قرار بمنع عمل النساء في المنشآت السياحية بشمال شرقي سوريا

منصف أم مُجحف؟


“فقدت زوجي برصاصة طائشة، وها أنا أفقد عملي بقرار طائش”. هذا ما تقوله خديجة التي أعفيت من عملها كـ مضيفة ضمن إحدى مطاعم مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، وذلك بعد قرار من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي تدير المنطقة يمنع النساء من العمل كمضيفات في المطاعم. فما أسباب هذا القرار ودوافعه؟ وها هي البدائل المتاحة للنساء اللواتي فقدن عملهن؟

(تنشر هذه المادة بالتعاون والشراكة بين مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات وحكاية ما انحكت)

هوشنك حسن
صحفي كردي سوري، مقيم في القامشلي، شمالي سوريا. يعمل منذ 7 أعوام في الإعلام المرئي والمكتوب. حاصل على جائزة أفضل صحفي في شمال شرق سوريا للعام 2019، عن فئة التقارير المصورة من قبل اتحاد الإعلام الحر.

(الحسكة)،”فقدت زوجي برصاصة طائشة، وها أنا أفقد عملي بقرار طائش”.

هذا ما تقوله لحكاية ما انحكت خديجة التي أعفيت قبل أيام من عملها كـ مضيفة ضمن إحدى مطاعم مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، وذلك بعد قرار من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي تدير المنطقة.

وكانت هيئة المرأة التابعة للإدارة قد أصدرت تعميماً في 18 شباط/ فبراير الفائت، منعت فيه تشغيل “المضيفات في كافة المواقع والمنشآت السياحية”.

ويبدو التعميم مختلفاً ومتناقضاً مع ما صادق عليه المجلس التشريعي التابع للإدارة الذاتية في الثاني والعشرون من أكتوبر للعام 2014 وهو قانون المرأة، حيث تنص المادة رقم /2/ من المبادئ الأساسية للقانون على “المساواة بين المرأة والرجل في كافة مجالات الحياة”، كذلك تنص المادة رقم /8/ على “المساواة بين الرجل والمرأة في حق العمل والأجر”.

رئيسة هيئة المرأة، زينب صاروخان، ذكرت في تصريح خاص لحكاية ما انحكت، أنّ القرار “خطوة استباقية لتنظيم عمل المرأة وأتُخذ بعد تسجيل العديد من الحالات اللاأخلاقية” بحسب قولها.

خديجة حسين فقدت عملها نتيجة القرار، وكانت قد فقدت زوجها قبل 7 أعوام نتيجة رصاصة “طائشة” عندما كان يعمل في مدينة حمص، وهي المعيلة الوحيدة لابنها الذي لم يرى والده قط.

وعن حاجتها إلى العمل، تقول السيدة العشرينية لحكاية ما انحكت “في هذه الأيام الأخ لا يساعد أخته، لذلك هناك الكثير من النساء، ومن بينهم أنا ممن نحتاج إلى العمل”، وكانت خديجة تحصل على راتب قدره 80 ألف ليرة سورية أي ما يعادل حوالي 75 دولار أمريكي.

كما خديجة تعمل ليلى (اسم مستعار) كـ مضيفة ضمن إحدى الكافتيريات في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا. ليلى هي المعيلة الوحيدة لعائلتها بُعيد زواج شقيقاتها الأخريات، وتؤمن قوت عائلتها براتب يبلغ 60 ألف ليرة سورية أو ما يعادل 56 دولاراً أميركياً.

تقول ليلى لحكاية ما انحكت “تحديتُ العادات والتقاليد التي تنبذ عمل النساء وأعمل هنا لتدبر أمور والداي، لكن هذا القرار يهدّد رزقنا”. تحدثنا ومن ثم تتجه لتسجيل طلب زبائن يجلسون في نهاية الكافتيريا، حيث لا تزال ليلى تعمل إلى الوقت الراهن، رغم صدور القرار منذ مدة.

