في كوباني.. مالذي يدفع النساء للانتحار؟

شيرين تمو – شبكة آسو

أقدمت الشابة “آية محمد” (اسم مستعار) البالغة من العمر 21عاماً، على الانتحار شنقاً في منزلها آذار المنصرم، بسبب تعرضها المتكرر للعنف من قبل الزوج وأهله، وهو ما أوصلها لحالة نفسية سيئة دفعتها لإنهاء حياتها بـ”الانتحار” تاركة خلفها طفلتها الوحيدة.

وذكر ذوي “آية” أنها قررت لأكثر من مرة الانفصال عن الزوج وطلب الطلاق، إلا أنها كانت تتراجع خشيةً على إخوتها من الدخول في شجار مع أهل زوجها، خاصة أنهم أبناء عمومة من جهة، ولصعوبة التخلي عن طفلتها الرضيعة من جهة أخرى.

وتعود غالبية الخلافات عادة لإلزام الفتيات على الزواج بحسب القيم المجتمعية، ولا تستطيع الفتاة التي تعاني من ظروف قاسية في حياتها الأسرية أن تأخذ حقوقها، نتيجة قبلية المجتمع.

وأقدمت آية على الانتحار بعد ساعات من آخر مشكلة تعرضت لها مع زوجها، وذلك أثناء محادثتها مع شقيقتها تخبرها أنها لم تعد تحتمل، وأن ما تتعرض له من قهر وإهانات فاق قدرتها على الصبر.

أيضًا العنف الأسري وانتهاك حقوق النساء والخلافات الزوجية، أسباب تقف وراء انتحار وقتل النساء في كوباني، حيث تكررت مثل هذه الحوادث خلال الأشهر الماضية، وسُجلت في مدينة كوباني خلال العام الجاري حالتي انتحار لدى النساء وثلاث حالات اشتباه بالقتل، وحالتي قتل عمد، إضافة إلى ثلاثة عشر محاولة انتحار بحسب لجنة المتابعة والتقييم التابعة لهيئة المرأة في إقليم الفرات.

لم تكن “آية” الضحية الأولى ولن تكون الأخيرة للعنف الأسري، بل إن حالات الانتحار في تزايد وباستمرار، وبمعظمها يكون السبب الظروف المحيطة.

الشابة “سالي عثمان” ( ١٨ عاماً ) انتحرت هي الأخرى شنقاً في ريف كوباني الغربي بتاريخ ١٧ آب/ أغسطس الفائت، على خلفية خلاف عائلي بين الفتاة وأخيها حول تفاصيل وصفتها مصادر مقربة من العائلة بأنها “بسيطة وتتعلق بالتعدي على ممتلكات الفتاة الشخصية”.

تكرر حوادث الانتحار بين النساء والفتيات، أمر دفع بهيئة المرأة في إقليم الفرات لتخصيص رقم للطوارئ، لتقوم النساء المعنفات أو أي شاهد على ظاهرة التعنيف، للتبليغ عن الحالة، فيتم معالجة الوضع قبل فوات الأوان.
ومن المقرر أن تبدأ هيئة المرأة في هذا الصدد بإنشاء مركز الدعم النفسي واستشارات اجتماعية، من خلال تدريب كوادر متخصصة، من أجل القيام بحملات توعوية بين المجتمع تستهدف الذكور والإناث.

وبحسب مصادر شبكة آسو الإخبارية، أن المركز سيبدأ بعقد حلقات حوارية مجتمعية في أحياء المدينة، من أجل التعرف على أسباب ودوافع الانتحار، ودراسة تفكير الناس من خلال تعبئة استبيان يضم أسئلة تخص ظاهرة الانتحار التي تترك تساؤلات كثيرة لدى الأهالي في المدينة، وكل يفسر الظاهرة حسب رؤيته.

“مروان بركل” متعهد بناء من أهالي مدينة كوباني، يبدي قلقه حول ازدياد حالات الانتحار في المدينة، معتبرًا أنها تترك آثار نفسية سيئة على الجيل الناشئ ، فتشعر العائلة بتأنيب الضمير مدى الحياة، وهو يشكل خطراً جسيماً على بنية المجتمع بشكل عام.

