شغف البري
إهمال وعنف متكرّر ضدّ النساء عند الولادة في مستشفيات شمال سوريا
تمّ إنتاج هذه المادة خلال مرحلة المتابعة والإرشاد في برنامج “النساء والسلام والأمن”، من مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات؛ وبإشراف الصحفية زينة بيطار. حُرر ونُشر بالتعاون بين حكاية ما انحكت، وشبكة الصحفيات السوريات.
“قرصتني وقالتلي اخرسي ما فيكي شي كرمال ما ابكي واعيط واستغلت وجودي لوحدي“
“بعد الولادة تمّ نقلي إلى غرفة أخرى من أجل تنظيف الجرح وأثناء التنظيف أصبحت القابلة تؤلمني أكثر، مع ضرب على قدمي وقرص وعبارات مهينة مثل «اخرسي مافيكي شي»، وذلك لمنعي من الصراخ والبكاء، استغلت وجودي بمفردي وعند خروجي من الغرفة كانت علامات القرص على جسمي وعند سؤال زوجي عن حالي منعتني من الحديث واستبقت الكلام بجملة «منيحة بس عم تدلع»، تروي مودة ( 23 سنة، مُهجرة من الغوطة الشرقيّة وأم لطفلين) تفاصيل العنف الذي تعرضت له في مستشفى عفرين.
تُعرِّف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة بأنه “أيّ عمل من أعمال العنف القائم على النوع الاجتماعي يؤدي أو يُرجح أن يؤدي إلى أذى أو معاناة جسديّة أو جنسيّة أو نفسيّة للمرأة ، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأفعال أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحريّة، سواءً كان ذلك في الحياة العامة أو الخاصة“.
كما أظهرت دراسة، تعود إلى عام 2015، أجرتها منظمة الصحة العالميّة في أربعة بلدان هي غانا وغينيا وميانمار ونيجيريا، أنّ ثلث النساء يتعرضن لسوء المعاملة أثناء الولادة، وأنّ النساء يتعرضن للإيذاء الجسدي والنفسي في فترة بين ثلاثين دقيقة قبل الولادة و15 دقيقة بعدها.
استخفاف أم مبالغة؟
تقول الطبيبة فلك البيف إنّ “النساء تبالغن بالخوف من سبب الألم مثلًا عند حدوث ألم في البطن لمدة دقائق يسارعن لزيارة الطبيبة أو المشفى من اجل الفحص، رغم أنّ وضعهن لا يستدعي ذلك، لكن خوفهن يدفعهن لذلك، إلّا المرضى النفسيات، فلديهن مبالغة في وصف الألم“.
تتفق القابلتان ثراء السالم وعائشة حربليّة على وجود نساء لديهن درجة الألم محمولة ونساء تبالغن في وصف الألم، من أجل الدور العائلي ولتشعرن بذواتهن وأهميتهن كونهن حوامل، وعند الفحص يتبين عدم وجود تلك الأعراض.
على الطرف الآخر تشرح الطبيبة شيرين جمال الأمر بشكل متناقض، إذ تقول إنّ “هناك استخفاف بآلام النساء حيث لا تؤخذن على محمل الجد، مع العلم أن الطبيبات يعلمن أنّ تلك الآلام حقيقيّة، وقد عومل بعضهن بنفس الطريقة. لا أعتقد أنّ النساء تبالغن، لأنّ الإنسان يخاف من الشيء الذي يجهله، والمرأة بشكل عام لا تتلقى التوعيّة اللازمة بالآلام الطبيعيّة والآلام غير الطبيعيّة المرافقة للحمل، وأيّ ألم يحصل ضمن فترة الحمل هو مخيف، ومن الطبيعي أن تخاف المرأة على جنينها، ولأنّ الأمر مسؤوليتها في حال حدوث أيّ مضاعفات، وهي الملامة لأنّها لم تهتم بصحتها“.
بحسب منظمة الصحة العالميّة: “تعاني النساء في جميع أنحاء العالم من عدم الاحترام وسوء المعاملة أو الإهمال أثناء الولادة في المرافق الصحيّة، وهذه الممارسات تنتهك حقوق المرأة، وقد تردعها عن التماس واستخدام خدمات الرعاية الصحيّة الخاصة بالأمومة، ممّا ينعكس على صحتها ورعايتها“.
المحيط الاجتماعي ودوره
وفق ما ذكرت الطبيبة شيرين جمال، تتحمّل المرأة مسؤوليّات إضافيّة مثل الحرص على رضا الزوج وأهله، وعدم أخذ آلامها على محمل الجد يدفعها للمبالغة، وذلك ليس من منطلق حبّ المبالغة لكن هي ببساطة شخص بحاجة للتعاطف من قبل العائلة، وعادة ما تسمع النساء بمجرد تعرضهن للإقياء تعليقات سلبية مزعجة مثل أنّ كلّ النساء تحمل وتلد ولا داعي للمبالغة.
تقول لنا إحدى النساء (فضّلت عدم ذكر اسمها) أنّه كان من المقرر أن تكون ولادتها في مشفى إعزاز لكنها اضطرت للولادة في مستشفى مارع بسبب سوء الطقس، “مع العلم أنّني كنت خائفة بسبب سمعة المستشفى السيئة. بعد دخولي المستشفى، أخبرتني الطبيبة بأنّني أحتاج إلى ساعة من الزمن لتحين موعد الولادة، تمّ تعليق السيروم مع المحرّض، ولم يتم نقلي الى غرفة المخاض، وتمّ فحصي بطريقة مؤلمة مع الضغط بكلّ قوة على البطن، بحجة أنّ ذلك أفضل لتسريع الولادة وعندما صرخت من الألم قالت الطبيبة «اسكتي في رجال برا»، وبعد الولادة لم يتم تعقيم الجرح، والتخدير لم يأخذ وقته. .كان الأسلوب سيئًا والتعقيم معدومًا وأسرّة المستشفى كانت تشبه أسرّة السجن“.
