هل تصمد المجتمعات الرعوية أمام التغيّرات المناخية في شمال شرقي سوريا؟
هل تصمد المجتمعات الرعوية أمام التغيّرات المناخية في شمال شرقي سوريا؟
اضطر سعد الفياض الذي يقيم في قرية “جديدة عكيدات” في ريف دير الزور، كغيره من مربّي المواشي في مناطق شمال شرقي سوريا إلى بيع نصف ما كان يملكه من الأغنام والأبقار نتيجة قلّة المياه ومساحات الرعي وغلاء الأعلاف وانتشار الأوبئة. يعالج هذا التحقيق آثار التغيّر المناخي المباشرة على قطاعي تربية المواشي والثروة السمكية.
الصحافية: سولنار محمد
“تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تمكين الجيل القادم من الصحفيات السوريات” بالشراكة بين مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات و حكاية ما انحكت بإشراف الصحفية ريم تكريتي.”
“لم يتبق لي سوى عشرين رأساً من الأغنام الآن. كنت أملك ١٧٠٠ رأس قبل خمس سنوات، وهذا العدد في تناقص بسبب نفوق بعضها وبيعي للبعض الآخر بسعر زهيد نتيجة الجفاف، وكذلك بسبب عدم قدرتي على الوصول للمياه الكافية نتيجة انحسار مياه نهر الفرات”. بهذه الكلمات عبّر مربي الماشية في ريف الرقة الجنوبي أحمد الراعي (٤٥ عام) عمّا آلت إليه حاله، وحال الكثيرين مثله.
أثرت التغيّرات المناخية بشكل سلبي على قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، مما يهدّد استدامة هذه الثروات كمصادر عيش ودخل للكثير من السكان في شمال شرق سوريا ممن توارثوا هذه المهن من أجدادهم، وذلك في ظلّ استمرار تناقص الغطاء البيئي الأخضر نتيجة الممارسات البشرية وغياب رقابة حقيقية على هذه الممارسات.
“بدأ منسوب نهر الفرات بالتدني تدريجياً خلال السنوات الأخيرة بسبب عاملين رئيسيين، أولها خفض تركيا لحصة سوريا من مياه نهر الفرات، والتي تبلغ ٦٠٠ متر مكعب في الثانية، في حين لا يصل سوريا سوى ٢٥٠ متر مكعب في الثانية في الوقت الراهن. وثانيهما التغيّرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة التي تتسبّب بعملية التبخر الزائد، وهذا الأمر انعكس بشكل مباشر على الثروة الحيوانية والنشاطات الزراعية”، يقول الرئيس المشترك في لجنة الزراعة والري التابعة للإدارة الذاتية في الرقة، محمد العلي.
مصادر المياه في انحسار
وفقاً لمحمد العلي، فإنّ ٨٠٪ من سكان منطقة الرقة يعتمدون على مياه نهر الفرات لتوفير احتياجاتهم المائية، ولا سيما في قطاعي الثروة الحيوانية والزراعية، وهي مصدر الدخل الرئيسي لسكان الرقة، حيث تبلغ المساحات المروية حوالي ٩٠ ألف هكتار، ولكنها انخفضت للنصف تقريباً نتيجة انحسار منسوب مياه الفرات، كما أنّ العجز المائي خلق فجوة تحويلية واضحة في أنشطة سبل العيش القائمة على الزراعة والثروة الحيوانية، مع مراعاة حالة الطوارئ الناتجة عن الجفاف وتدخلات توزيع المياه للاستجابة للاحتياطات الطارئة القصيرة الأمد والمرتبطة بالجفاف، من حيث توفير العلف والأغذية للماشية، وهذا بدوره انعكس على القيمة السوقية للثروة الحيوانية في الأسواق وركوده.
شهدت سوريا منذ العام ١٩٨٠ ثلاث موجات جفاف، لعل أشدّها كان ما بين عامي ٢٠٠٦ و٢٠١٠، بحسب دراسة لمنظمة باكس للسلام الهولندية. كما عانت البلاد من مستويات قياسية منخفضة من هطول الأمطار في صيف عام ٢٠٢١، وتراجع حاد في تدفق المياه إلى نهر الفرات. انعكس ذلك بدوره على تربية الماشية بسبب قلّة مساحات الرعي، ما يعني أنّ مئات الآلاف من الأغنام والأبقار والماعز والإبل تفتقر إلى المراعي والوصول إلى مصادر المياه وفق الدراسة.
