الخصوصية المفقودة، صرخة النساء المكتومة في المخيمات

الخصوصية المفقودة، صرخة النساء المكتومة في المخيمات

الصحافية:سلام زيدان

“تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع «تمكين الجيل القادم من الصحفيات السوريات» بالشراكة بين مؤسستي «شبكة الصحفيات السوريات» و«حكاية ما انحكت». أُنتجت هذه المادة بإشراف الصحافية مروة الغفري.

“كنا ببلادنا عايشين ضمن بيوت داخلية بتتمتع بكل عوامل الخصوصية، حتى اليوم ما عم نتعايش مع الواقع اللي انفرض علينا.” تقول علياء.

“عيشة الخيمة خلتني أندم على فكرة الزواج” بهذه الكلمات الحزينة بدأ حديث رابية (٢٠ عامًا، نازحة من ريف إدلب الجنوبي، وتسكن في مخيمات غربي سرمدا). تكمل حديثها عن تلاصق الخيم في المخيم “وربما وجود بعضها ضمن بعض، خاصة عند وجود خيمة الابن المتزوج ضمن خيمة عائلته، ما يجعل الزوجة تشعر أنها مراقبة من قبل أهل زوجها بكل حركة وكل كلمة، يسمعون حديثها مع زوجها وكأنهم يشاركونها نفس الخيمة، فالفاصل القماشي فيما بينهم لا يترك لها الحق في الخصوصية، لدرجة أنها تُحرم من أبسط حقوقها في الاستقلالية والسهرات العائلية التي ترغب أن تعيشها رفقة شريك حياتها، وتقيد مجريات حياتهم اليومية.”

تصمت رابية قليلاً، ثمّ تعاود الحديث بخجل: “في كتير حكايا بتخص الأزواج بتنغص حياتنا في الخيم، بكفي إني لازم طول اليوم أبقى متقيدة بلباسي الكامل بالشتاء وبالصيف وكأني بالشارع تحسباً من دخول أي حدا أو طفل من الحارة للخيمة، وبيكون الالتزام الدائم باللباس الكامل ضريبة للتنفس”.

مخيمات بُنيت على عجل

تفتقد مخيمات العائلات المُهجرة في شمال غربي سوريا إلى الخصوصية، الأمر الذي يتسبب بمصاعب كثيرة تقع على كاهل النساء والفتيات على وجه الخصوص حتى يومنا هذا، كونهن يفتقرن لأبسط الحقوق في توفير مساحة آمنة من الحرية الشخصية حتى ضمن مأواهن الوحيد، الخيمة.

خلال بحثنا التقينا مع عائلات أثرت الظروف المعيشية ضمن الخيم وملاصقة بعضها البعض على حيواتهم الخاصة، حيث بُنيت هذه الخيم على عجل، واشتركت جدرانها القماشية مع ما حولها من خيم أخرى.

بلغ عدد النازحين في الشمال السوري وفق أحدث إحصائية لفريق “منسقو استجابة سوريا”، نحو ٢.١ مليون نازح، من أصل أكثر من أربعة ملايين نازح/ة في سوريا. يسكن مليون و٤٣ ألف و٨٦٩ نازحاً في المخيمات، التي تتوزع على ١٢٩٣ مخيماً، من بينها ٢٨٢ مخيماً عشوائياً أقيم في أراض زراعية، وهي لا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية، حسب شهادات بعض الأهالي هناك.

تقول لنا أم علي (٣٩ سنة، تعيش في مخيمات باب الهوى بسرمدا) إنّها تسمع أحاديث الجيران “بلا جهد أو قصد، وكأننا نعيش في الخيمة ذاتها، لا أشعر بالاستقرار، ولست بمعزل عن سماع الآخرين لحديثي مع زوجي وأطفالي.”.

