صورة الشخصيات النسائية في الكوميديا السورية

هبه محرز

كتبت هذه المادة بإشراف فريق جندر رادار في مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات، حررت ونشرت بالتعاون بين راديو روزنة وشبكة الصحفيات السوريات.

يتذكر معظم السوريات/ون شخصيات ظهرت في الدراما كـ “عبود” في مسلسل الانتظار، و”بثينة” في مسلسل “زمن العار” أو حتى شخصيات مسلسل “أحلام كبيرة” التي كانت قريبة من عوائل الطبقة المتوسطة السورية.

ويمكن القول أن الدراما السورية قدمت أسماء كثيرة من الكتاب والكاتبات الذين/اللواتي برعوا/ن في تجسيد تفاصيل من الحياة الاجتماعية، وكانوا/ن اللبنة الأولى التي تميزت على أثرها هذه الصناعة السورية، فقربها الحقيقي من الناس ومشاكلهم/ن كان الثقل الأساسي، وبالتالي رسم شخصيات يمكن للعديد ببساطة من رؤيتها في الشارع أو في العمل

وفي حين أن الدراما السورية كانت تضخ قوتها فيما سمي بالدراما الاجتماعية، حضرت الكوميديا السورية بشكل لافت في الإنتاج الدرامي السوري، وقدمت خلال سنوات انطلاق الدراما السورية نحو العربية أعمالاً مازالت تشاهد إلى اليوم على شاشات التلفاز العربية، وعلى المنصات المختلفة.

ولطالما كانت الكوميديا رديفاً حقيقياً لصناعة الدراما، وتميزت بأنها صناعة متقنة على كل مستوياتها، الكتابة والإخراج والتمثيل كما في “الفصول الأربعة”، والكوميديا الاجتماعية كما في “يوميات مدير عام” ثم لاحقاً كوميديا الفارس[1] (Farce) كما في “عيلة 7-8 نجوم”، ولأن الحديث عن الكوميديا السورية وكتابتها هو أمر متشابك مع مجموعة من التفاصيل سنحاول أن نخصص في هذه المقالة الحديث عن الكتابة للشخصيات النسائية، أي كيف تم تصوير النساء في المسلسلات الكوميدية بالعموم، وعن الاستثناءات أيضاً.

كتابة الشخصيات النسائية

 ترافقنا دائماً الشخصيات الكوميدية المشهورة التي خرجت بها الكوميديا السورية، في اقتباساتها وعبر وسائل التواصل الاجتماعي كمقتطفات قصيرة حاضرة دوماً، ومن أكثر الشخصيات النسائية التي عاشت وتعيش معنا “أم أحمد بلاليش” في مسلسل “عيلة خمس نجوم” و “دنيا وطرفة” من مسلسل “دنيا” و”هناء” من مسلسل “جميل وهناء” وغيرهن.

إلا أنه ورغم الحضور القوي لهذه الشخصيات، تبدو الشخصيات النسائية في الكوميديا السورية باهتة بالعموم، وكأن الكتابة لرسم شخصية نسائية قادرة على قول النكتة المركبة هو غالباً أمر استثنائي، وبالتالي فكرنا في تحليل ملامح حضور النساء في الأعمال الكوميدية وتفنيدها بمجموعة أشكال محددة، واقترحنا تصنيفها بثلاث نقاط، هي “الشخصية الأداة الدرامية”، “الشخصية الممثلة”، “الشخصية النمط”.

     الشخصية الأداة الدرامية

تحضر هذه الشخصية في الكتابة من أجل “دفع عجلة الحكاية نحو التغيير أو الثبات” أي تخلق هذه الشخصية توازناً ما، أو كسراً لتوازنٍ ما، بحيث تساند وتحرك الشخصية الرئيسة، لذا لا يتم العمل على تفاصيل هذه الشخصية، ولا يتم تقديم خط فردي لها، بل تبقى مرتبطة دائماً بالحدث الأكبر أو الشخصية الأهم.

