المرأة في شمال وشرقيّ سوريا: تجارب واعدة في بيئة مليئة بالتحدّيات
على خلاف المناطق الأخرى، راكمت المرأة في مناطق الإدارة الذاتية خلال السنوات العشر الماضية، تجربة كبيرة على صعيد مشاركتها في الحياة السياسية والعامة، إضافة إلى صدور القوانين التي تعطيها بعض حقوقها، حيث لا تزال تواصل نضالها. ولكن يبقى السؤال المطروح: هل هذا الحضور الواسع والكمي يقابله تمثيل حقيقي وجدي على الأرض؟ وكيف يتعامل المجتمع مع إنجازات المرأة ووجودها في المواقع القيادية؟ هذه الأسئلة وغيرها، يجيب عنها هذا التحقيق الذي أعده مراسلنا من شمال شرق سورية.
هوزان هادي
تنشر هذه المادة بالتعاون مع “حكاية ما انحكت“، ضمن برنامج “النساء والسلام والأمن” التابع لمؤسسة شبكة الصحفيات السوريات.
(القامشلي)، لازمتْ صِفة “المقاتلة” المرأةَ الكُرديّة، وباتت جملة “المقاتلات الكُرديّات” يتكرّر ذكرها على مختلف وسائل الإعلام منذ عام 2014، وهو العام الذي خاضت فيه وحدات حماية الشعب (الكُرديّة) أولى حروبها ضدّ تنظيم “الدولة الإسلاميّة” في مدينة كوباني شماليّ سوريا، وهو كذلك نفس العام الذي شَهِدَت بدايته تأسيس “الإدارة الذاتيّة” في ثلاثة أقاليم هي الجزيرة، وكوباني، وعفرين، بتحالف يضم حزب الاتحاد الديمقراطيّ (الكُرديّ) ومجموعة من الأحزاب الكُرديّة والعربيّة والسريانيّة وغيرها.
وخلافاً للصورة النمطيّة التي تناولتها تلك الوسائل الإعلاميّة، فقد ترافق تأسيس “الإدارة الذاتيّة” مع تزايد نشاط المرأة (الكُرديّة وغيرها) ومشاركتها في ميادين أخرى غير العسكريّة، فخاضت في ميادين الحُكُم والسياسة والإعلام والمجتمع المدنيّ وسوق العمل، وفي النشاطات الثقافيّة والأدبيّة وغيرها، وهو أمرٌ مَيّز مناطق “الإدارة” عن باقي المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السوريّة، والتي ساد معظمها حكمٌ دينيّ متطرّف أو ميّال إليه.
وعلى الرغم من التميّز النسبيّ الحاصل، إلا أن مدى فعاليّة مشاركة المرأة في مناطق “الإدارة الذاتيّة” (شمال وشرقيّ سوريا)، ما زالت تفتقر إلى آليات فعالة، بالإضافة إلى أنّ العوائق التي تَحوْلُ دون لعب دورها المؤثر في المجتمع، ما زالت قائمة بشكل ملحوظ.
المرأة في مؤسّسات الإدارة الذاتيّة بين المشاركة الفعلّية والشكليّة
يعتمد النظام الإداريّ في “الإدارة الذاتيّة” بشكل رئيسيّ على نظام الرئاسة المشتركة، وهو نظام يفرض تمثيلاً متساوٍ لكلّ من المرأة والرجل في أعلى منصب من كُلّ مؤسّسة.
تُشاركُ شاهة خلف، نائبة الرئاسة المشتركة لـ”هيئة الشؤون الاجتماعيّة والعمل في إقليم الجزيرة” مع حكاية ما انحكت إحصائيات للعاملين/ات في مؤسسات “الإدارة الذاتيّة” في “الجزيرة”، والتي تفيد بوجود 7096 عاملة مقابل 7004 عاملاً. بعبارة أُخرى، إنّ نسبة العاملات تَصِل إلى 50.3% من المجموع الكُلّي للعاملين/ات. ومع ذلك، تؤكّد شاهة على أنّ “كوتا الـ50% مفروضة على مستوى الرئاسة المشتركة دون غيرها، والفرص متكافئة للرجل والمرأة في باقي المستويات الإداريّة الأدنى”.
