نساء سوريات في مواقع سياسية قيادية
“تحديتُ الكثير من الصعوبات حتى وصلت لطموحي السياسي”
(القامشلي)، إليزابيث ونظيرة… نساءٌ سريانيات، كان لهن تجربة مميزة في ميدان العملية السياسية، نساءٌ تبوأن مناصب حساسة، فكان لهن الدور الفعال في اتخاذ القرارات جنباً إلى جنب مع الرجل، أصبحن رئاسات مشتركة لمراكز كان لها دور كبير في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
(تنشر هذه المادة بالتعاون والشراكة بين مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات وحكاية ما انحكت)
نارين نورو
اسم مستعار لصحفية مقيمة في القامشلي
نبدأ مع حكاية السيدة اليزابيث كورية ونستعرض تجربتها في العملية السياسية.
بدأت في ميدان العمل السياسي منذ عام 2005, حين تأسس حزب الاتحاد السرياني في سوريا، والذي يُعتبر حركة سياسية تمثل أهداف وتطلعات الشعب السرياني والدفاع عن حقوقه في وطنه سوريا.
ساهمت إليزابيث كورية أثناء تواجدها في الحزب، بالسير على نهج الحزب وتطلعاته، فلعبت الدور الإيجابي في إيصال صوت الشعب السرياني لكافة شعوب المنطقة وللمحافل الدولية، مصرّة بأن تعمل كل ما بوسعها لرفع الظلم الواقع على الشعب السرياني وحقوقه المهمشة من هوية ولغة وقومية, خاصةً في الدستور السوري الذي لا يعترف بحقوق هذا المكون, حاله حال باقي الأقليات السورية. لذا كان هدفها، أن تعمل في طريق بناء دستور ديمقراطي جديد يعترف بقوميات كافة المواطنين السوريين ويعترف بحقوقهم المتساوية، سواء أكانوا سريانا، أكرادا، عربا، شركسا، أرمنا، وغيرها من القوميات السورية.
امرأة وحيدة…
كانت إليزابيث المرأة الوحيدة ضمن مجموعة من الرجال الذين بدؤوا بتأسيس حزب الاتحاد السرياني في القامشلي، فعملت معهم يدا بيد، حيث تقول لحكاية ما انحكت: “عملت لوحدي بين مجموعة من الرجال ولم أكترث لهذا الامر وكان عادياً بالنسبة لي بينما البعض يعتبره أمراً محرجاً أو خارجاً عن المألوف”.
عملت ورفاقها على تأسيس الجمعية الثقافية السريانية عام 2008 في القامشلي، فأصبحت غطاءً لأعمال الحزب السرية، حيث تقول: “كنا نعمل بشكلٍ سري ونعقد اجتماعاتنا خفيةً، خوفاً من النظام الحاكم، والذي يمنع أي نشاط سياسي لأحزاب الأقليات”.
شغلت خلال سنوات نشاطها منصب مسؤولة الجمعية الثقافية السريانية، والتي كانت بمثابة مركز ثقافي يقيم ندوات فكرية وثقافية تحيي التراث السرياني وتهتم باللغة السريانية. كما عملت لفترة طويلة كمعلمة في المدارس الحكومية. ولكن بسبب نشاطها السياسي تم استدعاؤها للفروع الأمنية واعتُقلت لفترة معينة كما تم فصلها من وظيفتها، حيث تقول لحكاية ما انحكت عن تلك المرحلة: “تعرضت لضغوطات كثيرة من النظام السوري الحاكم كوني أعمل ضمن نشاط سياسي حزبي. وفي نفس الوقت أنا معلمة لدى مدارس الدولة، حيث استدعوني للتحقيق وتعرضتُ للنفي إلى الجنوب السوري، وفي النهاية فصلوني من عملي”.
المشاركة في تأسيس الإدارة الذاتية
ولكن تلك الضغوط لم تثني من عزيمتها بل زادتها إصرارا وتصميما على السير في الطريق السياسي الذي اختارته لنفسها. في بداية الثورة السورية عام 2011 عملت ضمن مؤسسات المجتمع المدني وناضلت للحفاظ على السلم الأهلي، كما كان لها دور فعال في بداية تأسيس الإدارة الذاتية، بل تُعتبر من المؤسسين، حيث مثلت المكون السرياني أثناء كتابة العقد الاجتماعي في الإدارة الذاتية عام 2013، والذي تم الإعلان عنه في الشهر الأول عام 2014.