يمكن الانتباه أن أغلب شخصيات هذا الشكل كنّ شخصيات نسائية، مثل الزوجة في مسلسل “بطل من هذا الزمان” والزوجة في مسلسل “قانون ولكن” وهما شخصيتان على النقيض، حيث تحمل الأولى فكرة التوازن الدائمة للعائلة والرجل، الذي يحاول دائماً البحث عن حلول للفقر بطرق عجائبية تنتهي دائماً بالخسارة، في حين تحمل الزوجة صوت العقل في توضيح أخطائه، ثم احتواءه والبحث عن حلول.

 

الممثلة نادين في شخصية جمانة زوجة سعيد النايحة في مسلسل بطل من هذا الزمان 1999

 

أما الزوجة في مسلسل “قانون ولكن”، فهي على النقيض تحاول أن تدفع بزوجها المدير العام الشريف جداً نحو عالم الفساد والرشوة، وتحاول بشتى الوسائل إقناعه أو ترهيبه ليدخل هذا الخط الذي سيغير من طبيعة الحياة المتوسطة التي يعيشاها، وبالتالي تعمل كمحرك درامي لنقل الشخصية الرئيسة نحو طريق آخر مختلف، حيث يصبح الزوج مرتشياً وفاسداً، وتختفي شخصية الزوجة تباعاً من المسلسل، فيتزوج الزوج من امرأة أخرى بالسر، وتصبح هي مثال الحياة القديمة في عيون الزوج.

 

    الممثلة مها المصري في شخصية هدى زوجة ناظم أبو الخل في مسلسل قانون ولكن 2003

 

ويمكن رؤية هذه الشخصية في مسلسلات كثيرة مثل “ضيعة ضايعة”، “عائلتي وأنا”، “مبروك” وغيرها.

الفكرة من متابعة التكرار الكبير لهذا الشكل هو رصد إشكالية رسم الشخصية النسائية التي تمتلك حيزاً من النكتة، والتي تتطور أو تتغير شخصيتها، أو حتى تنفرد في تشكيل العالم الكوميدي، وبالتالي لا يتم رسم بعد كبير لهذه الشخصيات لأنها تخدم فعلاً درامياً معيناً أو تسند البطل الرئيس، وأحياناً تحمل صوت المنطق والواقع، وتثبت عالم الشخصيات الأخرى التي تكون في الغالب رجالية منفردة في ذاتها وتحلق في العالم الكوميدي، وتحمل أبعاد مختلفة.

  الشخصية الممثلة

تنحصر الشخصيات النسائية الكوميدية التي ظهرت بقوة في المسلسلات السورية بعدد معين من الممثلات، وهن “سامية الجزائري، أمل عرفة، شكران مرتجى، وبشكل أقل نورمان أسعد”.

 وقد قدمت هذه الأسماء أغلب الأعمال الكوميدية التي مازالت محفوظة في أذهاننا، وهكذا ظهرت في كتابة الأعمال الكوميدية ما يمكن تسميته “الشخصية الممثلة” أي الشخصية النسائية الكوميدية التي تكتب لتمثلها ممثلة بعينها.

  وقد خلقت هذه العملية أحياناً قوالب واضحة للممثلات ربما دفعتهن للاستثمار فيها كشكل من تثبيت حضورهن على الشاشة كما في شخصية “دنيا” أمل عرفة والتي شاركت في كتابة المسلسل بنفسها، ورسمت لشخصيتها ملامح البطلة الكوميدية، ومسلسل “كسر الخواطر”.

وجسدت أمل عرفة فيه دور رمزية التي رغم كل الإشكاليات التي تحاول الكتابة طرحها في هذه الشخصية، إلا أنها انفردت في ترسيخ مقاطع معينة منها في الذاكرة الجمعية بسبب الأداء للممثلة نفسها.

 

         الممثلات مها المصري وشكران مرتجى وأمل عرفة في مسلسلي دنيا وكسر الخواطر

 

ونعتقد أن الحديث في هذا الشكل لا يتوقف عند العلاقة بين الشخصية والممثلة التي تؤدي دورها، بل هو مبحث كبير في ترسيخ بعض الفنانات والفنانين في أدوار معينة وتشكيل نوع من الاستعادة والتكرار الذي أعجب الجمهور في لحظة ما.