تحكي لورين علي لـ “حكاية ما انحكت” تجربتها كرئيسة مشتركة سابقة لبلدية بلدة تربسبيه/القحطانية شمال شرقيّ سوريا في الفترة ما بين 2014 و2015. وتقول “كنتيجة للانتخابات الداخليّة لمجلس البلدة، تنافستُ و19 أُخريات على منصب الرئيسة المشتركة للبلديّة، وفزتُ بأكثر من ألفي صوت من أصوات الناخبين/ات”. وتؤكّد لورين على أنّ “آلية اتخاذ القرار كانت تشاركيّة، وكان للمرأة مشاركة فعّالة وتمثيل في جميع أقسام البلديّة دون تحديد “كوتا” معيّنة”.
لاحَظَتْ لورين وجود “حالات من عدم التقبّل للأوامر الإداريّة أو القرارات الناتجة عن اقتراح النساء، وغالبية هذه الحالات كانت للرجال الأكبر سنّاً، إذ كانوا يتحسّسون من ذلك. وكأنّه نقيصة!” تقول، وتضيف بتهكّم “المراجعون/ات كانوا/كُنَّ يخاطبون/نَ الرئيس المشترك مع إهمال وجودي، إذ كانت الفكرة السائدة بين الناس آنذاك أنّ هناك رئيس يمثّل رأس الهرم، ورئيسة مشتركة بمعنى نائبة”.
وعلى مستوى مراعاة الخصوصيّة الفسيولوجيّة للمرأة في بيئة العمل، تقول لورين “كانت تُمنح إجازات الأمومة، بالإضافة إلى ساعتيّ إرضاع يوميّة للمُرضعات”.
هيئة المرأة، هي إحدى هيئات الإدارة الذاتيّة العَشْر، يعمل بها 100% من النساء، ولا تخضع لنظام الرئاسة المشتركة، بل ترأَسُها رئيسة واحدة، ويعود ذلك، بحسب أفين قافور، نائبة رئيسة الهيئة في إقليم الجزيرة إلى “ضرورة النضال في قضايا المرأة بذهنيّة المرأة نفسها، وذلك للقضاء على الذهنيّة الذكوريّة السلطويّة”.
وتضيف لحكاية ما انحكت: “إذا لم تتحرّر المرأة لن يتحرّر المجتمع، من هنا ننطلق في عملنا الذي يهدف إلى القضاء على العنف الممارس ضدّ المرأة، وتمكينها في كافة الساحات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة”.
صادَقَ المجلس التشريعيّ في الإدارة الذاتيّة، إبّان تأسيسها، على مسوّدة قانون أصدرته “هيئة المرأة” تحت مسمّى “قانون المرأة” الذي قامت بموجبه بتجريم تزويج القاصرات، والقتل بذريعة الشرف، والتزويج القسريّ، وتعدّد الزوجات، والاستغلال الجنسيّ، والعنف الأسريّ، والاغتصاب، كما ألغت المهور، وساوت بين الرجل والمرأة في الأجور، والميراث، والشهادة في المحاكم، وغيرها.
تصف أفين قافور إصدار “قانون المرأة” بـ”الخطوة الجريئة” وتؤكّد على ثوريّة الطرح، فتقول “على الرغم من تعارضه مع العادات والتقاليد المجتمعيّة، ومع بعض الشرائع الدينيّة، كالشريعة الإسلاميّة، فإنّ قانون المرأة لم يُصدَر على مراحل، بل جاء بناءً على تحليل المرأة لواقعها وسعيها لنيل حقوقها”.
مع تأكيدها على أنّ “نظرة مجتمع شمال وشرقيّ سوريا تجاه المرأة تغيّرت إيجاباً، وأصبحت أكثر تقبّلاً لمشاركتها بعد اندلاع الأزمة السوريّة، وما رافقها من تغيّرات سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة”. إلّا أنّ الأخصائيّة الاجتماعيّة في “مؤسسة ژيان لحقوق الإنسان” نيروز محمد، لا تتفق تماماً مع التغيير الثوريّ فيما يخصّ قضايا المرأة، وتقول لـ حكاية ما انحكت: “لا بدّ أنْ يترافق التغيير الثوريّ في المجتمع مع توعية مجتمعيّة شاملة، وأنْ يُدَعَّم بحماية للضحايا المحتملات من النساء، وإلّا فأنا أفضّل التغيير التدريجي في دعم قضايا المرأة، مع تثبيتها قانونيّاً ودستوريّاً”.
