الحيار: نساء العشائر يدفعن الثمن

الحيار: نساء العشائر يدفعن الثمن

الصحافية: رغد المطلق

“تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع «تمكين الجيل القادم من الصحفيات السوريات» بالشراكة بين مؤسستي «شبكة الصحفيات السوريات» و «حكاية ما انحكت». أُنتجت هذه المادة بإشراف الصحافية ريم تكريتي”

يُعرف الحيار بأنه عادة قديمة لدى العرب، حيث تُشرع هذه العادة لابن العم سواء كان أعزباً أو متزوجاً أن يحير أي فتاة يريدها في العائلة، أو حتى ضمن العشيرة، ورفض المرأة أو قبولها غير مهم، وبفرض الحيار على المرأة، يتم منعها من الزواج برجل آخر لأنّها “محيرة”. والحيار لا يعني الزواج بها، بل تقييدها، وربما يتزوج الرجل بأخرى لكن تبقى المرأة المحيرة رهينة له في منزلها.

“محيرينك لابن عمك”.

تحكي آية صلاح (١٧ عاماً من بلدة القحطانية <تربسبية> أقصى شمال شرق سوريا) عمّا تسميه بالمعاناة مع عائلة أبيها تحت مسمى “عادة الحيار”، وهي لم تبلغ السن القانونيّة بعد، ولكن هذه العادة لا تميّز عمراً وما على الفتاة في عرفهم إلا التنفيذ، تقول آية.

“منذ عام تقريباً وفي جمعة العيد الأضحى حيث تجتمع العائلة، قال عمي الأكبر لوالدي، آية محيرة لابننا… وعندما ارتفعت نبرة صوتي بشكل تلقائي بأنّني لا أريد ابن عمي ولا غيره، تعالت أصوات الحضور وكأني قد كفرت فمنذ متى ترفع الفتاة صوتها  وتقول لا لعاداتهم. رغبتي لا تعنيهم، فأنا عليّ التنفيذ فقط”.

آية ليست سوى نموذج لعشرات النساء اللواتي فرضت عليهن هذه العادة. صراخ آية وإيمانها بأنّه لا يمكن تقييد النساء بهذه الأعراف، عرّضها للعنف النفسي والجسدي على حد تعبيرها. تعرضت آية للضرب مرتين لأنها رفضت بصوت عالِ “لا يمكنهم أن يجبروني عليه وأنا لا أحبه. زمن الغصب ذهب منذ سنوات وأنا مؤمنة بأننا لسنا في العصر الحجري” تقول الفتاة.

عادة جاهليّة خلّدتها العشائر

تخلد البيئة العشائرية عادات وأعراف جاهلية، ورغم “الحداثة والانفتاح” الذي يشهده العالم، وعلى وجه الخصوص في شمال شرق سوريا خلال السنوات العشر الأخيرة في مجال حقوق المرأة، إلا أن البيئة العشائرية ما تزال تحتفظ بعادات تخنق المرأة وتقيد حرية اختيارها، وربّما كان أبرز هذه العادات، ما يُسمى بـ”زواج الحيار”.

يُعرف الحيار بأنه عادة قديمة لدى العرب، حيث تُشرع هذه العادة لابن العم  سواء كان أعزباً أو متزوجاً أن يحير أي فتاة يريدها في العائلة، أو حتى ضمن العشيرة، ورفض المرأة أو قبولها غير مهم، وبفرض الحيار على المرأة، يتم منعها من الزواج برجل آخر لأنّها “محيرة”. والحيار لا يعني الزواج بها، بل تقييدها، وربما يتزوج الرجل بأخرى لكن تبقى المرأة المحيرة رهينة له في منزلها.

عادة عندما يتم تحيير الفتاة الصغيرة يقومون بقطع قطعة قماش من كم ثوبها ويربطون به معصم يدها، دلالة على أن هذه الفتاة محيرة لأحد أبناء العمومة.

“ندفع نحن النساء اللواتي ولدنَّ في بيئة عشائرية ضريبة أعراف قديمة تُصعّد من العنف ضدنا، والتي تصل إلى عدم قدرتنا على اختيار شريك حياتنا نتيجة عادات وتقاليد لا نعلم من اخترعها ولم يشرعها دين ولا قانون”، تقول الشابة آية التي تعيش في هذا الصراع العشائري.

