماطمأنني فلم أزر طبيبا أخر” وتضيف أنه يوما بعد يوم أصبح الألم ” لايحتمل ”فعمدت لزيارة طبيبة في مدينة القامشلي والتي أخبرتها أنها بحاجة إلى عمل جراحي لإزالة الكتلتين الموجودتين في الثدي، وبالفعل خضعت جازية لعملية جراحية بعد أسبوع واحد من زيارتها الطبيبة، وبعد فترة لاحظت تغير بلون الثدي و الألم راح يزداد لذا لجأت جازية لطبيب آخر ليقوم بتحليل خزعة ويكتشف أن الكتلتين التي كانت قد تمت إزالتهما كانتا أوراما سرطانيا وأن السرطان قد إنتشر في الثدي وأن عليها الخضوع لعمل جراحي لإستئصال الثدي قبل أن يزداد وضعها سوءاً، وهو ماتم بالفعل .

الطبيب لؤي القاسم اخصائي بأمراض الأورام يعرف سرطان الثدي بأنه عبارة عن عدد من خلايا الثدي التي تبدأ بالتكاثر بشكل غير طبيعي، هذه الخلايا تنقسم بسرعة أكبر من الخلايا السليمة ويمكن أن تبدأ بالانتشار في جميع أنحاء نسيج الثدي إلى داخل الغدد الليمفاوية بل وإلى أعضاء أخرى في الجسم، ويرجع الطبيب القاسم أسباب الإصابة لعوامل عدة أهمها الوراثة، عيوب جينية، التعرض للأشعة، التدخين، الوزن الزائد، العلاج بالهرمونات وغيرها، وتشمل الأعراض ألم في الثدي، تغير بلون الجلد، ظهور طفح جلدي حول الثدي.

لم تنتهي معاناة جازية عند هذا الحد فهي بحاجة إلى جلسات علاج كيماوي للتخلص نهائيا من السرطان، وهي غير متوفرة في منطقتها مايضطرها لقصد مناطق أخرى للحصول عليها.
جازية ليست خائفة من مرضها بل واجهته بعزيمة و إصرار على الشفاء، وهي تنصح جميع النساء بإجراء الكشف المبكر عن سرطان الثدي كي لا يتطور الأمر معهن للإستئصال كما حدث معها. معظم مريضات سرطان الثدي اكتشفن مرضهن بشكل متأخر نتيجة عدم الوعي وقلة مراكز العلاج والكشف المبكر عن المرض في المنطقة وهو مازاد من آلامهن وقلل من فرص شفائهن.

وقد أنشأت شمال شرق سوريا حديثاً مراكز تقدم خدمات محدودة لمريضات سرطان الثدي اللواتي يضطررن في كثير من الأحيان لإكمال علاجهن في مشافي العاصمة دمشق بعد تكبد الكثير من التعب والعناء والنفقات.
وأهم المشافي الحكومية التي تقصدها مريضات سرطان الثدي في دمشق هو مشفى البيروني الذي اعتاد على استقبال عدد كبيرمن مرضى السرطان سابقاً وتقديم العلاج المجاني لهم، أما اليوم فقد باتت العلاجات المجانية نادرة بسبب صعوبة الاستيراد والعقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري، ونظراً لغلاء الأدوية المستوردة التي يفوق شرائها مقدرة أغلب السوريين ، فقد اضطر آلاف مرضى السرطان لانتظار دورهم للحصول على العلاج المجاني في المشافي الحكومية وهو مايعني تدهور حالتهم الصحية بسبب عدم توافر الأدوية في الوقت المحدد.
ومن المراكز المتواجدة في منطقة شمال شرق سوريا مركزاللؤلؤة في الحسكة الذي يقدم جرعات كيماوية وأدوية، ومركز الماموغراف في قامشلو الذي يقدم خدمات الفحص المبكر.