عن هذه التجربة، تقول إليزابيث لحكاية ما انحكت: “رأيت في مشروع الإدارة الذاتية الحلم المنشود لكل مكونات المنطقة في نيل حقوقهم، فهي تضمن العدالة والمساواة بين الجميع، وأردتُ أن أكون ضمن مؤسسيها حتى أوصل صوت شعبي السرياني وأطالب بحقوقه وأمثله في المحافل الدولية”.
شغلت منصب نائب رئاسة المجلس التنفيذي لإدارة الجزيرة مدة سنتين. وفي عام 2016 تم تأسيس مجلس سوريا الديمقراطية، والذي يُعتبر الغطاء السياسي لقوات سوريا الديمقراطية. كما كانت إليزابيث ممثلة عن المكون السرياني في كتابة العقد الاجتماعي لنموذج الفيدرالية لسوريا عام 2016، وفي عام 2018 أصبحت عضوة في لجنة صياغة وثيقة التفاهم لإدارة شمال وشرق سوريا، والتي تتبنى نظام سياسي جديد لسوريا، نظام لامركزي ديمقراطي يعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة.
كما شغلت إليزابيث منصب نائب رئاسة المجلس التنفيذي لإدارة شمال وشرق سوريا عام 2018، ومازالت هي بهذا المنصب حتى الآن.
وساهمت في تأسيس الاتحاد النسائي السرياني في سوريا عام 2013 وعملت في تأسيس مجلس المرأة السورية عام 2017 وتأسيس مجلس المرأة لشمال وشرق سوريا عم 2019 ومؤسسة أولف تاو لتدريب وتأهيل المعلمين ووضع مناهج باللغة السريانية. وتولت مسؤولية إدارة حزب الاتحاد السرياني فرع قبري حيوري (القحطانية) من عام 2008 إلى 2014.
نشاط دولي أيضا
أما ما يخص اللقاءات في المحافل الدولية، فكان لها حضور وتمثيل عن الشعب السرياني في مؤتمر ديار بكر في تركيا عام 2013 المنعقد لنساء الشرق الأوسط، حيث ألقت هناك كلمة باسم المرأة السريانية وتطلعاتها والمعاناة والمجازر التي طالتها. وحضرت عدة لقاءات مع الاتحاد الأوروبي في واشنطن وروسيا وغيرها من الدول لإلقاء الضوء على قضية المرأة، ونقل معاناة الشعب السرياني إلى أوروبا.
عن تجربتها الدولية، تقول اليزابيث لحكاية ما انحكت: “كان لي عدة لقاءات دولية مع ممثلين من الاتحاد الأوروبي، استفدت جداً من لقائي بهم، اطلعت على نظرتهم لمكونات شمال شرق سوريا ورأيهم بما نقوم به، كما حاولت أن أعطيهم الصورة الصحيحة عن عمل مكونات المنطقة وحاولت أن أقدم لهم مطالبنا لدعم مشروع الإدارة الذاتية”.
وأما عن الصعوبات التي واجهتها، فكان منها ما هو خارجي متعلق بنظرة المجتمع للمرأة السياسية والمفاهيم القديمة السائدة لدى المجتمع، والذي يعتبر المرأة فقط للمنزل والأعمال البسيطة، ما احتاج منها الكثير من الصبر والحكمة في التعامل مع أفراد المجتمع ومحاولة تغيير نظرتهم للمرأة، حيث تقول: “بالطبع المجتمع الشرقي لديه عقلية ذكورية، ينظر للمرأة السياسية نظرة المتعجب، ويجد عملها السياسي أمر خارج عن المألوف وجديد عليه. وأنا تعرضت لهذا الأمر، ولكن حاولت أن أقنع المحيطين بي بأن الزمن يتطور وعلينا التخلص من العادات القديمة التي ترى ان المرأة فقط للمنزل، واحتاج الأمر مني للكثير من الصبر فالبعض يقتنع والآخر لا”.
كما واجهتها أيضاً صعوبات داخلية تتعلق بأسرتها، حيث فرض عليها العمل السياسي وكثرة السفر والتنقل والاضطرار التضحية بالكثير من الأمور، والغياب عن المنزل فترات طويلة. وكونها أم لثلاثة أبناء، زادت المسؤولية على عاتقها أكثر. ولكن زوجها وأبنائها كانوا خير سند لها إذ تقاسموا معها المسؤولية ما ساعدها على مواصلة عملها السياسي حتى الآن.