ترى أم علي أن المخيم هو عبارة عن أسرة كبيرة مكشوفة على بعضها البعض، لا توجد حدود مجتمعية تمنع الجار من المرور بالقرب من أي خيمة، أو الاستماع لما يدور فيها من أحاديث وتفاصيل بمجرد المرور أو الاقتراب من العازل الذي يغطيها، وهو ما يفقد السكان الحرية الشخصية التي كانوا يتمتعون بها في منازلهم قبل أن يتم تهجيرهم، حيث وجدوا أنفسهم يعيشون ضمن خيام تكشف ما يريدون ستره عن الآخرين.

لا تتسع خيمة أم علي لمطبخ وحمام وغرفة مستقلة لأطفالها بسبب ضيق المساحة التي تمتلكها، ما أجبرها على تخصيص جزء من زاوية الخيمة لجعلها مكاناً للاستحمام، تضع موقد الطبخ في الفسحة الأمامية للخيمة وتطهو طعام عائلتها، تقول وهي تسخر من الحال الذي وصلت إليه “حياة الخيم مكشوفة للرايح والجاي، كل الجيران بيعرفون شو طبختنا، ولشو عم نسخن مي.”. تقول أم علي إنّها تشعر بالحرج من مرور الناس والنظر فيما تفعل، “ولكن لا خيار آخر لدي، حالي كحال كثير من نساء المخيم، نحاول التعايش مع ما أجبرتنا الظروف عليه”.

أسباب عديدة تنال من خصوصية النساء في المخيمات

تعتبر طبيعة الخيمة القماشية، أو حتى الخيمة المبنيّة منها بمواد بناء اسمنتية لكن مسقوفة بسقف قماشي، غير عازلة للصوت، كما أنّها لا توفر الحماية المطلوبة للعدد الكبير من أفراد الأسرة الواحدة المقيمة في الخيمة، وتجعل عملية الاحتفاظ بالخصوصية ولو بأدنى درجاتها أمراً أشبه بالمستحيل للعائلة عموماً وللنساء والفتيات خصوصاً.

تذكر أم علي أنها تقوم أحياناً بتأجيل أوقات استحمامها، أو استحمام إحدى بناتها، لأوقات متأخرة لعدم وجود وقت مناسب، وذلك على الرغم من ضرورة الاستحمام في بعض الأحيان، “أخاف أن يفتح أحدهم الباب دون قصد وأقع في موقف لا أحسد عليه” تقول المرأة التي تشارف على الأربعين من عمرها.

تشير أم علي إلى أن وجود ضيف في الخيمة أو عند اجتماع أفراد الأسرة في الخيمة طوال الوقت، خصوصاً في الشتاء، يسبّب حرج للفتيات عند وجود ظرف ما للاستحمام، هذا الأمر قد يسبب زيادة في الإصابة بمرض الجرب والقمل في حالات انتشاره ضمن العائلة أو المخيم، والذي يعتمد بدوره على النظافة الشخصية بالدور الأول والاستحمام لمنع انتشاره.

“أصبح هم الرجال في المخيم تأمين قوت عيالهم بعيداً عن التفكير بما يعيق حياة المرأة ويحفظ خصوصيتها وراحتها”، بهذه الجملة تنهي أم علي حديثها معنا.

شفافية القماش المستخدم لبناء الخيم، ووضوح الرؤية ليلاً داخلها عند إشعال الضوء، وعدم عزل القماش للصوت أو لخيال النساء داخل الخيمة اضطر غالبية العوائل لتغطية الخيمة بأقمشة من الداخل أو الخارج سعياً للحصول على بعض الخصوصية، الأمر الذي أصبح ترفاً على حد قول رهام العلي، إحدى النساء التي تسكن المخيمات العشوائية في منطقة زر زيتا، وتضيف: “أكتر من مرة بشوف جارتي وهي عبتمشط شعرها، أو وهي وعم تلبس بالليل لأن خيمتن مو مغطاية ببطانيات.”