ويعترف بركل إنه كرجل لا يستطيع أن يتحرر من عقليته الذكورية المتسلطة، ويحتاج التحرر من هذه العقلية عقود من الزمن “حسب وصفه”.

فيما تعبر “أميرة عباس” من أهالي مدينة كوباني، عن خشيتها على بناتها الخمسة من التفكير في الانتحار، خاصة أنها لا تستطيع تأمين متطلباتهن جميعاً بعد استشهاد والدهن.

غياب القانون الذي يحاسب المعنفين هو السبب الرئيس في ازدياد حالات الانتحار، لكون أن أغلب التحقيقات تغلق ملفاتها بعبارة قضاء وقدر ” تقول الحقوقية “روكار شدو” وتؤكد أن تفعيل قانون محاسبة المعنفين سيخفف من هذه الظاهرة، ذلك أن أغلب المعنفات لا يملكن الخيارات المتاحة للاستمرار في الحياة من وجهة نظرهن، وهو مايدفعهن للانتحار، مشيرة إلى أن الصور والقوالب النمطية عن أدوار النساء والرجال وانعدام الاستقلال المادي، وتسامح وتغاضي المجتمع مع مرتكبي العنف وإفلاتهم من العقاب يساعد في انتشار هذه الظاهرة.

ووفقاً لمكتب الإعلام التابع لقوى الأمن الداخلي في إقليم الفرات، فإنه ليس هناك موقوفين على ذمة التحقيق لحالتي الانتحار، فيما حالات الاشتباه بالقتل ما زالت التحقيقات جارية في تلك القضايا.

المرشد النفسي “جلال الصالح” يعيد الأسباب التي تدفع إلى الانتحار وخاصة لدى النساء، إلى القلق والتوتر والاكتئاب الناتج عن ظروف الحرب التي مرت بها المدينة والتهديدات اليومية القائمة عليهن، واصفاً الروابط العائلية ب ” الهشة ” بعد معاناتهم مع ظروف الحروب، ويدعو إلى توطيد صلة المحبة والتآلف بين أفراد العائلة الواحدة وخاصة في التعامل مع المراهقات، بأخذ الاعتبار لشخصيتهن وعدم تهميشهن.

ويوضح (الصالح) ان ثمة محاولات من قبل هؤلاء المراهقات للانتحار، فقط للفت النظر وفرض نوع من شخصيتهن على العائلة، أما المتزوجات فإنهن يعانين من العنف الأسري وضغوطات أسرية، والتي تعود في معظمها لأسباب اقتصادية، وعدم تأمين متطلبات الحياة الزوجية”.

ويضيف أن هناك أسباب اجتماعية كالزواج المبكر، ففي خضم الصراع الاجتماعي الذي خلفه الحرب تتسارع العوائل لتزويج بناتهن في أعمار مبكرة، فتفتقد العلاقة الزوجية التكافؤ في الوعي الثقافي او الاجتماعي ، وكذلك الزواج بالإكراه يعتبر عامل من عوامل الانتحار لأسباب قد تكون اقتصادية أو اجتماعية، وفق تعبيره.

ويحذر الصالح أن المقدم على الانتحار تظهر عليه علامات كقلة النوم والأكل والاكتئاب والتحدث بشكل دائم عن الانتحار ، “فيجب مساعدة هؤلاء الأشخاص”. وينصح بعلاج ظاهرة الانتحار اعتباراً من المنزل بملء الفراغ العاطفي بين الأهل والأولاد، والاستماع إلى آرائهن، وخلق بيئة آمنة، وعلى المؤسسات المعنية بالمرأة تخصيص لجان من مصلحيين اجتماعيين ضمن هذه المؤسسات، وتوعية المجتمع وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، والتعامل مع المجتمع كجهة توافقية تعمل على حل المشاكل لا تعقيدها بانحيازها للمرأة.

مشيراً في نهاية حديثه إلى دور وسائل الإعلام في تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية في حياة الشباب والشابات وخلق أجواء تساعد على تفريغ مواهبهم وتنميتها..