الضغط الشديد على بطن الأم انتهاك شائع
“الفحص بالضغط على البطن هو تقويم للجنين بحيث يكون محوره للأسفل وذلك خطأ، لأنّ في ذلك عنف، في المقابل يُمكن تقويم وضعيّة الجنين من خلال الاستلقاء على الجانب الآخر، أمّا الضغط على البطن فهو إجراء غير طبي“، تقول لنا الطبيبة شيرين جمال.
بحسب تقرير نشرته شبكة الجزيرة، تتعدّد أشكال عنف الولادة الطبيعيّة المُمارسة في كلّ أنحاء العالم بما في ذلك البلدان المتقدمة، ووفقًا لدراسة مشتركة بين منظمة الصحة العالميّة واليونيسيف وعدد من المنظمات الدوليّة فإنّ استخدام القوة مثل الضغط على البطن واخفاء المعلومات عن المرأة وعدم الحصول على أيّ مسكن للألم واللمس المُفرط أو غير المناسب أثناء الولادة أو عند التخدير، هي من الانتهاكات الشائعة خلال الولادة، وإنّ ضعف العلاقة بين النساء ومقدمي الرعاية الطبيّة، بسبب عدم تزويد النساء الحوامل بالمعلومات الكافية وتعرضهن إلى الإساءة الجسديّة واللفظيّة والوصم والتمييز والفشل في تلبيّة المعايير المهنيّة للرعاية وظروف النظام الصحي السيئة، تؤدي إلى معاناة النساء أثناء الولادة في المرافق الصحيّة.
كما تشير الدراسة إلى أنّ عنف الولادة، إلى جانب العنف في مجال أمراض النساء، يعدّ شكلًا من أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي الذي يؤثر على النساء حصريًا، ولا يزال موضوعًا محظورًا، حتى إنّ النساء أنفسهن لا يدركن أنّ تجاربهن في الولادة الطبيعيّة يُمكن عدّها إساءة.
“بالنسبة لموضوع التعنيف فالآراء مختلفة ضمن الكوادر الطبية، وقد شهدتُ على حالات متنوعة. أحيانًا تصادفنا قاصرات بحالة ولادة أو في حالة حسّاسة، وعندما لا نلقى أيّ استجابة من قبل المريضة ولا تسمع لكلام الطبيبة أو القابلة نضطر حينها للصراخ على المريضة، وذلك لصالح الأم والجنين للحفاظ على حياتهما ولتفادي المشاكل الصحيّة” تقول القابلة الصحيّة، عائشة حربليّة.
آثار العنف على النساء والمجتمع
تجربة الولادة تجربة صعبة جدًا، ومع الظروف السلبية والسيئة التي ترافقها، باتت معظم النساء يفضلن إجراء عملية قيصريّة كنوع من الحفاظ على الكرامة؛ لا أحد يصرخ عليهن ولا أحد يغضب منهن.
كما يؤثر عنف الولادة على المرأة بعد ولادتها، حيث يدفعها الأمر إلى رفض رؤيّة طفلها بسبب الألم والعنف الذي عاشته عند الولادة.
حسب تقرير نشره موقع الشرق الأوسط عن تعنيف المرأة فهناك عدّة أثار منها آثار جسديّة تنتهي عادة بالعلاج الطبي، وآثار نفسيّة قد تلازم المعنَّفة لآخر عمرها أو تحتاج لعلاج نفسي قد يطول، إضافة إلى آثار اجتماعيّة: فالمرأة المعنَّفة تفتقد الأمان الأسري وقد كسرت مشاعرها، فكيف لها أن تربي جيلًا سليمًا.
ماهي الإجراءات المحظورة أو العنيفة التي يفترض أن لا تتعرض لها المرأة أثناء الولادة؟
مهما كانت الظروف، لا يحق لأحد أن يمارس الممارسات التالية أثناء الولادة:
- الصراخ على المريضة وإهانتها.
- أيّ تصرف غير مريح هو عنف حتى يثبت العكس.
- العنف بكلّ أشكاله سواء أكان عنفًا جسديًا أو عنفًا لفظيًا.
- الضغط على البطن لأنه يؤدي لتمزق الرحم وإيذاء الجنين وقد يؤدي ذلك لانفصال كتفي الطفل وسوء تقييم للحالة.
- وضع السيروم دون معرفة نوع الدواء.
- أخذ خزعة بدون إذن المريضة.
- ربط القدمين بكرسي الولادة.
العنف أثناء الولادة ليس حكرًا على مركز طبي معين، أو منطقة محددة، بل هو أكثر انتشارًا ممّا قد ندرك، أثناء كتابة هذا المقال، تمّ إجراء أربع مقابلات عشوائيّة مع قابلتين وطبيبتين، ثلاثة منهن غير مدركات لعنف الولادة، وواحدة فقط ألقت الضوء على هذا النوع من العنف، والتي تمنّت “أن يتم تأهيل الكوادر الصحيّة من خلال دورات التعامل غير العنيف مع الأمهات المُقدمات على ولادة طبيعيّة، والتركيز على الجانب النفسي والعاطفي والاجتماعي للأم الحامل وتوعيتها بالولادة الطبيعيّة، بالإضافة لرفع أجور الولادة الطبيعيّة لتقارب العملية الجراحيّة، وتأهيل القابلات“.