رولا عثمان
أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي حيزاً هائلاً للتعبير لم يكن موجوداً سابقاً، إذ أن المنشورات لا تمر على محررين ومدققين، ويستطيع أي كان أن يغرد بما يشاء دون الالتزام بالقواعد والإملاءات التي تخضع لها وسائل الإعلام التقليدية.
لكن الأمر ليس إيجابياً بالمطلق، فما إن يؤسس أحدنا حساباً على وسيلة افتراضية، ويبدأ بإضافة آخرين سواء أصدقاء قدماء من أرض الواقع أو أصدقاء جدد من العالم الافتراضي حتى يصبح جزءاً من مجتمع الانترنيت الذي يشكله هؤلاء. ويترتب على العضوية في مجتمع الانترنيت مواجهة ردود أفعال باقي الأعضاء ومواقفهم من آرائنا، وهذه المواجهة تصبح أكثر صعوبةً إذا كان المستخدم امرأة تحاول التغريد خارج السرب وطرح موضوعات تُثير حساسية البعض كالنسوية وحقوق المرأة والصور النمطية نحو النساء.
بيّنت الصحفية المستقلة الأردنية هبة العبيدات التقييدات الاجتماعية التي تحيط بها في تلك المواقع والتي تعيقها عن التعبير بحرية عن آرائها حول بعض المواضيع وخاصة النسوية منها، مشيرةً إلى الانتقادات المضاعفة التي قد تتعرض لها غير الأردنية في تلك الحالة.
تواجه نور عز الدين -محررة ومراسلة أخبار في قناة رؤيا الأردنية- الانتقادات والتعليقات السلبية ذاتها على منشوراتها الحقوقية والنسوية في صفحاتها التي تحتوي غالباً على منشورات لأعمالها وموادها الصحفية، ولا تخلو من النكات والمضامين الطريفة أيضاً، بالإضافة إلى كمية مهولة من الرسائل المليئة بالاستهزاء بمشاعر وجسد المرأة والتحرش، وصور لا أخلاقية وصفتها بـ “المقرفة”.
لم تتردد نور سابقاً عن التعبير عن آرائها ونشرها علناً خاصةً وأن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت لها الفرصة في ذلك على عكس النشر عبر المؤسسات الصحفية التقليدية التي تفرض محظورات عدة. إلا أنّ نور مضطرة لتوخي الحذر في أسلوبها ولهجتها الخطابية وتنسيق كلامها بهدف إحداث التأثير المطلوب، ولتجنب الصدامات مع الآخرين، فهي تهدف إلى تعريف المرأة بحقوقها بعيداً عن الخوض في المشاكل.
أما دينا بطحيش –صحفية سورية من وكالة “ستيب الإخبارية”- فقد تلقت عدداً من التعليقات والرسائل التي اتهمتها بالإساءة المقصودة للمجتمع الأردني بعد تعرضها للتحرش في الأردن ونشرها لتفاصيل الحادثة عبر موقع الفيسبوك. أدت هذه الحملات المضادة إلى امتناع دينا منذ ثلاث سنوات من أصل سبع عاشتها في الأردن عن مشاركة أي موضوعات تتعلق بطبيعة حياة المرأة في المجتمعات العربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أضافت دينا أنّ الخوف من الترحيل إلى سوريا، كان سبباً رئيسياً في ابتعادها عن التعبير بحرية عن رأيها.
وبالعودة إلى هبة التي تقول أنها قد تتعرض للتكفير بسهولة وبساطة من قبل متابعيها عندما تناقش بعض المواضيع التي ما زالت تعتبر حساسة اجتماعياً ولعلّ أبرزها بعض المطالبات النسوية في تشريع الزواج المدني قانونياً، ما جعلها تعاني صراعاً ذاتياً أمام خيار التعبير وتحمّل النتائج أو التزام الصمت.
من جانبها تلتزم قدر فياض –خبيرة القيادة المدنية والتدريب في منظمة سبارك- بعدم نشر أي موضوعات بعيدة عن مجال عملها، وتبتعد عن الدخول في النقاشات العامة أو الخاصة فهي ترى بأن هامش الحرية في التعبير صغير جداً وتُفضل الاستغناء عنه، فباتت تكتفي بمتابعة الأخبار، ومعرفة التغير والتطور الذي يطرأ على آراء الناس من خلال منشوراتهم.
ما زال النقاش حول القضايا النسوية خجولاً، فبعد أن فرضت العادات والتقاليد الاجتماعية تقييداتها على الأفكار المتداولة عبر الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي الذي كان منصةً واسعةً للمطالبة والتوعية بحقوق النساء وبديلاً عن غياب حرية الرأي والتعبير في وسائل الإعلام التقليدية، تواجه الناشطات النسويات حالياً صعوبات عدّة في إيجاد مساحة تتيح لهن التعبير عن آرائهن بحرية أكبر.