كاتي الحايك
حاولت شبكة الصحفيات السوريات من خلال مشروع “محتوى نسوي” تسليط الضوء على تجارب النساء السوريات المتنوعة في السياق التاريخي المعاصر الذي تلا سنة ٢٠١١. غطى المشروع إحدى عشر موضوعاً مختلفاً خلال سنة ٢٠١٨ بهدف رسم صورة واضحة عن العوامل التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية والقانونية التي تُشكل السياق الحياتي للنساء السوريات اليوم وما يُتيحه ذلك من فرص وعقبات في سوريا وبلاد اللجوء.
مضمون المشروع
يغطي الملف الأول “تاريخ الحراك النسائي/النسوي” في سوريا ما قبل ٢٠١١، وفيه تعرض الدكتورة آراء الجرماني السياق التاريخي لهيمنة حزب البعث على السلطة في سوريا و أثر ذلك على أصالة الحركة النسوية، حيث تم القضاء على عفويتها وقولبتها ضمن اتحادات ونقابات وروابط ومؤسسات تحت كنف الحزب الحاكم. أدى هذا الوضع السياسي التاريخي إلى تكريس أولوية الأجندات القومية والهوية الوطنية للنساء السوريات على حساب أولويات التحرر النسوي والهوية الجندرية. ومع استلام بشار الأسد للحكم (٢٠٠٠) استمر تأطير الحراك النسوي بدءاً من قانون الجمعيات المعيق إلى احتكار السيدة الأولى أسماء الأسد لمعظم أطر العمل النسوي، حيث لم يبقى للمجموعات النسوية الأصيلة سوى هوامش ضيقة للعمل. ومع ذلك استطاعت النسويات والعاملات في المجال النسائي تحقيق الكثير من الإنجازات رغم المضايقات والتشديدات الأمنية.
يسلط الملف الثاني “الحراك النسوي السوري بعد ٢٠١١” الضوء على الهوامش التي أوجدها الحراك الشعبي ضمن سياق الربيع العربي والانتفاضة السورية. وتلفت الكاتبة علياء أحمد النظر إلى أنه رغم تزايد عدد المنظمات والتحالفات النسوية، إلا أن فرص الحصول على التمويل والمنح المالية ليست متساوية لكل المنظمات النسوية\النسائية، حيث تحصل المنظمات الموجودة في الخارج على أغلب هذه الفرص وتُسيطر أجندة الممولين على باقي المنح التي تنالها منظمات الداخل.
يتناول المشاركون/ات في الملف الثالث “النسوية واللغة العربية” الجوانب المختلفة التي تُمييز بها اللغة العربية ضد النساء. فكما تُبيّن علا الجاري فإن الأمثال الشعبية تَستهدف النساء وتنشر الكراهية ضدّهن منذ لحظة الولادة كمثل ”ابنٌ عاصٍ ولا عشر مطيعات“ و”صوت حية ولا صوت بنية“. وتشرح ضحى عاشور أنّ إنتاج الأمثال الشعبية الجندرية كمثل “البنت تجيب العار والمعيار وتدخل العدو للدار” يتم من قبل طبقة من الرجال بهدف شيطنة النساء وإنتاجهن كعدو يجب إخضاعه والسيطرة عليه. وكما يوضح هذا الملف، لاتقتصر الأمثال الشعبية التحقيرية ضد النساء على اللغة العربية بل تنتشر في معظم اللغات المعروفة غرباً وشرقاً. وبالطبع هناك بعض الأمثلة الاستثنائية التي تُقدر النساء ولكن ذلك يُختصر غالباً بالصور النمطية التقليدية المرتبطة بالأمومة ودور الزوجة المربية الفاضلة.
ويمتد أثر التمييز اللغوي ضد النساء، كما تُشير مشاركة عمار ديوب إلى النصوص القانونية، لذا يدعو إلى ضرورة سن دستور وقوانين جديدة مُصاغة بلغة تتبنى المساواة بين الجنسين. ومع أزمة اللجوء السوري، تُضيء فاديا عفاش الضوء على أثر تعلم لغة ثانية في دولة اللجوء على الهويات الجندرية للمرأة والرجل ومنح المرأة أدوات جديدة للتعبير عن الرأي لم تعهدها من قبل مما يُساعدها على خلق صورة أكثر إيجابية عن ذاتها في المجتمع الجديد.