حكاية نظيرة أيضاً
لم تكن إليزابيث المرأة الوحيدة التي تحدت قيود المجتمع والعادات، بل هناك كثيرات، منهن أيضا نظيرة كورية التي كانت بداياتها ضمن لجنة المرأة في الجمعية الثقافية السريانية، والتي تحدثنا عنها سابقاً، حيث عملت على القيام بعدة نشاطات تهدف لتثقيف المرأة وتمكينها، من خلال إقامة المحاضرات والندوات التوعوية لتُعرف المرأة بحقوقها وأهمية دورها في المجتمع كونها لا تقل أهمية عن الرجل، كما كان لنظيرة دورٌ مهم في إقامة العديد من المخيمات التثقيفية الخاصة بالمرأة السريانية، حيث تقول نظيرة لحكاية ما انحكت: “بدأت العمل ضمن لجنة المرأة في الجمعية الثقافية السريانية بالقامشلي، أردت النهوض بنساء شعبي السرياني فكرياً وثقافياً”.
عملت نظيرة على تعريف المرأة السريانية بتاريخ الشعب السرياني وما عاناه عام 1915 من مجازر سُميت بمجازر (السيفو) لأن الدولة العثمانية التركية آنذاك استخدمت السيف لقتل المسيحيين في القرى التركية وراح ضحيتها مليون ونصف أرمني، و700 ألف سرياني ويوناني، ونزوح المئات إلى سوريا، وهو ما تعبر عنه نظيرة بالقول: “آلمني ما تعرّض له أجدادنا عام 1915 على يد الدولة العثمانية وأردت نقل الصورة للنساء اللواتي لايعلمن بهذا الحدث الأليم، وأردت نقل هذا الوجع لكل الأجيال حتى يعرفوا بطش الدولة العثمانية آنذاك”.
تحيات وقيود مجتمعية
واجهت نظيرة جملةً من التحديات والصعوبات، تمثلت بالقيود المجتمعية الذكورية التي تسود مجتمعات الشرق الأوسطية، والتي تحدُ من الأدوار المعطاة للمرأة، وكونها أيضاً أم ولديها مسؤولية أسرة، زاد الأعباء عليها. ولكن إرادتها وتصميمها كان أكبر من هذه التحديات التي واجهتها بعزيمة وإصرار على المتابعة، حيث تقول لحكاية ما انحكت “تحديت الكثير من الصعوبات حتى وصلت لطموحي، فمجتمعنا يقيد المرأة ويحصرها فقط بالعمل المنزلي وتربية الأطفال، وحتى الرجل ما زالت لديه الذهنية التي ترفض بأن تكون المرأة في منصب أكثر أهمية منه، لكني بالعزيمة والإصرار واجهت وتحديت كلام الناس ولم أتزعزع “.
في الوقت الذي يُعتبر فيه عمل المرأة في المجال السياسي أمرٌ غير مألوف وحديثٌ على المجتمع السوري ومجتمع الجزيرة تحديداً، حاولت نظيرة كسر كل القيود وتحقيق طموحها.
كما واجهتها تحدياتٌ تتعلق بنظرة الرجل نفسه لتواجد المرأة بين مجموعة رجال داخل ميدان السياسية، وهو ما عبرت عنه بالقول: “كوني امرأة والعمل السياسي أغلبه رجال، بالطبع عانيت من هذا الأمر، فبعض الرجال ينظرون للمرأة نظرة غير مستحبة، وهذا ينبع من أخلاقهم غير السوية، ولكن بالطبع ليس الكل، فهناك رجال تعرفنا عليهم ووجدنا لديهم احترام لعمل المرأة وتقدير لأفكارها”.
التحدي الأكبر
والتحدي الأكبر كان نظرة المجتمع لها على أنها ناشطة سياسية معارضة للنظام الحاكم في سوريا، الأمر الذي أفقدها الكثير من معارفها وأصدقائها من محيطها لاختلافهم بالرأي معها أو حتى خوفهم من الاحتكاك بها، لئلا يتعرضوا للاعتقال أو استدعاء للتحقيق، حيث “لايزال البعض من السوريين موالين للنظام الحاكم حتى الآن، وكوني أنا توجهت للعمل السياسي المعارض لهذا النظام، فهذا الأمر أفقدني الكثير من الأشخاص بسبب الاختلاف بالرأي السياسي فبعضهم خشي أن يتعرض لمساءلة أمنية” وفق ما تقول لحكاية ما انحكت.