كذلك تشكّل المرافق الصحية عقبة إضافية في طريق حرية النساء وأمانهن الشخصي، فالمراحيض المختلطة أو القريبة من بعضها والتي لا يفصل بينها وبين مراحيض الرجال سوى أمتار قليلة، وافتقار بعض المخيمات العشوائية إلى المرافق العامة، تجعل راحة النساء والفتيات معدومة أثناء الذهاب لها، سواء كان ذلك في أوقات الليل أو النهار، ففي النهار يتسبب حمل إبريق المياه بالحرج للنساء، خاصة عند المرور من بين الخيم للوصول للمرحاض والخروج منه أمام مرأى العوائل التي تجلس أمام خيمها إضافة للمارة في الطريق. وفي الليل يتخطى الأمر الحرج ويصل حدّ الخوف من التحرش أو التعرض لهجوم من قبل الحيوانات الضارية كالكلاب والضباع المنتشرة، وخصوصاً أن غالبية المخيمات تقع في مواقع جبلية، ولذلك تضطر النساء للمشي مسافة كبيرة للوصول إلى المكان المخصص لقضاء الحاجة، مما دفع بعض النساء إلى إنشاء مراحيض من الطين أو بوضع ركائز خشبية ملتفة حولها بعض الأقمشة، والتي ما تكون عرضة في أغلب الأحيان للهدم بفعل الرياح.

تقول رهام: “لا أحد يشعر بالحرج مثلنا نحن النساء، فرؤية بعض الرجال الذين يقضون حوائجهم على أطراف المخيم هي مشاهد محرجة ومؤذية نفسياً، إضافة لانتشار هذه الظاهرة من قبل غالبية أطفال المخيم، عدا عن آثارها السلبية صحياً وانتشار حالات الجرب في المخيم وجميعها تزيد العبء على النساء.”

صعوبة غسل ملابس النساء يدوياً بسبب عدم توفر الغسالة والكهرباء على مرأى من الجميع أمام باب الخيمة، ومحاولة إيجاد مكان لنشرها لا تقل أهمية عن بقية التحديات التي تواجهها الكثير من النساء، تقول حلا “مرات عديدة أقوم بوضع الثياب الخارجية أو غطاء خفيف من القماش فوق بعض الملابس الخاصة بي عند نشرها، حرجاً من رؤيتها من قبل الجيران أو الضيوف، وذلك ما يمنعها من التعرض للشمس وتعقيمها أو حتى جفافها، أحتار أين أذهب بقطع الملابس التي أتحرج من عرضها على حبال الخيمة، ما يجبرني على وضعها داخل الخيمة، وفي كثير من الأوقات تخرج منها رائحة عفونة.”

تشاركنا صديقة حلا الحديث بوصفها المعاناة ذاتها بقولها “نخشى من سرقة الثياب أو العبث فيها، أو قيام الأطفال بنثر الأوساخ عليها، وقد حصل معي ذلك منذ أسابيع، تعرضت بعض ملابسي للسرقة بعد أن قمت بنشرها على الحبل الخلفي الملاصق للخيمة”.

خلافات زوجية

تقول مديرة المكتب القانوني لمنظمة مزايا النسائية العاملة على مشاريع دعم وحماية المرأة، أمية شاكر إنّ “العقبات والمشكلات التي تواجه النساء في المخيمات ضمن الشمال السوري نتيجة لانعدام الخصوصية كثيرة، خاصة بعد كارثة الزلزال التي أدت لموجة نزوح نحو المخيمات بشكل كبير ومفاجئ.”

“نحن نقابل بشكل دوري نسبة كبيرة من النساء في زياراتنا الميدانية، وأيضاً أثناء إجراء تقييمات الاحتياج للنساء في المخيمات العشوائية ومراكز الإيواء، حيث كانت لمشكلة انعدام الخصوصية النصيب الأكبر من هذه الاحتياجات” تقول شاكر، كما تشير إلى الآثار السلبية التي تنعكس على النساء وأسرهن و أنماط حياتهن، وتظهر هذه الآثار على أشكال متعددة، منها ما هو على شكل ضغوط نفسية تؤدي لتعب نفسي وجسدي مصحوب بإرهاق وعزلة، ومنها قد يصل لمرحلة الاكتئاب والاحتراق النفسي، الذي قد يؤدي بدوره للقيام بتصرفات غير طبيعية تؤثر على الأسرة بشكل مباشر، فيما يؤدي قسم كبير من هذه الضغوط لمشكلات عائلية قد تصل لمرحلة الطلاق ورفض الزوجة العودة للسكن بالخيمة، وذلك بسبب عدم توفر الخصوصية والأمان، إضافة إلى للمشاكل أخرى على المستوى الاجتماعي وأبرزها مع الجيران بسبب اقتراب الخيم من بعضها البعض.