(ماشية في ريف الرقة/ تصوير سولنار محمد/ خاص حكاية ما انحكت)
صرحت النائبة السابقة للرئاسة المشتركة في هيئة البيئة بالإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا والخبيرة في مجال البيئة هيفين شيخو أنّ “مناطق شمال شرقي سوريا عانت أثراً مضاعفاً من التغيّرات المناخية بسبب سنوات الحرب الطويلة التي شهدتها المنطقة، مما تسببّ بتراجع المساحات الخضراء مع عدم إمكانية توسيعها في ظلّ الظروف المناخية شبه الجافة وظروف الحرب التي أدّت إلى استنزاف الغطاء الأخضر نتيجة الممارسات البشرية من حرق وقطع، إضافة لقلّة المياه لأسباب سياسية أو بشرية، هذه الأمور خلقت مشاكل بيئية وصحية، ونقص في مساحات المراعي للثروة الحيوانية بسبب عدم توّفر العناصر الاساسية لتأمين استمرارية الحياة البرية والبحرية للحيوانات في المنطقة”.
يرى الصحفي المتخصّص بقضايا البيئة، زاهر هاشم، أنّه “إضافة إلى الظروف المناخية التي تؤدي إلى نقص الموارد المائية وفقدان المحاصيل الزراعية وتهديد الأمن الغذائي والثروة الحيوانية، يفاقم الاستخدام غير الرشيد لمياه الأنهار والمياه الجوفية من مشكلة الجفاف ويزيد من آثارها”. ويضيف إنّ “ظروف الحرب وغياب الحوكمة وضعف السياسات الزراعية أدّت إلى انتشار مخالفات مائية جسيمة مثل التعدّي على مجرى النهر وتركيب مضخات لجر المياه بشكل غير مدروس بقصد الزراعة، إضافة إلى حفر الكثير من الآبار العميقة غير المرخصة، والتي أدّت إلى استنزاف المياه الجوفية ناهيكم عن اتباع الأساليب البدائية في الري التي فاقمت الأزمة”.
نفوق وأمراض نتيجة الجفاف
لم يكن الوضع في الحسكة أفضل مما هو عليه في الرقة، حيث سبّب ارتفاع درجات الحرارة إصابة الأغنام بالعديد من الأمراض كمرض الباستريلا (وهو مرض تنفسي بكتيري معدي يظهر على شكل التهاب رئوي أو تسمّم دموي)، وبحسب حاجي عبدي (٤٤ عام، ومربي ماشية يعيش في ريف الحسكة)، فإنّ هذا المرض “انتشر بشكل كبير بسبب قلّة المياه والجفاف، كما انتشر مرض التول (الدوران) الذي يصيب المواشي نتيجة لارتفاع درجات الحرارة”.
كوارث التغيّر المناخي، لاحقت الراعي سعد الفياض الذي يقيم في قرية “جديدة عكيدات” في ريف دير الزور، نتيجة عدم قدرته على الحفاظ على ما تبقى من رؤوس الغنم والأبقار لديه والحفاظ على مهنته التي توارثها عن آبائه وأجداده، فقد اضطر كغيره من مربي المواشي في مناطق شمال شرقي سوريا إلى بيع نصف ما كان يملكه من الأغنام والأبقار نتيجة قلّة المياه ومساحات الرعي وغلاء الأعلاف وانتشار الأوبئة بين صفوفها ونفوقها. يعبّر الفياض عن حزنه بما آلت إليه الأمور قائلاً “كما لو أنّ طفلي مريض ولا أستطيع فعل شيء له. إنّه شعور محزن فعلاً”.
يضيف الفياض أنّ “مهنة تربية المواشي تسيطر على ٨٠٪ من مصادر الدخل للسكان المحليين في دير الزور إلى جانب الزراعة، وقد أثرت قلّة الهطولات المطرية خلال الأعوام الأخيرة على هذين القطاعين، حيث أجبرت قلّة مصادر المياه إلى شرائهم المياه عبر الصهاريج وتحمّل تكاليف إضافية أو الاعتماد على مياه الآبار السطحية، والتي تعتبر كلسية وتتسبّب بالأمراض للماشية”.
