نساء مؤثرات خلال الزلزال

نساء مؤثرات خلال الزلزال

لم يمضِ على تاريخ السادس من شباط من العام الحالي سوى بضعة أشهر، إلا أنّ نتائجه الكارثية مازالت مستمرةً حتى الآن. حيث أسفر الزلزال الذي ضرب شمال غرب سوريا وجنوب تركيا إلى وفاة ما يتجاوز (اثنان وخمسون ألفا)، إلى جانب التدمير الهائل الذي لحق بالبنية التحتية، وظهور موجة نزوحٍ ضخمة من المناطق ذات النشاط الزلزالي. 

ومع تأخر وصول المساعدات الإنسانية الأمميّة والنقص الحاد في المعدات والمساعدات، برز دور المبادرات الفردية ومن بينها المبادرات النسائية التي ظهرت في تلك الفترة، إضافةً إلى الفرق التطوعية حديثة العهد والمنظمات المحلية المعنية بالإغاثة وحقوق الإنسان.

وفي أحد المخيمات في شمال غربي سوريا ضمن منطقة اعزاز، والتي كانت قد فتحت أبوابها للنازحات والنازحين إثر وقوع الزلزال، تكاتفت مجموعة من النساء اللواتي جمعن الكثير من المستلزمات الشخصية والبطانيات إلى جانب جمع مبالغ مالية وإعداد الوجبات الغذائية وتوزيعها على النازحين/ات .

ورغم أنهن عانين من النزوح والوضع المعيشي السيئ والظروف الاقتصادية الصعبة إلا أنهن تقاسمن المصاعب مع متضرري الزلزال بالإمكانيات المتاحة لهن بدافع حب الخير والرغبة في المساعدة والمبادرة.

حيث أظهرت النساء صورة من صور التماسك المجتمعي من خلال هذه المبادرات، مسلطةً الضوء على ضرورة مشاركتهن في مرحلة التعافي من آثار الزلزال. 

تعرض الناشطة في المجال الإنساني والكاتبة الأدبية نور الجندلي تفاصيل استجابتها أثناء الزلزال : ” بدأت في تقديم تدريبات في الدعم النفسي الأولي للكوادر التطوعية، والقيام بجولات دعم نفسي مع المتدربين للأطفال المتضررين من الزلزال في مدينة عفرين جنديرس وريف مدينة الباب، وتنظيم مجموعات استجابة طارئة للتوعية عبر تطبيق واتساب، والمشاركة في المجال التوعوي والتعليمي، كان من ضمن ذلك تشكيل فريق من ثلاثين شابّة جامعية، وتقديم التدريب لهن من ثم تنفيذه بشكل عملي في مخيم برازية، بالإضافة إلى تقديم مائة حقيبة نسائية صحية وألبسة نسائية، وتقديم جلسات دعم نفسي للأطفال في مخيمات مدينة الباب، كانت هذه التدريبات مصادقة من وزارة التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة وتحت إشرافها، نالت المتدربات من خلالها شهادة دبلوم مهني بالإضافة إلى الخبرات التي اكتسبناها. كان دافعي من كل ذلك مساعدة أهل بلدي الذين هم أساساً أهلي ومحاولة التخفيف عنهم بما أملك من علم وخبرات، ومن المصاعب التي واجهتني ضعف الإمكانيات وصعوبة في الوصول إلى جميع الفئات ورغم النقص الحاد كانت مساهمة الناس من كل الفئات والشرائح ومساعدتهم لبعضهم البعض ملهمة ومؤثرة ومحاولة العمل ضمن المتوفر والمتاح كانت أهم السمات التي جعلت المبادرات تستمر وتنجح.”

أكثر ما كان يعيق عمل  المتطوعات والمتطوعين خلال الاستجابة للزلزال هو النقص الشديد في المعدات والآليات بالإضافة الى المستلزمات الصحية والغذائية، ويضاف إلى ذلك أن المتطوعين/ات هم أيضاً متضررين سواء بالنزوح أو جراء الزلزال نفسه أو كلاهما، حيث تقول أمل الطالبة الجامعية المهجرة من ريف إدلب :” لم يمض الكثير على نزوحي من ريف إدلب، لم أعتد بعد على المنزل الجديد حتى جاء الزلزال، تضرر المنزل الّذي أقطنه بفعل الزلزال بأضرار جسيمة، اضطررت أنا وعائلتي للنزوح مرة أخرى، وخلال الأيام الأولى للزلزال انضممت برفقة أخي إلى الفرق التطوعية التي كانت تقدم الدعم النفسي والإغاثي للمتضررين، كما قمت بتوثيق بعض الأماكن التي ضربها الزلزال، كان هدفي المساعدة قدر الإمكان وتقديم يد العون في ظل الظروف الصعبة.”

يذكر أن منظمة الدفاع المدني كان لها الدور الأكبر في عملية الاستجابة للزلزال، وهي منظمة مدنية تطوعية تعمل في مناطق شمال غربي سوريا ، وتأسست عام 2013 ، وتضم نحو ثلاثة آلاف متطوع ومتطوعة ، وتهدف إلى إغاثة المتضررين/ات خلال الثورة السورية .          