وعن نظام الرئاسة المشتركة تقول نيروز “إنّ هذا النظام إيجابيّ على الرغم من الادعاءات القائلة بشكليّته، فرؤية المرأة في موقع القيادة بشكلٍ مستمرّ يسهم مع الوقت في تغيير نظرة المجتمع لها”.
في الإعلام: مشاركة “فعّالة” ولكن!
شَهِدَت مناطق الإدارة الذاتيّة إقبالاً شديداً على العمل في المجال الإعلاميّ، وكان للمرأة نصيب كبير من هذه المشاركة، فكانت المراسِلات والمذيعات ومحرِّرات الأخبار إلى جانب اللواتي شغلنَ مناصب إداريّة عليا في المؤسسات الإعلاميّة، بل وصل الأمر إلى افتتاح قناة، وإذاعة محلّية تُعنيان بالمرأة وقضاياها بطاقمٍ نسائيّ صرف.
تشغل الصحفية، آريا حاجي، منصب المديرة التنفيذية لـ”شبكة آسو الإخباريّة” وهي مؤسّسة إعلاميّة محلّية تنشط في مناطق الإدارة الذاتيّة، بطاقم عمل يضمّ 17 مراسل/ة أكثر من نصفهم/ن من النساء.
ومن خلال أكثر من ست سنوات من عملها في المجال الإعلاميّ، تشرح آريا لـ حكاية ما انحكت نظرتها حول واقع المرأة الإعلاميّة في شمال وشرقيّ سوريا بالقول: “المرأة تُشارك بفعاليّة في المجال الإعلاميّ، وهي ذات تأثير جيّد إلى حدٍّ ما”. وتستدرك بالقول: “لكنّ هذه المشاركة ليست بالمستوى المطلوب بالمقارنة مع التمثيل الكبير لها في هذا المجال” وتعزو ذلك إلى “هشاشة الواقع الإعلاميّ”.
“اتّحاد الإعلام الحرّ” نقابة صحفيّة تضمّ أكثر من 300 عضو/ة من الصحفيين/ات العاملين/ات في شمال وشرقيّ سوريا، وتمثّل النساء نسبة 35% من المجموع الكلّيّ للأعضاء/العضوات، وتتبنّى النقابة نظام الرئاسة المشتركة، وتطبّق الـ “كوتا” النسائيّة على مختلف المستويات الإداريّة فيها.
“بحسب متابعتي، فإنّ نسبة مشاركة المرأة في المجال الإعلامي تَصِل إلى حوالي ستين بالمئة في بعض المؤسسات الإعلاميّة” تقول أفين يوسف، الرئيسة المشتركة لاتحاد الإعلام الحرّ، وتضيف: “تعمل المرأة الإعلاميّة في شمال وشرقيّ سوريا في التحرير، والتقديم، كما تعمل كمراسلة ميدانيّة، وتشغل المناصب الإداريّة، بل إنّ العديد من الإعلاميّات تميّزن، وأثبتنَ ذواتهنّ في هذا المجال”.
في وقت سابق هذا العام، تناول تحقيق صحفيّ نُشر في إحدى الوسائل الإعلاميّة المقرّبة من الإدارة الذاتيّة عدداً من حالات التحرّش التي طالت صحفيّات في مؤسسات إعلاميّة مختلفة، وحُذف التحقيق بعد ساعات من نشره بفعل ضغوط مورست من قِبَل “الإدارة” على تلك الوسيلة.
تنفي أفين يوسف “ورود أيّة شكوى من إعلاميّات تعرضنَ للتحرّش أو العنف أو الاستغلال الجنسيّ منذ بداية تأسيس الاتحاد وحتى الآن” وتُرجع آريا ذلك إلى “الخوف من نظرة المجتمع التي تلوم الضحيّة، بالإضافة إلى عدم الثقة بآليات المحاسبة لدى الإدارة الذاتيّة فيما يخصّ هكذا قضايا”. وتشدّد في حديثها لـ حكاية ما انحكت على أهميّة الإبلاغ، وآثاره الإيجابيّة على تعزيز فعاليّة مشاركة المرأة الإعلاميّة، بالقول “ما إنْ تتمّ عمليّة الإبلاغ الأولى عن التحرّش، حتى يسقط المتحرّشون واحداً تلو الآخر كأحجار الدومينو، وسيرتدع البقيّة”.