وتعلق الناشطة النسوية، ناز حمي، على القرار بقولها “القرار خاطئ وله أضرار على المرأة أكثر من الفوائد حيث لابد من محاسبة المتحرشين ووضع ضوابط وتوفير بيئة سليمة تمكّن المرأة من العمل”. وتطالب حمي الإدارة الذاتية، بأخذ وضع المرأة بعين الاعتبار ضمن قانون العاملين، وأن يكون حامياً لهن.

وحول السبب الرئيسي للقرار تشرح صاروخان “وردتنا العديد من البلاغات عن حالات تحرش واستغلال للنساء العاملات كـ مضيفات”. لكن هيئة المرأة التي تديرها صاروخان نفسها لا تملك إحصائيات حول عدد النساء اللواتي تعرضن للتحرش أو العدد الكلي للنساء العاملات كـ مضيفات.

وحول القرار، يقول أبوديار (كما يعرف نفسه)، والذي يملك مطعماً في الحسكة، بأن القرار مجحف بحق النساء كونه يمنعهن من العمل. واضطر أبوديار كما يقول لحكاية ما انحكت، لإعفاء إحدى مضيفات مطعمه بعد صدور القرار، ويضيف “كانت قد اكتسبت خبرة العمل ضمن صالة المطعم، وباتت من أحد وجوهه، لكن سأضطر الآن لتوظيف شاب بدلاً منها”.

ويطالب السيد الذي اضطر هو الآخر للجلوس في منزله حالياً نتيجة حظر التجول المفروض، التراجع عن هذا القرار كونه غير منصف، وينفي حصول أي حالات تحرّش ضمن مطعمه.

ديوان العدالة الاجتماعية التابع للإدارة الذاتية سجل 11 حالة تحرش ضمن العام 2019، لكن هذا العدد هو للنساء اللواتي رفعن دعاوي فيما هنالك الكثير منهن ممن لا يقمن بذلك، بحسب إدارية في الديوان تحدثت إليها حكاية ما انحكت، ولم تود الإفصاح عن اسمها.

لا تخفي كلّ من خديجة وليلى تعرّضهن للتحرش اللفظي، وتؤكدان حدوث الأمر مرّات عديدة، لكنهن وفي سبيل عدم فقدان عملهن لم يخبرن مالكي المطعم بذلك، وتشير خديجة إلى أنّ رقم جوالها طُلب منها لأكثر من مرة، وتقول ليلى “لم أكن أبدي للأمر أية أهمية كوني كنت أركز على عملي فقط”.

وتطالب المتحدثة باسم “منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة”، نجاح أمين، بمحاسبة المتحرشين وتوفير فرص عمل من قبل الإدارة الذاتية لهؤلاء النساء، وكذلك مراقبة أعمالهن كي لا يتم استغلالهن، بحسب قولها لحكاية ما انحكت. وتضيف أن القرار من ِشأنه أن يقلل من حالات التحرش الحاصلة، وسد الطريق أمام حصول حالات جديدة.

خديجة القلقة بشأن العشرين ألف التي لابد لها أن تدفعها نهاية كل شهر لمالك المنزل الذي تستأجره تطالب الإدارة بتوفير فرص العمل إذا ما كانت قد منعتهم من العمل كـ مضيفات، وكذلك ليلى تطالب بعمل براتب أفضل وحل لمشكلة مئات النساء.

وفي هذا الخصوص تقول رئيسة هيئة المرأة أنهم بصدد تنفيذ العديد من المشاريع التي من شأنها أن تتيح فرص العمل لآلاف النساء، وهذه المشاريع تتضمن مشاغل للخياطة ودار للأيتام ومداجن وفرن للخبز، ما سيتيح فرص عمل لآلاف النساء، بحسب وصفها، لكنها لم تشر إلى موعد إطلاق تلك المشاريع.

بعد انتهاء فترة دوامها، تتهيأ ليلى للعودة إلى المنزل بتغيير ثياب العمل، وتفكر “بعد إعفائي من العمل هنا، هل سأضطر للعمل من دون ثياب؟”، وتمضي في طريقها إلى والديها اللذين لا يملكان غيرها.