عملها السياسي لم يكن على حساب عائلتها، حيث تقول: “طبعاً أنا أم، ولدي أسرة وأبناء. حاولت رغم انشغالي الكثير بالعمل السياسي، بأن لا أقصر تجاه عائلتي أبداً وأنا أقوم بكل مسؤولياتي المنزلية. طبعاً هذا الأمر لم يكن سهلاً بل أخذ مني جهداً وتعباً، ولكن أسرتي كانت متفهمة واستوعبت الأمر وتعاونت معي”.
إنجازات كثيرة
نظيرة كانت من مؤسسي الاتحاد النسائي السرياني في سوريا عام 2013 وشغلت منصب مسؤولة الاتحاد النسائي السرياني في القامشلي لسنواتٍ عدة، حققت خلالها الكثير من الإنجازات المتعلقة بالمرأة والنهوض بها فكرياً وسياسياً واجتماعياً، وشاركت في تأسيس الإدارة الذاتية وتولت مهام رئاسة مشتركة للمجلس التشريعي لإقليم الجزيرة لخمس سنوات. بعدها تولت مهام رئاسة مشتركة للمجلس التنفيذي لإقليم الجزيرة. ومازالت في منصبها حتى الوقت الحاضر.
كما لعبت دوراً مهماً في حزب الاتحاد السرياني في سوريا، حيث تم انتخابها لتكون ضمن اللجنة التنفيذية للحزب، فنظرا “لثقة حزبي بي، تم انتخابي لأكون ضمن اللجنة التنفيذية لحزب الاتحاد السرياني، فرحت كثيراً للثقة التي مُنحت لي وبنفس الوقت شعرت بالقلق لزيادة المسؤولية علي” كما تقول لحكاية ما انحكت.
وعلى الصعيد الدولي كان لها مشاركاتٌ عديدة في مؤتمرات نسائية سياسية، كما كانت عضوة بمبادرة نساء سوريات للسلام والديمقراطية من UN.
البعض يعتقد بأن العنف الممارس على المرأة هو فقط جسدي مثل الاغتصاب والقتل والتحرش وغيرها من المفاهيم الشائعة ولكن هذا مفهومٌ خاطئ، فالعنف القائم على النوع الاجتماعي يتضمن أيضاَ تعنيف المرأة ومحاربتها فكرياً وإنقاص قيمتها والاستهزاء بقدراتها السياسية.
ويُعرّف العنف المبني على النوع الاجتماعي بأنه أي عمل مؤذٍ يُرتكب ضد إرادة الشخص ويستند إلى اختلافات منسوبة اجتماعياً بين الذكور والإناث. وتنتهك أفعاله عدداً من حقوق الإنسان العالمية التي تحميها الوثائق والاتفاقيات الدولية، كما يتضمن الإكراه والحرمان من الحرية.
منذ عام 2000 وضع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة موضوع النساء والسلام والأمن كبند محدد على جدول أعماله. حيث دعا قرار مجلس الأمن (1325) إلى زيادة مشاركة المرأة في جميع مستويات صنع القرار وتفعيل دورها في المؤسسات السياسية ومشاركتها في عمليات السلام والمفاوضات وحل الصراعات. وركّز على ضرورة حماية المرأة من التمييز.
نجد أيضاً بأن الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا عملت ومنذ بداية تأسيسها على إعطاء المرأة دوراً مهماً في العملية السياسية وإشراكها في صنع القرارات، لذا حرصت على اتباع نظام الرئاسات المشتركة لكل هيئاتها ودوائرها بحيث تأخذ المرأة موقعها في كافة الاجتماعات، تقرر، تناقش، وتعترض.
“بالعزيمة والإصرار يمكن للمرأة تحقيق كل ما تصبو إليه، المرأة اليوم ليست كالسابق، ليست فقط لتلبية احتياجات الأسرة، لقد أصبحت اليوم سيدة نفسها وصاحبة قرار” هذا ما تختم به كورية لحكاية ما انحكت.