في مؤسسات المجتمع المدنيّ: استغلال لقضايا المرأة من “المناصرين” لها
عام 2016، صدر بحث أعدّه الباحث شيار عيسى، وقام به فريق من النساء من حلقات السلام في شبكة “أنا هي” بعنوان “واقع المرأة السوريّة في منظّمات المجتمع المدنيّ في محافظة الحسكة”.
أُجري البحث على 30 منظمة مدنيّة شملت 1184 موظفاً/ة، منهم 563 رجلاً؛ أي ما يقارب 48 % من نسبة الموظفين/ات، و 621 امرأة؛ أي ما يقارب نسبة 52 % منهم/ن.
تقول نائبة الرئاسة المشتركة لهيئة الشؤون الاجتماعيّة والعمل، شاهة خلف، أنّه “توجد أكثر من 200 منظّمة مرخّصة لدينا في إقليم الجزيرة، بواقع حوالي 2100 موظف/ة، وتمثّل النساء ما تَصِل نسبته إلى 50 بالمئة من مجموع موظّفي/ات هذه المنظّمات”.
للوهلة الأولى تبدو الأرقام السابقة واعدة، إلّا أنّها خادعة في حقيقتها، فبحسب “البحث” تنخفض أعداد النساء اللواتي يَشْغَلْنَ مناصب إداريّة عُليا أمام أعداد الرجال، كما أن هناك ثلاث منظّمات فقط من أصل ثلاثين (عيّنة البحث) تتفوق فيها النساء تمثيلاً.
كذلك فإن الإحصاء المقدّم من هيئة الشؤون الاجتماعيّة والعمل، على جِدَّته، فهو تقريبيّ، وقد تنطبق عليه نتائج البحث السابق، وهو ما لا يمكن تأكيده أو نفيه في ظلّ نُدرة مراكز الدراسات والإحصاء في المنطقة.
في حديث لـ حكاية ما انحكت، تقول الناشطة المدنيّة ناز حمي “يمكن ببساطة معرفة ضعف دور المرأة في منظمات المجتمع المدنيّ، وذلك بالنظر إلى إدارات تلك المنظمات التي يقلّ فيها تمثيل المرأة، والتي تشغل فيها أدواراً ديكوريّة تقليديّة غير ذات تأثير”. وتُرجع، المدرّبة في مجال “الجندر” ذلك لـ”سواد الذهنيّة الذكوريّة التي لا تؤمن بقدرة المرأة على تولّي مناصب قياديّة تتطلّب قدرات جسديّة وفكريّة متقدّمة، بالإضافة إلى وجود منظّمات لا تَنْظُر للمشاريع الداعمة للمرأة إلا كطُعمٍ لاصطياد التمويل الذي يضمن استمراريّة المنظمة، ويلبّي معايير المانحين”.
بلغت أعداد الدعاوى الواردة إلى “مجلس عدالة المرأة في إقليم الجزيرة” لعام 2020 وفق إحصائية صدرت منذ أيام “334” حالة، منها 9 حالات قتل نساء و4 حالات شروع به، و35 حالة تزويج قاصرات و181 حالة اعتداء بالضرب.
تُعرِّف منظّمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة نفسها على أنّها “منظّمة مدنيّة اجتماعيّة تناهض العنف والتمييز ضد المرأة بكلّ أشكاله”. وبحسب المستشارة القانونيّة للمنظّمة، ندى ملكي، فقد “حصلت المنظّمة على حقّ التمثيل القانونيّ كمُدّعية شخصيّة عن المرأة المُعَنَّفة في حال لم تتمكّن من تمثيل نفسها أمام المحكمة، ونتابع القضيّة حتى صدور قرار المحكمة القطعيّ” تقول لـ حكاية ما انحكت، وتؤكّد على “التأثير السلبيّ للعنف الأسريّ، والعنف الممارس ضدّ المرأة في بيئة العمل، على مشاركتها بفاعليّة في مختلف القطاعات، ومنها القطّاع المدنيّ”.
في سوق العمل: دعم رسميّ، ونجاح في القطاع الخاصّ
لجنة اقتصاد المرأة هي إحدى لجان “مؤتمر ستار” وهو تنظيم نسويّ أُسِّسَ عام 2005 وتوسّع عام 2016 في ظل “الإدارة الذاتيّة” ليشمَلَ عدداً من التنظيمات النسائيّة في المنطقة.