“قلق وخوف دائمين وعدم استقرار نفسي تعيشه كل امرأة تسكن الخيم” هكذا وصفت زكية (١٧ عاماً) حال النساء في الخيام. حصلت زكية على خيمتها المهترئة من أحد أقارب زوجها، وذلك بعد أن قررت والدة زوجها فصلها عنهم بالسكن في شتاء العام الفائت. في خيمتها الجديدة البالية صارت تشعر بالخوف من سماع أي حركة بالقرب منها، الأمر الذي يجعلها مستيقظة طوال الليل عند تأخر عودة زوجها من العمل، كما أن البرد القارس الذي صار ينخر في عظامها حوّل المشكلة إلى معاناة دائمة، على حد تعبيرها.

“حاولت أن أتأقلم دون أن أخبر عائلتي التي تقطن بعيداً عني قرابة عشرين كيلومتراً في بداية الأمر، وأن أستعين بما توفر لدي من أغطية لأغطي جسدي من البرد الذي كان يتسبب باصطكاك أسناني، وأقنع نفسي بالعيش في الخيمة وعدم الخوف، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل، وعند معرفة أهلي بما أواجهه، قرر والدي طلاقي من زوجي بسبب عدم قدرة زوجي على تأمين غرفة من الاسمنت لي لأشعر بالدفء والأمان”. لم يكن بوسع زوج زكية تأمين متطلبات أهلها فكان الطلاق مصيرهم المحتوم بعد أشهر قليلة من زواجهم، وقرر زوجها بعد ذلك مغادرة سوريا إلى الأراضي التركية.

خطوبة للجميع

بأسف تقول العاملة في منظمة مزايا أمية شاكر، “نحن في منظمة مزايا النسائية غير قادرين على تغطية كامل المخيمات وتأمين احتياجات النساء اللواتي نقابلهن، نظراً لكبر حجم المصيبة وتفاقم الأعداد، وإنما نقوم بمساعدة ما توفر من إمكانيات بتقديم دورات مهنية لتعليم حرف للنساء بهدف الخروج بهن من حالة الاحتراق أو الاكتئاب ولكسر الروتين الذي تعيشه النساء بشكل يومي، أو بتوفير فرصة عمل بما يتناسب مع قدراتها وظروفها، مما يساعدها على  تحسين ظروفها المعيشية و إعالة أسرتها.”

وتتحدث شاكر عن نوعين من الخدمات التي تقدمها منظمة مزايا إما تكون غير مباشرة أو مباشرة، فتأتي على شكل جلسات دعم نفسي بشكل دوري، وجلسات تفريغ نفسي، وأخرى للتوعية والتحفيز.

“كل يوم بيجيهن خطاب لبناتن” هذه العبارة التي لطالما ترددت على مسامع أم أحمد من جاراتها وهن يتناقلن خبر زيارة إحدى العوائل لبيتها لرؤية ابنتها. يذاع خبر خطبة الابنة في المخيم في اليوم التالي للزيارة، مثلما يحصل في كلّ مرة يزورهم شاباً قاصداً الارتباط. تقول الأم إنّ هذا يسبب لها الكثير من الإحراج، وخاصة عند سؤال الجيران لها عن سبب الرفض فيما إذا كان يخص الخاطب أو ابنتها.

تتحدث الابنة، خديجة، بتذمر من عيشة المخيم وكثرة الإشاعات فيه: “مرة زوجوني وأنا لسا بخيمتي، بادرت صديقتي التي التقتني مصادفة عند خالتي بالتبريكات والتهنئة وسط دهشة مني.”.

