بديعة صوّان
معاناة اللاجئات السوريات في الأردن بعد فقدان “بصمة العين”
“تم إنتاج هذه المادة خلال مرحلة المتابعة والإرشاد في برنامج “النساء والسلام والأمن” من قبل مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات؛ وبإشراف الصحفية ديما السيد. حُرر ونُشر بالتعاون بين حكاية ما انحكت، وشبكة الصحفيات السوريات.”
“عندما كانت تأتينا المساعدات من خلال بصمة العين (اسم المبلغ المُقدّم كمساعدات مخصّصة لدفع إيجارات بيوت اللاجئين/ات. شاع هذا الاسم بسبب أخذ بصمة عين جميع الذين تمّ تسجيلهم في برنامج المساعدات من أجل التحقق من الشخص قبل تقديم المساعدة الشهريّة) كنّا ندفعها كتكاليف لحياتنا، اليوم نحن نعيش على الديون”، تقول سحر، التي تعاني من مشكلة في بصرها وهي اللاجئة السوريّة في الأردن (36 عامًا) وأم لستة أطفال وزوجة رجل غير قادر على العمل، “منذ شهر تموز العام الفائت، انقطعت عنّا بصمة العين، ما تسبب في تراكم فواتير الكهرباء والإيجار”.
الصعوبات الاقتصاديّة التي تواجه السوريات في الأردن
تواجه اللاجئات السوريات في الأردن اللواتي لا معيل لهن خيارات مؤلمة ومؤشرات تدق ناقوس الخطر نتيجة انقطاع المساعدات الشهريّة المخصصة لدفع إيجار منازلهن، ويأتي ذلك في ظل تخفيضات واسعة النطاق في التمويل الدولي، ما يؤثر في قدرة العائلات السوريّة على تأمين أُسس المعيشة، وسط ارتفاع أسعار السلع وتكاليف المعيشة بشكل عام.
تقول إحصائيات وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنيّة الصادرة في شهر نيسان من العام 2021 إن خطة استجابة الأردن للأزمة السوريّة والمخصصة لدعم اللاجئين/ات السوريين/ات في الأردن للعام 2020 شهدت تراجعًا في التمويل الدولي، إذ بلغت قيمة الخطة 2.24 مليار دولار، تمّ تمويل نحو 781 مليون دولار منها، وبنسبة 34%، وسجل حجم العجز في الخطة 1.46 مليار دولارًا أمريكيًا، بنسبة زادت على الـ65%.
الجدير بالذكر أنّ في الأردن نحو مليون وثلاثمئة ألف لاجئ/ة سوريّ/ة، يعيش منهم 120 ألف لاجئ/ة في مخيمات وسط الصحراء، فيما يعيش 80% من اللاجئين/ات خارج المخيمات، وبحسب تقديرات المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإنّ أكثر من 80% من اللاجئين/ات السوريين/ات في الأردن يعيشون تحت خط الفقر.
يرى الخبير الاقتصادي مازن ارشيد أنّ “الوضع الاقتصادي الصعب في الأردن ينعكس على اللاجئين السوريين فيها”، وعَدّ في تصريح لحكاية ما انحكت وشبكة الصحفيات السوريات أنّ “من المفترض أن يكون الملف الاقتصادي للاجئ مستقلًا عن الملف الاقتصادي للبلد المستضيف، لأنّ هناك مؤسسات دوليّة مانحة وداعمة للاجئ ومن المفترض أن تقوم بدورها”.
ويؤكد أنّ “من غير المقبول بقاء اللاجئ دون دعم ومساعدات إضافيّة، وخاصة أنّ العالم يعيش ظرفًا صعبًا واستثنائيًا يتمثل في انتشار جائحة كورونا وبعد الإغلاقات التي شهدتها المملكة”، وأنّ “الأطراف الدوليّة يجب أن تتحمل مسؤولياتها تجاه اللاجئين في الأردن، وأن تقوم بدورها وتعهداتها وذلك بحكم الظروف الاقتصاديّة الصعبة وارتفاع نسب المديونيّة”.
انقطاع مساعدات بصمة العين
يعاني زوج سحر التي تدفع 110 دنانير أردنيّة شهريًا إيجار لمنزلها من التهاب أوتار يديه ومن ديسك في ظهره، ممّا يجعله غير قادر على العمل، لا تملك الأسرة اليوم إلّا مساعدات شهريّة رمزيّة لا تتعدى 184 دينارًا. تقول سحر إنّ “هذا المبلغ لا يكفي لشراء أساسيات العيش. أصبحت اليوم أستغني عن كثير من اللوازم والسلع مثل اللحم والدجاج وغيرها، وذلك كي أستطيع شراء قليل من الطعام والماء”. تقول إنّها حاولت تقديم طلب جديد من أجل استعادة مساعدة «بصمة العين»، وذهبت أكثر من مرة إلى مكتب المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لكنها لم تتلقَّ أي ردّ حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
كانت سحر قد فقدت النظر في عينها اليسرى نتيجة التهابات مزمنة وضغط العصب البصري، وتحتاج إلى علاج بصورة مستمرة، لكن سوء وضعها المعيشي لم يُمكّنها من شراء الدواء اللازم لها، كما أنّ عدم توفر العلاج في مراكز الصحة المخصصة للاجئين/ات زاد من معاناتها، ذلك اضطرها إلى محاولة كسب المزيد من المال، فقامت بتشغيل ابنيها التوأم (18عامًا)، أحدهما في دكان نجارة، والآخر في دكان حدّاد بالقرب من مكان سكنهم، وذلك مقابل دينارين يوميًا.