افتتحت “اللجنة” مشاريع نسائيّة عديدة على شكل جمعيّات تعاونيّة في مختلف المجالات الزراعيّة والتجاريّة والصناعيّة، كمعامل صناعة المونة المنزلية، ووُرَش الخياطة، والمطاعم، والبقّاليات، والمشاتل وغيرها، ويعمل بها أكثر من 1400 امرأة، من بينهن 275 امرأة يعملنَ في الجمعيّات الزراعيّة، ونجحت بعض هذه المشاريع واستمرّت، بينما لم يُكتب النجاح لبعضها الآخر.
تقول الإداريّة في “اللجنة”، أرمانج أحمد، لـ حكاية ما انحكت: “نفّذنا مشاريع عدّة، أكثرها كان متعلقاً بالزراعة، كما نتلقّى مقترحات مشاريع من مئات النساء، ونعتمد نظام الأسهم بشكل رئيسيّ، إلى جانب تقديم القروض، على أنْ تُسدّدها المساهِمات من أرباحهنّ على دفعات بعد مرور سنة كاملة من تاريخ منح القرض”. وتشرح أرمانج أسباب فشل بعض المشاريع بالقول: “بعض النساء يعتبرنَ هذه المشاريع مشاريع تجاريّة بحتة، في حين أنها مشاريع تنموية تهدف لتمكين المرأة اقتصاديّاً في سوق العمل، ونقدّم في سبيل ذلك الخبرات والتسهيلات اللازمة، على الرغم من أنّنا نواجه تحدّيات في تصريف بعض المنتجات”.
داخل مطعم “هفرين” في مدينة ديريك أقصى شمال شرقيّ سوريا، تقضي داليا شبلي وقتها في الإشراف على العاملات، وتسجيل طلبات الزبائن، فهي الآن تَملُك وتُدير “المطعم” بعد أنْ كانت تُدير إحدى المطاعم المدعومة من “لجنة اقتصاد المرأة”، إذ تقول لحكاية ما انحكت: “بعد خبرة ثلاث سنوات، قرّرتُ افتتاح مشروعي الخاصّ بدعم ماديّ ومعنويّ من زوجي وعائلتي… أحاول إثبات قدرة المرأة على الخوض في سوق العمل، والسعي نحو الاستقلال الماديّ، لذا اخترتُ أنْ يكون طاقم العمل من السيدات”.
ويبدو أنّ طموح داليا لا يتوقف عند هذا الحدّ، “أنا أُديرُ مطعمي، كما أشاركُ في إدارة مطعم يملكه زوجي، وأشعرُ أنني لا زلتُ أملكُ الطاقة للعطاء، وقد أصبحتُ أوّل تاجرة في المنطقة” تقول، وهي تشارك مع حكاية ما انحكت صورة لرُخصة تُخوّلها العمل في التجارة في مناطق الإدارة الذاتيّة.
نجاح وطريق طويلة ووعرة
بِصَرْفِ النَّظَر عن الواقع الهشّ الذي تعانيه مختلف القطاعات في شمال وشرقيّ سوريا، وهي حالة سائدة، فإنّ المرأة قد حقّقت تقدّماً جيّداً في المجالين الإعلاميّ والاقتصاديّ، ويبدو أنّ العقبات أمام مشاركتها فيهما تأخذ بالانحسار، بينما لا تزال الطريق أمامها طويلة ووعرة في الحكومة ومؤسّسات المجتمع المدنيّ، ولا بدّ أنْ تكون أول خطوة على هذه الطريق، هي التغلب على القوالب الشكليّة والإيديولوجيّة التي وُضِعَت فيها، والتي أفرَغَتها من مضمونها، واستغلّت مظلوميّتها في السياسة وفساد بعض منظّمات المجتمع المدنيّ.
بناءً عليه، فإنّ التقدّم المُحْرَز حتى الآن في مشاركة المرأة شمال وشرقيّ سوريا يشكّل أساساً قد يمكن التعويل عليه، ومع ذلك، يبقى السؤال الأهمّ: إلى أيّ مدى سوف تستغلّ المرأة هذا التقدّم في سعيها لنيل حقوقها وتثبيتها دستوريّاً؟ خاصة أنّ البلاد تشهد تغييراً ممتداً منذ سنوات، وتُقبل على مراحل متقدمة منه.