أما سماح، الأخت الأكبر لخديجة،  فهي تحلم بالجلوس مع خطيبها الذي تم عقد قرانها عليه منذ بضعة أشهر بعيداً عن ضجيج إخوتها في الخيمة وزيارات الجارات لهم ومقاطعتهم لكل حديث يحاولون الخوض فيه. لطالما رغبت سماح في سماع حديث خطيبها ووجهة نظره للحياة وقدرته على خوض غمار الحياة الزوجية، إلا أن تحقيق هذا الأمر يعتبر بالغ الصعوبة على حد قولها.

تذكر سماح منزلهم في القرية قبل نزوحهم، والذي كان يتألف من عدة غرف وفسحة أرضية أمامه من كل الاتجاهات، تقول بحسرة: “جارتنا ما بتفارق باب خيمتها غير وقت تاكل وتنام بتعرف مين بيجي علينا ومين بيروح وبتحلل سبب جية كل حدا وبتنشر الحكي بالمخيم ع كيفها”.

تشعر أم أحمد بالحزن من الحال الذي وصلت إليه مع بناتها في المخيم الذي لا تتواجد فيه أدنى مقومات الخصوصية، حيث تعيش مع سبعة من أفراد أسرتها في الخيمة التي لا تتجاوز مساحتها ثمانية أمتار مربعة، ولا تفصل بينها وبين خيم الجيران إلا مسافة أقل من متر من إحدى جوانبها، وعلى الطرف الآخر للخيمة يمتد الطريق الترابي لنهاية المخيم.

اختلاف ثقافات

تقول علياء (٢٥ عاماً، مهجّرة من ريف دمشق) إنّ عاداتهم المجتمعية لا تسمح لها بأن ترى أو تتكلم مع الذكور على اختلاف أعمارهم، أو أن تظهر دون غطاء للوجه والكفين، وهو ما يسبب العديد من الخلافات مع جيرانها من قبل زوجها، خاصة عندما يدخل دون استئذان أحد أبناء الجيران إلى فناء الخيمة، وهي مساحة صغيرة يقوم صاحب الخيمة بوضع ساتر قماشي أو عازل نايلون حولها لكي لا تنكشف نساء العائلة على الجيران، أثناء قيامها بالغسيل أو نشره، وربما تكون أجزاء من يديها أو رجليها واضحة المعالم، على حد وصفها.

“كنا ببلادنا عايشين ضمن بيوت داخلية بتتمتع بكل عوامل الخصوصية، حتى اليوم ما عم نتعايش مع الواقع اللي انفرض علينا.” تقول علياء.

أما حليمة جارة علياء فتقول إنّ في “مرات كثيرة حينما يزورنا أصدقاء زوجي ويجلسون في الخيمة، أمضي كل الوقت داخل الجزء الصغير من الخيمة، أو ما أقول عنه مطبخاً ريثما يذهبون، لأن زوجي لا يسمح لي بالجلوس مع الرجال مهما كانت صلة القرابة غير أهلي، وفي الشتاء غالباً ما تحصل خلافات بيني وبين زوجي لاستقبال الضيوف واضطراري للجلوس في المطبخ أو الذهاب لمنزل والدي.”

يشير مدير مخيم مريقص في مخيمات دير حسان أن جميع سكان المخيم يقطنون ضمن خيام قماشية ويعانون من صعوبات عدة، حيث تشترك كل العائلات على ثلاث كتل من المراحيض، وهي غير كافية، كما أوضح إلى أن اضطرارهم للسكن في الخيم العشوائية يزيد العبء على النساء، لأن داخل الخيمة كخارجها على حد وصفه.