الكاتب والمؤرخ المقيم في مدينة القامشلي، فارس عثمان، يقول إنّ “هذه العادة موجودة قبل الإسلام، أيّ أنّها عادة جاهلية، وهي تنتشر في مناطق أفريقية، وفي المناطق السورية ذات الطابع العشائري، وخاصة في المناطق الشرقية كالرقة ودير الزور والجزيرة وريفي حلب وحمص، ولا تزال المدن الشرقية هي أكثر المناطق التي تتبع عادة الحيار،  فيما تتبعها بعض العشائر الكردية والإيزيدية أيضاً، لكن ذلك أصبح نادراً خلال السنوات الأخيرة، على عكس العشائر العربية في شمال شرق سوريا التي تحتفظ بهذه العادة”.

يفسر عثمان هذه العادة بأنها تحافظ على رابط الدم النقي وصفاء الدم في القبيلة أو العشيرة الواحدة، وترفض دخول أنساب أو أجناس غريبة إلى جنس القبيلة النقي، لكن “هذه العادة هي عادة مكروهة وغير شرعية في الإسلام، فإن من أهم شروط الزواج في الإسلام هي القبول وأخذ رأي الفتاة” يقول عثمان.

“شعاراتهم حرمتني من أحب”

من جهتها، تشاطر أم عمر (٣٥ عاماً من سكان مدينة هجين في محافظة دير الزور) الشابة آية فيما تعانيه، فأم عمر لم تتزوج الرجل الذي أحبت لكنها لم ترضخ للعادات التي كادت تجبرها على الزواج من ابن عمها، وفضّلت الزواج من شخص غريب على أن ترضخ لقرار لم ترغب به.

تقول أم عمر إنّها ومنذ الصغر تسمع أنّها محيرة لابن عمها، ورغم أنّها كانت متفوقة في المدرسة، إلّا أنّ العائلة كانت تقوله لها إنّ لا فائدة من تعليمها لأنّها لن تكون إلّا لابن عمها. “وبعد أن تفاقم الأمر وأصبح لعائلتي علم بأني أحبّ شاباً آخر، أقدم إخوتي بالإعتداء عليه ضرباً من أجل أن يبتعد عني، وبالضغط عليّ لأقبّل بقرارهم، وبعد محاولات مريرة ولجوئي لأحد كبار العائلة لأن لا يتم إجباري على من يحيرني، انتهى بي المطاف بالزواج من رجل غريب وأنا الآن أم لأولاده”.

من ناحية أخرى يجد الشباب أنفسهم خاضعين لمعايير العشيرة دون إرادتهم، فبعض الشباب يتم تزويجهم ببنات عمومتهم لأنّ الأب قال إنّ عليه أن يحير على ابنة عمه. في هذا السياق يقول عبد الله الخلف (من سكان مدينة الرقة) إن هذه العادة هي “أكبر انتهاك لحقوق البنات والشباب على حد سواء، والأهل هم المتحكمين بحياة أولادهم، أنت بدك تأخذ بنت عمك، أنتِ بدك تأخذين ابن عمك… حكم انحكم وممنوع لأي شخص التراجع عن قرارهم”.

يرى شيخ الطريقة الصوفية وأحد وجهاء المجتمع المحلي، محمد القادري، أنّ من النقاط الأساسية في جانب الحفاظ على عادة الحيار لدى بعض البيوت، هو منع تفرّق أموال الإرث، فلا تزوّج بعض العائلات بناتها لغريب، كي لا تنقسم الأراضي الزراعية أو العقارات وتذهب إلى عائلات أخرى.

يقول الشيخ القادري  إن ابن العم الذي يُحيّر ابنة عمه يكون ظالماً لها، حيث يجبرها على ما لا تريده، وغالباً ما يكون ابن العم قد تزوج امرأةً ثانيةً أو ثالثةً، وقد حيّر ابنة عمه لسنوات عديدة حتى أصبحت في الخمسين أو الستين من عمرها.