ويُغطي الملف الرابع “النسوية والمنفى” تجارب النساء السوريات في دول الهجرة واللجوء؛ فتشارك كفاح علي ديب قصة رحلة لجوئها إلى ألمانيا وكيف استفادت هي وغيرها من اللاجئات من مساحات الحرية المدعومة بالقانون في ألمانيا لتحقيق طموحاتهن التعليمية والمهنية والاجتماعية، في حين استمرت معاناة أخريات مع العنف والسلطة الذكورية. وتؤكد وداد نبي هذا الواقع عبر تسليط الضوء على تزايد حالات طلاق السوريين/ات في المحاكم الألمانية، حيث تتخذ الكثير من النساء قراراً بالطلاق حالما تصِلن للبلد الجديد أملاً بالتخلص من مشاكل كالعنف المنزلي والاضطهاد وقلة الاحترام، بينما لا تستطيع بعض النساء التخلص من الإرث الاجتماعي الداخلي الذي يُجِبرهن على الصمت والرضوخ. وتضيء نيڤين حوتري على تجربة النزوح الإجباري من خلال مشاركة مشاعرها في مواجهة حكم المنفى من غوطة دمشق.
يطرح الملف الخامس موضوع “النسوية والانترنت“، حيث تغطي رولا عثمان المضايقات والتحديات التي تواجه الناشطات النسويات على مساحات وسائل الإعلام الاجتماعي عندما يطرَحن مواضيع حقوقية ونسوية. وتناقش نوار المير علي استخدام تطبيقات المواعدة والتعارف الإلكتروني، ففي حين تتأقلم السوريات في دول المهجر مع تطبيقات كـ تيندر\Tinder للبحث عن فرص المواعدة، يقل استخدام هذا التطبيق داخل سوريا ليتم التركيز أكثر على استخدام تطبيقات المحادثة مثل المسنجر والسكايب كوسيلة للبحث عن علاقة جدية تنتهي بالزواج مابين سكان الداخل والخارج. أما لمى راجح فتلقي الضوء على شجاعة النساء السوريات في الغوطة الشرقية ممن خاطَرن بحياتهن لينقلن عبر وسائل الواتس آب والماسنجر والتويتر وقائع المعاناة اليومية تحت الحصار والقصف والتهجير.
حاول الملف السادس تناول موضوع “الجنسانية“، وكتبت فيه فدوى العبود عن الآمال الخائبة بخلق حركات الربيع العربي لثورة جنسانية وفرص تحرر حقيقية في العالم العربي لتستمر المضايقات والانتهاكات ضد الأشخاص ذوي الميول الجنسية المختلفة ولأجساد النساء وإرادتهن الحرة.
يتطرق الملف السابع “الفن والنسوية” لعدة جوانب هامة تتعلق بتناول الفن لقضايا النساء وعن كيفية رؤية الفنانات لقيمة عملهن. تُشارك فاديا عفاش تجربتها كفنانة ولاجئة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعرفت على مفهوم الائتمان\credit (الفضل في إنجاز العمل)، وهو يعني في هذا السياق أن تعترف الفنانات بحقهن في الفضل في إنجاز أعمالهن وأن يتمتعن بالمزايا الناتجة عن هذا الاعتراف. فكما توضح فاديا فقد استغرقتها سنوات قبل أن تُجابه السلوك العام في المجتمع السوري الذي يختزل دور النساء بمساندة الرجال ويُهمش إنجازاتِهن كفنانات. وتُغطي لجين العرنجي كيفية تناول قضايا النساء في المسرح والسينما في سوريا، حيث تُعاني هذه المجالات من قلة وتهميش المخرجات النساء، أما المخرجين الرجال فلم يُقدّم سوى عددٍ محدود منهم صورةً عميقةً وواقعية عن واقع النساء. ومن جهتها تتناول سلوى زكزك تجربة سينما ما بعد الحرب البوسنية التي تُقدم دروساً للسينما السورية عن كيفية تناول واقع النساء السوريات أثناء الحرب وبعدها والطرق المثلى لتطبيق آليات العدالة الانتقالية.