يشرح لنا (أ.م) العامل في إحدى المنظمات التي رفض ذكر اسمها عن أسباب وجود المخيمات بهذا الشكل، بأنّ “النزوح كان على دفعات ما سبب تجمع عدد كبير من العوائل في نفس المكان وشكّل مخيم، فمنهم من قام بشراء أرض ومنهم من وضع ما يملك من أمتعة في أراضي أملاك عامة (مشاع) وبنى خيمة هو ومن معه فيها، وذلك لعدم قدرتهم على دفع تكاليف البناء وشراء الأرض، حيث نقوم بعد الاطلاع على حالة الناس بالتدخل كعاملين في المجال الإنساني وتقديم استجابة طارئة، لمن هم أكثر ضرراً، ونقوم بتأمين خيم مؤقتة تكون قماشية أو على شكل عوازل نايلون مما يتوفر في الأسواق، فيما يقوم أهالي الخيم بصنع مراحيض كل بحسب ما يتوفر لديه أو تقوم منظمات أخرى ببناء كتل مراحيض بحسب ما يتوفر لدى كل منظمة من معايير.”

في سياق متصل تخبرنا ريم المحمد العاملة في إحدى المنظمات التي تقوم على خدمات المياه والإصحاح أن المعيار في الحالات الطارئة يتم تأمين مرحاض لكلّ خمسين شخص، وفي الحالات العادية مرحاض لكلّ عشرين شخص، كما يجب الأخذ بالاعتبار  فصل النساء عن الرجال، وغالباً ما يكون هناك صلة قرابة ضمن التجمع مما يجعل عدد الكتل أقل.

الرغبة في بيت له فسحة للعب

بعد سنوات عدة على التهجير تسعى بعض المنظمات والجمعيات في الوقت الراهن لإنشاء شقق سكنية، ونقل سكان المخيمات إليها، سعياً منهم للتخفيف ممّا يعانونه سكان المخيمات.  يخبرنا عدنان العيدو، مسؤول مشاريع البناء لفريق إدلب الوطن، وهم المنفذين لجمعية أجنادين، القائمة على تنفيذ الكتل السكنية بإشراف فريق هندسي: “بعد ما رأيناه من معاناة سكان المخيمات وانعدام لخصوصية النساء، سعينا جاهدين لإطلاق حملة تبرعات لبناء شقق سكنية، ونقل بعض العوائل التي تسكن الخيم إليها”، وأوضح أن تصميم الشقق يكون على شكل غرفتين إحداها للوالدين والأخرى للأولاد في كل شفة، إضافة إلى موزع ومطبخ وحمام بمساحة ٤٨ متراً مربعاً، وهي مجهزة بخدمة الصرف الصحي، وتبعد مسافة مترين بين بيت وآخر، وذلك لتأمين الاستقلالية الكاملة لكل عائلة، كما يتم تسليم هذه الشقق ونقل العوائل إليها بحسب معيار رئيسي هو أن تكون العائلة قاطنة في الخيام، وعدد أفرادها خمسة أشخاص أو أكثر”.

على عجل تركض أم راما نحو ابنتها صاحبة السنوات الثلاثة عشرة، لتغطي ما وضح من معالم جسدها الخاصة عند خروجها للشارع المشترك بين الخيم على طول المخيم دون وعي لما تفعله، وإجبارها للعودة للخيمة، راما التي نالت الحمى منها في أيام طفولتها لتجعلها تعاني من مشاكل عقلية ما زالت ترافقها حتى اليوم، الأمر الذي ينعكس على تصرفاتها مثل خلعها لثيابها وهروبها من الخيمة عندما تغفل عنها والدتها.

بنية راما الجسدية، طولها وجمال وجهها يلفت الأنظار إليها، ويجعل من لا يعرفها يظن بأنّها تعي ما تفعل. تقول أمها إنّها تسمع عبارات جارحة من قبل الناس بسبب تصرفات راما، وبعضهم من يملي عليها عبارات النصح المزعجة مثل أن تقوم بربطها. تذرف الأم الدموع من عينيها وهي تقول “هذا حالنا هنا”.

خيمة أهل راما القماشية ذات الباب المصنوع من سحاب معدني لا يمنع راما من مغادرة الخيمة وخروجها في الكثير من المرات. تتمنى أم راما أن يعيشوا في بيت يضم فسحة سماوية لتلعب فيه ابنتها بحرية وتلبس ما تشاء وتعيش أجواءها التي تحب، هنا لا يُسمح لراما بمغادرة الخيمة التي وصفتها والدتها بالسجن.


Comments are closed.