قصة سحر التي تعاني من انقطاع مساعدات “بصمة العين” ليست فريدة من نوعها.
انقطعت المساعدات عن عائلة أم سارة وهي لاجئة سوريّة في الأردن (32 عامًا) متزوجة ولديها 4 أطفال في شهر آب من العام 2018. زوجها لا يستطيع العمل بسبب وجود صفائح ودعائم معدنيّة في قدميه، وهي لا تستطيع العمل لعدم توفر خبرة العمل ولحاجتها البقاء بالقرب من أطفالها ورعايتهم في ظل عدم قدرة الأب على ذلك. تقول أم سارة “قدمنا استئنافًا حتى نستعيد مساعدات بصمة العين، كي نتمكن من دفع إيجار المنزل على الأقل، لكن حتى اللحظة لا يوجد ردّ، الخيارات أصبحت أمامنا قليلة جدًا”.
“صاحب البيت يُعاملنا معاملة جيدة، ولا يُطالبنا بالمبلغ كاملًا كلّ شهر، نحن ندفع له بعض الإيجار ويبقى المبلغ الآخر كدين علينا، لولا إنسانيّته لكنّا اليوم في الشارع دون مأوى”، تقول أم سارة التي تحصل على مساعدات شهريّة أخرى لا تتعدى 138دينارًا أردنيًا، فهي بالكاد تكفي لسداد فواتير الكهرباء وتأمين الطعام والشراب.
يقول مدير جمعية “قدرات للتنمية الاجتماعيّة”، عبد الكريم الخزاعلة، لحكاية ما انحكت وشبكة الصحفيّات السوريّات إن “موضوع الدعم والتمويل الموجه للنساء اللواتي لا معيل لهن يشكل تحديًا كبيرًا، على الرغم من وجود بعض المنظمات التي تعمل على تمكين النساء اقتصاديًا سواء بشكل مادي أو عن طريق مشاريع”.
أضاف الخزاعلة خلال حديثه أنّ النساء اللاتي لا معيل لهنّ “يواجهن صعوبات اقتصاديّة كبيرة وتستند حياتهن على الدعم والمساعدة من المنظمات أو الهيئات الخيريّة”، مؤكدًا أنّ جمعيتهم “تعمل على تفعيل دور اللاجئات السوريّات في المجتمع وإثباته وتمكينه من خلال مشاريع وتدريبات وورش عمل معنية بالمشاركة الاقتصاديّة، وتمكين الجانب القانوني لتكون لديهن القدرة على معرفة حقوقهن وواجباتهن بموجب قانون العمل الأردني”.
مساعدات لا تسد الرمق
في تصريح لحكاية ما انحكت وشبكة الصحفيّات السوريّات قالت المتحدثة باسم المفوضيّة الساميّة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الاردن، ليلي كارلايل، إنّ المفوضيّة تقدم مساعدة نقديّة شهريّة لما يقرب من 33 ألف عائلة لاجئة في الأردن، ويشمل ذلك مزيجًا من العائلات اللاجئة السوريّة وغير السوريّة.
مضيفة أنّ “المفوضيّة قادرة فقط على تقديم مساعدة نقديّة شهريّة للأسر الأكثر ضعفًا في الأردن، ويتم تقييم ذلك بناءًا على حالة الضعف لديهم من خلال الزيارات المنزليّة التي تحدث كلّ عامين بالإضافة إلى البيانات التي يقدمونها للمفوضيّة عند التسجيل”.
كما أكّدت على أنّه “يتم تقديم المساعدة النقديّة الشهريّة فقط للاجئين/ات الذين/اللواتي يعيشن/ون خارج مخيمات اللاجئين”، موضحة أنّ “المساعدة النقديّة مصممة لمساعدة العائلات اللاجئة على تلبية احتياجاتها الأساسيّة ودفع الإيجار والفواتير وتكاليف الرعاية الصحيّة وشراء الطعام. لا يتعين على اللاجئات/ين اللواتي/الذين يعيشن/ون داخل مخيمات اللاجئين في الأردن دفع الإيجار وفواتير الكهرباء أو المياه”.
وبحسب كارلايل، فإنّ المفوضيّة قد قدمت خلال فترة انتشار جائحة كوفيد-19 “مساعدات نقديّة لـ70 ألف عائلة لاجئة تعيش في المناطق الحضريّة. وهي مخصصة فقط للعائلات اللاجئة المعرّضة للخطر أو التي فقدت وظائفها ولم تشمل العائلات الأكثر ضعفًا لأنّها تتلقى نقودًا شهريّة”.
تقول لنا بشاير، وهي لاجئة سوريّة في الأردن (32 عامًا) مُطلقة ولديها طفلان، إنّها تعاني كثيرًا من فقدان مساعدات “بصمة العين” منذ أربع سنوات، ويسبب ذلك تراكم الديون عليها، خصوصًا أنّها فقدت عملها الصغير الخاص، وهو صناعة مأكولات منزليّة، منذ عدّة أشهر لعدم قدرتها على توفير المواد الأساسيّة.
تحصل بشاير على مساعدات شهريّة لا تتجاوز 69 دينارًا، وتقف حائرة أمام دفع إيجار المنزل الذي يبلغ 70 دينارًا. “أُعطي أجرة البيت الأولويّة، لأنّه وبدون مأوى سنصبح في الشارع، أمّا بخصوص الطعام والشراب فيُساعدنا الجيران، وفي بعض الأحيان نستدين من البقال ومحل الخضروات، منتظرين فرجًا من الله” تقول بشاير.