(ماشية في ريف الحسكة/ تصوير سولنار محمد/ خاص حكاية ما انحكت)
كما “أدى انخفاض وعدم انتظام هطول الأمطار خلال موسم الشتاء ٢٠٢٠/ ٢٠٢١، المصحوب بدرجات حرارة أعلى من المتوسط، إلى ظروف جفاف في شمال وشمال شرقي سوريا، وكذلك في أجزاء أخرى من سوريا، مع خسائر كبيرة في إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية”، بحسب تقرير صدر في الرابع من تشرين الأول ٢٠٢٢ لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “أوتشا”.
تحديات إضافية وتناقص في أعداد الماشية ودعم غير كاف
في ظلّ التغيّرات المناخية التي يواجهها مربو المواشي في مناطق شمال شرقي سوريا، والتي باتت تشكل تهديداً حقيقياً على مستقبل هذه الثروة التي تشكل مصدر دخل ما يقارب ٤٠٪ من سكان مناطق شمال شرقي سوريا وفق إحصائية لمنظمة IMMAP، هناك نوع من الدعم المقدّم لهم من قبل الجهات المعنية، إذ أوضح مدير مكتب لجنة الثروة الحيوانية التابع للإدارة الذاتية بالرقة، محمد شربتجي، أنّهم وبالتنسيق مع بعض المنظمات الداعمة يقدّمون مادة العلف والأدوية لمربي المواشي، إضافة لمنحهم مادة النخالة عن طريق شركة تطوير المجتمع الزراعي بسعر مدعوم، إلا أنّ مربي المواشي يجدون أنّ هذا الدعم لا يزال دون المستوى المطلوب، وكمية الأعلاف المخصّصة لا تكفي لسد احتياجات مواشيهم، مما يدفعهم لشراء المادة من التجار في السوق الحرّة بأسعار مرتفعة، حيث ارتفع سعر كيلو الشعير إلى ٤٥٠٠ ليرة سورية بعد أن كان سعره ٤٠٠ ليرة قبل خمس سنوات.
أما المربّي حاجي عبدي فقد أوضح أنّ “استمرار انهيار الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي لعب دوراً في زيادة معاناتهم لأنّهم يشترون الأعلاف والأدوية بالدولار الأمريكي، فيما يبيعون منتجاتهم من الألبان والأجبان بالليرة السورية، لذا يتكبدون خسارة في أكثر الأحيان”.
يقول عبدي إنّ “سنوات الجفاف التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، أثرت على نسبة الولادات التي انخفضت للنصف تقريباً؛ بسبب عدم حصول هذه الماشية على الأغذية الكافية لها، والذي يؤدي في كثير من الأحيان لحدوث حالات الإجهاض والتشوّهات الخلقية لمواليدها بنسبة ١٠٪”.
يشير عيد مصطفى بيده، هو مربي ماشية ومزارع من منطقة الأحوس في ريف الرقة ويبلغ من العمر ٧٢ عاماً، إلى ما تبقى من رؤوس للماشية، ويقول “لن يتبق من رؤوس الماشية في المنطقة سوى ١٠٪ خلال الأعوام الثلاثة القادمة في حال لم نتلق الدعم الكافي من قبل الجهات المعنية. شخصياً خسرت ٧٠٠ رأساً من الأغنام من إجمالي ٢١٠٠ رأس كنت أملكه والعدد في تناقص”.
هذا ما أكده التقرير الصادر عن “أوتشا”، حيث أنّ تراجع الإنتاجية الزراعية إلى أدنى من مستوياته منذ خمسين عاماً أثّر على توفير الأعلاف سلباً، وكذلك ارتفاع أسعارها، كما أن قلة مساحات الرعي ساهمت بتراجع تربية المواشي وانخفاض أسعارها بنسبة٢٠٪ إلى ٣٠٪ على الأقل.
الثروة السمكية ليست بمنأىً عن الخطر
وفق ما تشير إليه الدراسات والتقارير الدولية، فإنّ سوريا من بين الدول التي ستعاني من الإجهاد المائي مستقبلاً، وفي ظلّ التغيرات المناخية التي تشهدها سوريا ومن بينها مناطق شمال شرقي سوريا، والتي أثرت على قلّة مصادر المياه والمساحات الزراعية والرعوية، تكافح المجتمعات الرعوية للحفاظ على مهنة توارثوها عن أجدادهم وباتت مهدّدة بالزوال.