الحيار في الدين.. “عادة وأد البنات”

لوجهاء المجتمع المحلي وجهة نظر مغايرة لأتباع عادة الحيار، حيث يعتبرها البعض وخاصة رجال الدين أنها عادة جاهلية، و لم يدعو لها الإسلام أبداً، لا في القرآن، المصدر الأساسي للتشريع الإسلامي، ولا في السنة النبويّة، فمن المعلوم في الإسلام أن عقد الزواج لا يكون إلا برضى الفتاة المخطوبة للزواج، وإجبار الأهل للفتاة على الزواج من ابن عمها أو غيره يجعل العقد الشرعي باطلاً، أي يبطل الزواج إذا أجبرَ الأب ابنته على الزواج من ابن العم أو من غيره. بكلمات أخرى، “لا أساس لعادة الحيار أبداً في الشريعة الإسلامية”، حسب الشيخ محمد القادري.

يقارب القادري عادة الحيار بعادة وأد البنات، ويقول إنّ “عادة الحيار عادة جاهلية، وتستمر حتى يومنا هذه بسبب الحمية الجاهلية والموروثات القبلية والعشائرية. بحيث نستطيع أن نصنفها بما يقارب عادة وأد البنات في الجاهلية، حيث المجتمع القبلي والعشائري لا يقبل أن يأخذ البنت غير أبناء العشيرة أو أولاد العم الأقرب، وكان الزواج من البعيدين عن العشيرة بالنسبة لهم عاراً”.

يُعرف طبياً أنّ زواج الأقارب، وخاصةً أبناء العم الأقربين، يورث الكثير من الأمراض، حسب الدكتورة آيات المهدي، والتي تنصح بإجراء استشارة وراثيّة جادة قبل أيّ زواج يحصل بين الأقارب.

جهود محلية للحد من الحيار

قامت السنوات الأخيرة بتطوير الواقع النسوي في المنطقة، حيث ارتفعت وتيرة مناهضة العنف ضد المرأة من خلال المشاركة النسائية في عمل المؤسسات والمنظمات النسوية في المجتمع المدني، لكن رغم كل الجهود المبذولة، لم يوضع حد ملموس للعنف الممارس في حق النساء بمختلف أنواعه.

في هذا السياق تقول آرزو تمو، وهي إدارية في منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة في شمال شرق سوريا، إن هذه العادة تثير العنف، “لأن المرأة لا ينبغي لها أن تجبر على الزواج و تقبل بالرجل المتزوج”، وتبين أن موضوع الحيار وتعدّد الزوجات عليه عقوبات في قانون الإدارة الذاتية، الجهة الحاكمة في المنطقة.

“كان لدينا قضية حيّار لفتاة تم <تحييرها> من قبل ابن عمها وهو متزوج ولديه أولاد. القضية كانت لمنظمتنا، لكننا لم نستطع حلها. تقدمنا بطلب إدّعاء لمحكمة الشعب في الإدارة الذاتية وكنا الطرف المدعي، واستطعنا سجن ابن عمها، وبهذه الطريقة استطاعت الفتاة كسر عادة الحيار”، تقول تمو.

عن جهود الجهات المحلية تقول آرزو تمو، إنهن يقمن بحملات توعية لنشر الوعي عن طريق الجلسات الجماعية، بالإضافة لتقديم محاضرات في الأرياف فيما يخص تعدد الزواجات وزواج القاصرات، وترى أنّه وبهذه الطريقة يتنشر الوعي بتعليمهم قوانين الأسرة، لأنّ سكان الأرياف ليسوا على اطلاع على قوانين الأسر الصادر من قبل الإدارة الذاتية، كما بيّنت أنّه يتم استهداف الجنسين في الأنشطة المذكورة ليتقيدوا بهذه القوانين.

من جانبه يبين الشيخ محمد القادري، أن الدور الذي يقومون به هو نشر الوعي بين أفراد المجتمع من الناحية الدينية، على المنابر وفي دروس العلم، وتحت خيمة العزاء، وفي الاجتماعات والمناسبات.

“نحن علينا أن نبين الحق والحقيقة، ونظرة الدين الإسلامي، ونظرة وجدان شيخ العشيرة وكبيرها في ألا يظلم أحد من أفراده، سواء كان ذكراً أو أنثى، لأن الحيار ظلم عظيم، ولو استطعنا أن نغيره بأيدينا لغيرناه، لأنه عمل منكر، فمن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهو أضعف الإيمان”، يقول الشيخ القادري.


Comments are closed.