يسلط الملف الثامن “الأدب والنسوية” الضوء على تجارب بعض الأديبات السوريات وعلى كيف يتم تصوير النساء في الأدب السوري. فقد أجرت أروى الباشا حواراً مع الروائية السورية ابتسام تريسي عن أعمالها ورأيها بدور المرأة بالرواية العربية ودور الأدب والنسوية في سياق الثورة السورية. وكتبت رباب هلال عن الشاعرة هنادي زرقه مناقشةً أعمالها الحديثة التي تتناول مواضيع كذكوريّة الحرب وأهمية الحب وقسوة الموت والوحدة. أما وسام افرنجية فقد تناول استخدام الرمز الأسطوري الأنثوي في الشعر العربي مركزاً على آليات توظيف سير الآلهة كعشتار وإنانا وعناة في الأعمال الشعرية بشكل يُقدر النساء ويُعلي من مكانتِهن في المجتمع. وتتضمن مشاركة فدوى العبود في الملف نقاشاً لتمثيل النساء في الأدب بشكل عاماً، حيث تستعرض أمثلة من الأدب العالمي والعربي والسوري والتركي.
يركز الملف التاسع على قضايا المعتقلات والمختطفات في سوريا. فتتناول لامار ٲرْكَندي المعاناة القاسية المتعلقة باستعباد النساء والطفلات الإيزيديات في محافظتي الرقة وإدلب والرحلة الشاقة والمُكلفة التي يتكبدها أهالي المختطفات لتحريرهنّ من براثن التنظيمات المتطرفة. وتكتب مريم حايد عن معاناة المعتقلات في سجون النظام السوري، وكيف تستغل أجهزة المخابرات مفهوم الشرف في قضية اعتقال النساء مما يحد من مشاركة النساء في العمل السياسي المعارض ويُعرض المعتقلات لضغوطات اجتماعية كبيرة عند الإفراج عنهن. وتنتقد سلوى زكزك انعدام مراكز وآليات الدعم النفسي والصحي والاجتماعي للمعتقلات والمعنفات والنازحات.
يتناول الملف العاشر أثر التسليح على النساء. فتصف لامار ٲرْكَندي شجاعة المقاتلات الكرديات في قتال تنظيم داعش ومواجهته على خطوط القتال الأمامية. أما سونيا العلي فتشرح عبء الإصابات الحربية والإعاقات الجسدية والضغوط النفسية على النساء اللواتي يُعانين من أبعاد مختلفة من التهميش والتجاهل والعنف. وتؤكد شادية التعتاع على مدى قسوة معاناة آلاف النساء في سوريا إثر بتر أطرافِهن وتعرّضهن لإصابات ناتجة عن قصف الطيران العشوائي منبهةً لمشاكِل كمُعضلة غلاء الأطراف الصناعية وتعرض النساء لإصاباتٍ نتيجةً لانتشار السلاح بين أفراد أسرهن.
وتقديراً لجهود المدافعات عن حقوق النساء والناشطات النسويات، تختتم شبكة الصحفيات السوريات مشروع “محتوى نسوي” بملف “هي مدافعة“. وتسلط فيه مها الأحمد الضوء على قصص نجاح قياديات سوريات من إدلب عملن بجهدٍ كبير للحد من الآثار التهديمية للحرب عن طريق إنشاء مراكز لتوثيق الانتهاكات الحقوقية ضد المرأة وتنظيم دورات مهنية للنساء متخصصة في محو الأمية واستخدام الكمبيوتر وتعلم اللغة الإنجليزية. وتعكس سونيا العلي تجارب النساء ذوات المناصب القيادية في منظمات المجتمع المدني داخل سوريا وخارجها، وكيف كسرت سنوات الحرب الصور النمطية والقيود التي كرستها تقاليد المجتمع على عمل النساء ودورهن في المجتمع المدني. أما ميرنا الرشيد فتغطي مشاريع ومبادرات نسائية في مدينة السويداء تهدف إلى تفعيل دور النساء القياديات في المجتمع وزيادة الوعي بحقوقهن.