لذا لا يمكننا المرور دون ذكر متطوعات الدفاع المدني السوري اللواتي كان لهن الدور الأبرز في عملية الاستجابة للزلزال، وقد استطاعت النساء في الدفاع المدني السوري كسر الصورة النمطية لعمل المرأة وتقويض عملها ضمن قطاعات و أعمال محددة، حيث تمكنّ من التغلب على هذه العقبة وأثبتن جدارتهن في جميع مجالات العمل و وصلن لرضى كبير من المجتمع، فتراهن يحظين بتقدير الجميع من خلال أعمالهن وخدماتهن الكثيرة، سواءً مع انتشار الجائحات والأوبئة مثل كوفيد ١٩ والكوليرا، أو ضمن الاستهدافات المزدوجة من قبل قوات النظام وروسيا، حيث شكلن أثراً كبيراً في مجتمعاتهن.

وفي حديث مع المكتب الإعلامي للدفاع المدني السوري، حول مشاركة النساء في مرحلة الاستجابة للزلزال: ” منذ بداية الاستجابة لكارثة الزلزال المدمر، شاركت المتطوعات بعمليات البحث والإنقاذ، كما ساهمن بإنقاذ عدد كبير من العالقين/ات تحت الأنقاض، بالتعاون مع الفرق التطوعية الأخرى والمدنيين/ات، وايضاً كان دورهن كبير بالتعامل مع المصابين  وتقديم الإسعافات الأولية لهم، وتخفيف الأثر النفسي كما ساهمت متطوعات الدفاع المدني بعمليات انتشال الوفيات من تحت الأنقاض، فيما تلى ذلك تقديم الرعاية الصحية و النفسية و متابعة علاج المصابين/ات. ”  

تضيف آلاء المتطوعة في الدفاع المدني أثناء استجابتها لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض : ” بدأ الأمر منذ اللحظات الأولى للزلزال حيث كانت حالة الخوف والهلع منتشرة بشكل كبير بين الناس و الجميع يسأل عن أهله وأقربائه، تلقيت نبأ انهيار المبنى السكني الّذي تعيش فيها قريبتي، توجهت على الفور إلى المكان وكان الدمار كبير، بدأت في المساعدة مع فريق الإنقاذ رغم محدودية معداتنا و إمكانياتنا وبعد ساعات من العمل تمكّنا من انتشال أربع ضحايا و إنقاذ طفلة كانت على قيد الحياة، و وفاة قريبتي مع عائلتها، رغم سيطرة الخوف والحزن على الموقف إلّا أن الأمل في العثور على ناجين تحت الأنقاض كان يدفعني للاستمرار .”

وفي إشارة للتحديات التي تواجه عمل متطوعات الدفاع المدني السوري ضمن التصريح :

” هناك العديد من التحديات التي تتعرض لها المتطوعات منها نظرة المجتمع تجاه عمل المرأة التي اختلفت اليوم بشكل كبير عما سبق، الذي كان يعد سابقا من المعيب وغير المقبول أن يكون عملها في الاستجابة للهجمات والبحث والإنقاذ ووجودها ضمن فرق مخلفات الحرب “. 

من التحديات التي تواجه المتطوعات أيضاً، هو التوفيق بين عملها كمتطوعة و حياتها كأم في الوقت عينه ضمن ضغوطات العبء الثلاثي على النساء بين الدور الرعائي والإنجابي والعمل، إلا أن المتطوعات أثبتن جدارتهن قبل وقوع كارثة الزلزال وبعدها، فلم يتوقفن عن العمل، ليثبتن للجميع أن للتكاتف والتعاون دور مهم في نجاح العمل، حيث أكدن وثمّن أهمية العمل الجماعي. 

ومن الجدير بالذكر أن  التحدي الأكثر خطورة كان ولازال الهجمات العسكرية التي تستهدف متطوعي ومتطوعات الخوذ البيضاء بشكلٍ عام، حيث تسعى هذه الهجمات إلى تقويض العمل الإنساني للمؤسسة، وينعكس ذلك بشكلٍ مباشر على العمليات التي يتم تنفيذها. 

ولكن ورغم كل التحديات أكدت النساء في كل لحظة أنهن بالخطوط الأمامية، في السلم وفي الحرب، كنّ وما زلن رائدات في التعليم والقيادة وبناء الأجيال، واليوم هن رائدات في حماية المجتمعات وإنقاذ الأرواح.

نثمن ونقدر جهود النساء اللاتي ما زلن يعملن رغم الوضع الإنساني والاقتصادي المتردي ورغم إثبات جدارتهن في شتى المجالات وعلى جميع الأصعدة ما زلن يقدمن المبادرات والأعمال التطوعية، ونحث على ضرورة تكثيف الجهود لتوفير الدعم الكافي للنساء وتأمين الحماية وبيئة عمل مناسبة لهن لضمان بناء مجتمع متماسك.

                                                                                                                                                                     الصحفية ثناء الطعمة

 

_ نساء مؤثرات خلال الزلزال - الصحفية ثناء طعمة

Comments are closed.