بعد عشر سنوات من اعتماده على مهنة الصيد كمصدر للدخل، باتت هذه المهنة هواية يمارسها علي المحمد من قرية حمرة الناصر في ريف الرقة الشرقي منذ سنتين، حيث اتجه للعمل في أعمال أخرى لتوفير قوت عائلته.
يقول الصياد الذي لا يستطيع الاستمرار بالصيد كمهنة، وفي الوقت ذاته لا يستطيع الابتعاد عنها، إنّ تأثير التغيّرات المناخية وسنوات الجفاف وانحسار مياه الأنهار والسدود خلال السنوات الأخيرة في مناطق شمال شرقي سوريا لم يقتصر على قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية فقط، بل أنعكس على الثروة السمكية أيضاً، “ولا سيما أنّ مناطق شمال شرقي سوريا تتميّز بغنى مصادرها المائية السطحية كنهري الفرات ودجلة، إضافة لعدد من السدود والمياه الجوفية، والتي كانت مصدر لسبل عيش العديد من سكان المنطقة الذين كانوا يعتمدون على هذه المصادر في صيد الأسماك، وأدى انحسار منسوب نهر الفرات نتيجة عدّة عوامل منها سياسية كتحكم تركيا بكميات المياه الوارد للجانب السوري والصيد الجائر من قبل الصيادين باستخدام طرق غير شرعية إلى تراجع مهنة الصيد”.
يقول المحمد إنّه كان يصطاد سابقاً كميّة تتراوح بين ٥٠ و٣٠٠ كيلو من الأسماك يوميًا، “تعود عليّ بالنفع المادي الذي يناسب احتياجاتي، أما في السنتين الأخيرتين فلم يعد الأمر كذلك، فبت أتكبّد أحياناً خسارة التنقل إلى مكان الصيد، بسبب قلّة كمية الصيد التي أظفر بها أحياناً”.
يقول مهبات حسين، وهو تاجر أسماك من مدينة القامشلي، إنّ “كمية الأسماك التي كنّا نصطادها تراجعت بنسبة ٨٠ إلى ٩٠٪ نتيجة تناقص عدد الأسماك في سدود الجزيرة السورية، بذلك تراجعت الكميات اليومية من الأسماك التي كنّا نبيعها من عشرة أطنان إلى ما دون الطنين يومياً من سد الباسل ومزكفت والسفان إضافة لنهر دجلة، نتيجة انحسار منسوب المياه في هذه السدود بفعل الجفاف، ناهيكم عن فقدان بعض الأنواع السمكية التي تعيش في هذه السدود مثل الرومي والجزر والأبيض والكارب والظاظان”.
من جانبه، قال مدير المستوصف البيطري في مدينة الرقة، محمود حمزاوي، إنّ “التغيرات المناخية ونقص المياه الوارد من الجانب التركي قللت من عدد الأسماك في المسطحات المائية نتيجة تراجع كميات المياه في هذه المسطحات، وعدم تناسبها مع أحجامها واحتياجاتها الغذائية والتنفسية، إضافة إلى ارتفاع نسبة التلوث في المياه نتيجة الانحسار، مما تسبّب بندرة وانقراض بعض الأنواع السمكية في المسطحات المائية في منطقة الرقة”.
حلول للحفاظ على الثروة الحيوانية والسمكية
ترى النائبة السابقة للرئاسة المشتركة في هيئة البيئة في الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، هيفين شيخو، أنّه وللحد أو التخفيف من تأثير التغيّرات المناخية على الثروة الحيوانية والسمكية “لا بدّ من القيام بأنشطة بيئية وزراعية كحل أساسي، إضافة لإيجاد حل جذري لمشكلة قطع المياه عن المنطقة لزيادة المساحات الخضراء وزرع الأشجار، وتكثيف الجهود الحكومية والمدنية لنشر الثقافة البيئية للحفاظ على هذه الموارد وضمان استدامتها وتنميتها”.