فاطمة محمد عارف (٢٣عاماً) مديرة مركز ماموغراف في مدينة قامشلو تقول أن المركز مختص بالكشف المبكر عن سرطان الثدي حيث يتراوح عدد المراجعات اللواتي يقصدن المركز للفحص في اليوم من ١٠ إلى ١٥، أي ١٥٠مراجعة شهرياً، ويبلغ عددهن في السنة ٩٥٦مراجعة ، بين هذا العدد كانت نتيجة ١٠ نساء ايجابية أي مصابات بسرطان الثدي.
وعن الأجهزة المتواجدة في المركز تضيف ”الاجهزة التي تتواجد لدينا في المركز هي أحدث أجهزة في مدينة القامشلي، وهي ماموغراف، وإيكوغرافي وهذه الاجهزة كفيلة بأظهار أي أورام خبيثة أو غير خبيثة في جسم الانسان”.
وترى العارف أن الاصابة بسرطان الثدي ازداد أكثر في السنتين الأخيرة، نتيجة لازدياد التلوث والعوامل التي تؤدي للإصابة بالسرطان مثل إشعاعات الأسلحة، سوء التغذية، الزواج المبكر وأسباب أخرى.

وتشير العارف لأن أغلب المصابات تتم معالجتهن عن طريق أخذ جرعات في مدينة قامشلو، ويتطلب العلاج تكاليف وصفتها بالكبيرة، ، منوهة أنه في الآونة الاخيرة زادت نسبة اقبال النساء على الفحص المبكر مقارنة مع السابق، ”فمركزنا يقدم إضافة لخدمات الفحص المبكر جلسات تثقيف صحي وتوعية لكل المراجعين والمراجعات الذين يزورون المركز”.

سعاد إبراهيم (٤٢عاماً ) امرأة من مدينة كوباني تعي ضرورة الفحص المبكر والدوري للنساء لاكتشاف مرض سرطان الثدي قبل استفحاله وفوات الأوان ، ولذا فهي تجري فحوصات ذاتية لمرض السرطان شهرياً بعد انتهاء الدورة الشهرية بإجراء اختبار المرض في الحمام ، وذلك برفع اليدين لأعلى الرأس ولمس الثدي للكشف عن أي كتلة او عقدة، ومع ذلك تزور طبية نسائية مرتين أو ثلاثة في العام للاطمئنان على صحتها.

نهيدة عبد الرحمن مستو(٤٥عاماً) مريضة سرطان ثدي من كوباني تقول أنها شعرت منذ أربعة أعوام بتشنج في صدرها وانسداد الحلمة إلى الداخل، فقامت بزيارة الطبيب الذي طمأنها أنها مجرد كتل حليب ويجب إزالتها بعملية جراحية، لكنها رفضت إجراء العملية، واتجهت للعلاج بأدوية عربية ” عشبية ” تنفيذاً لنصائح صديقاتها ، وبعد مضي شهر اشتد عليها الألم فقصدت الطبيب الذي طلب منها تحليل خزعة ما سبب لها ”خوف وقلق شديدين”.

تتابع نهيدة أنها تحلت بقوة وإرادة، واتجهت لأخذ خزعة بمركز معالجة سرطان الثدي في مدينة قامشلي/قامشلو لتكتشف إصابتها بالمرض، لحظات مرعبة عاشتها نهيدة بعد تأكدها من خبرالإصابة ” مجرد السماع باسمه كافٍ ليشعرك بالخوف، فلم يسبق وأن نجا منه أحد” تقول نهيدة، ولتبدأ عملية العلاج بخضوعها لعمل جراحي لإزالة ثديها منعاً من انتشار المرض لكامل جسمها ،وتابعت بتلقيها جرعات الكيماوي، ونظراً لخلو كوباني من أي مراكز علاجية لسرطان الثدي، اتجهت إلى إقليم كردستان العراق لأخذ ثماني جرعات كيماوي وهي تقوم بمراقبة وضعها كل أربعة أشهر مرة واحدة، بإجراء فحوصات عامة ما يكلفها مبالغ كبيرة، تصل إلى ٢٠٠ألف ليرة سورية بين فحصوات وتحاليل وغيرها، المستو ليست واثقة من شفائها بعد كل ماخضعت له من عمليات جراحية وتلقي جرعات كيماوية داعية غيرها من النساء لإجراء فحوصات دورية للكشف المبكر عن المرض ، وعدم اتباع نصائح أحد فيما يخص استخدام أدوية خارج وصفات الأطباء.

مع اقتراب نهاية شهر تشرين الأول/ أوكتوبر شهر التوعية العالمية بخطورة سرطان الثدي، لا زالت فرص النجاة ضيئلة أمام مريضات سرطان الثدي في الشمال السوري بعد تأخر معظمهن بالكشف السريري للمرض الذي بات بمراحله المتقدمة ، مصحوباً بتأخر العلاج وغياب العناية الطبية المجانية.