ويمكن القول أنه و بمقدار ما يكون هذا التكرار واقعياً ومختلفاً ومتنوعاً بمقدار ما نحصل على مسلسلات مختلفة وجيدة، والعكس صحيح، أي بمقدار ما تنغلق الشخصية على الممثلة أو الممثل بمقدار ما تصبح الشخصية هي المسيطرة حتى في مسلسلات أخرى، أو حتى يحرم الممثل أو الممثلة من أداء أدوار أخرى، كما حدث مع الفنان أنور البابا بشخصية “أم كامل”.

 

الممثلة سامية الجزائري وشخصية أم أحمد بلاليش في مسلسل عيلة خمس نجوم 1994

 

 الشخصية النمط

ويبقى من المهم ذكر بعض النماذج الأخرى للشخصيات النسائية الكوميدية وهي “الشخصية النمط”، وهي التي تحضر في تجسيد نمط معين مثل “الأم” “الزوجة”، أي الشخصية التي تكون موجودة لمبررات درامية ليس لها أبعاد في الحضور، فلا تضيف على العمل جديداً، وتحضر كشخصيات ثانوية فقط لإكمال الحبكة الدرامية للشخصيات الأساسية، وكأنها وجدت من باب “سقط العتب”، ما يشوه المعنى الحقيقي لدورها الأساسي في الحياة، ويرسخ حالة التهميش التي تعيشها غالبية النساء في الواقع.

بالطبع ليس من المفروض أن تكون كل الشخصيات في العمل الكوميدي ذات مساحة واسعة، ولكننا هنا لا نتحدث عن كبر وصغر المساحة بقدر ما نتحدث عن وجود نمط للشخصيات النسائية، والتي فعلاً يكون بوجودها إضافة للعمل، وأثر على سيرورة الأحداث والحبكة، وليست مجرد أدوار بلا فائدة.

 في مسلسل “مبروك”، على سبيل المثال، تحضر شخصيات الأم والزوجة بكثرة، لكنها مختلفة عن شخصيات الأب أو الزوج، ففي حين أن جميع الشخصيات الرجالية الثانوية على مساحة العمل تملك أفكاراً منفردة، وتقوم بتغيرات معينة وتطورات، تنحصر الشخصيات النسائية كنمط.

و نشاهد أيضاً في مسلسل “جميل وهناء” مع حضور أمهات جميل وهناء، ومسلسل “صراع الزمن” مع شخصية الزوجة في العمل (الفنانة صباح الجزائري)، وهنا تختلف الشخصية النمط كما أطلقنا عليها عن الشخصية الأداة الدرامية، لأن الثانية تحمل محفزاً للبطل أو الحبكة أو تعمل كأداة توازن، في حين الشخصية النمط لا تقدم أي دفع في عجلة الكتابة وتبدو شخصية باهتة ونمطية.

بالطبع فإن الحديث هذا الموضوع المتشعب يتطلب تفنيداً طويلاً لرسم مسار لتطور الكتابة للكوميديا السورية وبالتالي تطور شكل وحضور الشخصيات النسائية، وما سبق كان ملمحاً سريعاً لإشكالية تصوير النساء في الكوميديا بحيث يتم ربطها أكثر بتقاليد وأنماط مجتمعية رغم الحرية التي تسمح وتتميز بها الكوميدية، فكانت الكتابة للنساء في أمثلتنا تعيد حصرهن وتشكيل دائرة الضغط المجتمعي عليهن،  لتكون النكتة على الشخصية وليس معها أو منها.

[1] هي كوميديا تسعى للترفيه عن الجمهور من خلال مواقف مبالغ فيها للغاية ، ومبالغ فيها ، ومضحكة ، وعبثية ، وغير محتملة. كما تتميز بالاستخدام المكثف للفكاهة الجسدية والسخافة أو التهريج المقصود كما تعمل على تقديم الهجاء والمحاكاة الساخرة والاستهزاء بمواقف الحياة الواقعية والأشخاص والأحداث، كل ذلك بمبالغة متعمدة في رسم الشخصيات والتهريج.