من جانبه، أوضح الدكتور في مجال الموارد الطبيعية والبيئة والمحاضر في جامعة روجافا في مدينة القامشلي، منير سمو، إنّ “الحلول في تخفيض تأثيرات التغيرات المناخية على الثروة الحيوانية تكمن في توفير بيئة مناسبة للماشية لتجنيبها الإشعاع الشمسي من خلال بناء حظائر خاصة توفر حركة مستمرة للهواء وتحميها من الحرارة الزائدة للشمس ويقلّل خطر إصابتها بسرطانات الجلد واضطرابات حساسية”.
أشار سمو إلى أنّ “تحسين جودة الأسمدة المستخدمة من شأنها تقليل انبعاث أكاسيد الآزوت في الهواء، كذلك زيادة كفاءة الأعلاف لتحسين عمليات الهضم في المجترات واستخدام إنزيمات تساعد على الهضم لدى المواشي، كذلك توفير المياه النظيفة لها باستمرار والاهتمام بنوعية الأعلاف المقدمة لها وتقديم علائق متزنة بكافة مكوّناتها وعناصرها المعدنية والفيتامينات لتخفيف الإجهاد الحراري عليها، بالإضافة لاستنباط أصناف جديدة من الحيوانات الزراعية كالماشية والمجترات الصغيرة والدجاج والبط والرومي والسمان التي لها قدرة على تحمّل ارتفاع درجات الحرارة”.
في حين يرى مربو المواشي الذين التقينا بهم أنّ الحل يكمن في القدرة على تأمين المياه الكافية للزراعة وسقاية المواشي، ودعم الثروة الحيوانية من ناحية توفير الكميات اللازمة من الأعلاف و مستلزماتهم من الأدوية بالليرة السورية وبأسعار مدعومة، إضافة لضبط السوق من عمليات التصدير للحفاظ على الأعداد المتبقية من المواشي.
تحاول بعض المنظمات الدولية والمحلية دعم الثروة الحيوانية في مناطق شمال شرقي سوريا، إلا أنّ عدم استدامة هذه المشاريع لا تزال تشكل تهديداً لسبل عيش المربين. مثلاً نفذت منظمة “ديرنا” العاملة في منطقة دير الزور عدّة مشاريع لدعم الثروة الحيوانية بين عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠، واستهدفت مناطق مختلفة في دير الزور. شملت نشاطاتها تلقيح الاغنام والأبقار ضد الأمراض السارية مثل جدري الأغنام والتسمّم الدموي والحمى القلاعية مع توزيع بعض المدخلات البيطرية والأعلاف، إلا أنّ دعم الثروة الحيوانية يحتاج لتضافر جهود المنظمات الدولية والمحلية وتوفير دعم مستدام لقطاع الثروة الحيوانية في المنطقة، ولاسيما أنّها مصدر الدخل الرئيس للسكان في ظلّ غياب فرص العمل في القطاع الصناعي نتيجة عمليات التخريب التي طالت المنشآت وتهالك البنية التحتية نتيجة سنوات الحرب، وذلك بحسب مدير المشاريع في المنظمة، غازي الدبس.
ضمن توصيات دراسة منظمة باكس الهولندية، فإنّ حاجة الرعاة إلى المساعدة من المنظمات غير الحكومية الدولية لتأمين العلف الحيواني في سنوات الجفاف مستقبلاً، هي حاجة ملحّة، على أن تتم إدارة ذلك بعناية ووفقًا للمعايير الإنسانية الدولية ومبدأ “عدم إلحاق الضرر”، حيث أدى التوزيع غير المتساوي للمساعدات إلى توّترات بين سكان بعض القرى، كذلك اقترحت المنظمة دراسة أفضل لاحتياجات المجتمعات الرعوية من قبل الجهات الإقليمية والسلطات الحكومية، كما توجهت للمجتمع الدولي بضرورة تنفيذ الاتفاقيات الدولية بما يخص المياه العابرة للحدود.
أما الصيّاد علي المحمد فيرى السبيل في الحفاظ على الثروة السمكية يكمن في “ضرورة قيام الجهات المعنية بإدخال أو زرع أصناف جديدة من الأسماك النهرية تكون ذات نوعية في نهر الفرات، والتي من الممكن أن تنمو بأحجام جيّدة غير الأصناف المتواجدة حالياً في النهر، إضافة لزيادة دعم المنظمات الدولية والمحلية للصيادين لإنشاء أحواض سمكية لتربية الأسماك وتوفير معدات الصيد”.