الفرص والتحديات في تنفيذ المشروع
استطاع مشروع “محتوى نسوي” تغطية أصوات نسوية/نسائية سوريّة في مناطق جغرافية متنوعة داخل وخارج سوريا، ورسم صورة واضحة عن معاناة وتجارب النساء المتنوعة. وسعى المشروع لتحقيق التوازن ما بين التطرق لمواضيع سياسية متعلقة بالسلاح والمنفى والاعتقال وطرح مواضيع ثقافية متعلقة بالأدب والفن واللغة العربية والانترنت. ويمكن القول أن المشروع نجح بشكل أساسي باستعراض أهم العقبات اليومية المادية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تُعيق النساء السوريات وتحول دون تحقيق طموحاتهن في عيش حياة كريمة مبنية على العدالة والمساواة والسلام. وسلطت كتابات المشاركات في هذا المشروع الضوء على أهم عوامل اللامساواة والتهميش التي تُسهم في الإنتاج الاجتماعي للذكورة والأنوثة في المجتمع السوري. إلا أنّ المشروع واجه عدة تحديات إما بسبب محدودية التمويل أو نقص الكفاءة والتدريب في بعض المجالات. أكبر التحديات التي واجهت المشروع هو الخلط ما بين مفهومي الكتابة النسوية والكتابة النسائية. فالكثير من المُساهمات تقع تحت إطار الكتابة النسائية لا النسوية، وهذا الواقع يستدعي تشبيكاً أكبر بين الناشطات النسائيات والنسويات السوريات لتعريف ماذا تعني النسوية في سوريا اليوم وكيف تتشابه أو تختلف مع غيرها من الحركات النسوية حول العالم. أظهر هذا المشروع أيضاً الحاجة الملحة لوجود تضامن نسوي حقيقي مابين النسويات السوريات، فظواهر الشللية والتنفاسية والتراتبية تُشكل عواملاً محبطة تُهيمن على مناخ معظم العمل النسوي السوري على نحوٍ يؤثر على طبيعة وجودة العمل، وقد انعكس ذلك على هذا المشروع من خلال خسارة أصوات نسوية هامة رفضت المساهمة فيه لأسباب قد تعود إلى قلة المعرفة الشخصية أو الرغبة في النشر في وسائل إعلامية أكثر شهرة. يستدعي هذا الجانب القاتم من العمل النسوي نقاشاً جاداً حول أخلاقيات العمل النسوي، ليس فقط من الجانب النظري بل من الجانب العملي وكيف يمكن أن نطبق في حياتنا اليومية والمهنية أخلاقاً تعكس قيم وطموحات العمل النسوي الحقيقي الساعي لمحاربة كافة أشكال الاضطهاد والتهميش. ومن ناحية أكثر عملية، كان من الصعب ضمن الجدول الزمني المحدد لنشر ملفات المشروع تغطية ملفات هامة كملف الجنسانية بشكل يستوفي حقها. فعلى سبيل المثال تمت دعوة العديد من الأصوات الخبيرة بموضوع الجنسانية للمساهمة في الملف، لكن تم رفض هذه الدعوات لأسباب عدة منها أمنية متعلقة بالخوف من انتقام العائلة أو المجتمع عند الكتابة عن موضوع حساس كالمثلية الجنسية. من التحديات العملية أيضاً كان عدم تقبل الكثير من الكاتبات والكتاب السوريين\ات لواقع وجود مُحررة تُشرف على كتابة المواد وتُرسل اقتراحات للتحسين، فكثير من الكاتبات والكُتاب قاموا برفض إجراء تعديلات على النص إنطلاقاً من النظرة أن النص مُلكية الكاتب وأنّ دور المحررة يقتصر على تحسين الجانب النحوي والأخطاء المطبعية فحسب دون التدخل في مضمون النص. ورغم التحديات المذكورة هنا بهدف التعلم منها في المشاريع المستقبلية، إلا أنّ فرصة العمل والنشر في مشروع “محتوى نسوي” كانت مُناسبة قيّمة للإضاءة على الإنتاج المعرفي لنساء سوريات وناشطات نسويات من توجهات سياسية وثقافية مختلفة.