نجوت من الزلزال، لكن ليس من التحرّش!

نجوت من الزلزال، لكن ليس من التحرّش!

عن حوادث تعرضت لها نساء ناجيات من الزلزال في شمال غرب سوريا.

بقلم : حسن جيلو _ ناشط مدافع عن حقوق الإنسان.   

وجهات “النزوح” جميعها مغلقة! 

اعتاد السوريون والسوريات في شمال غرب سوريا على توضيب حقائب النزوح في ظلّ القصف الذي تتعرض له المنطقة بين الوقت والآخر، فحين يشتدّ القصف على منطقة ما، ينزح سكانها لمنطقة أخرى عند أقاربهم/ن ومعارفهم/ن إلى حين توقّف حملة القصف، لكن بعد الزلزال المدمّر الذي خلّف وراءه واحدة من أكبر الكوارث في المنطقة، في وقتٍ بلغت فيه الأزمة الإنسانيّة ذروتها منذ بدء النزاع في سوريا، ليجد ما يزيد عن أربعة مليون سوري/ة أنفسهم/ن أمام مواجهة مباشرة لظروف إنسانيًة قاسيّة، تضاف إلى مأساتهم/ن المستمرة منذ سنوات طويلة! لم يعد هناك مكان للنزوح إليه، فالمباني التي لم تسقط، هي آيلة للسقوط، وحتى تلك التي لم تتأثر بشكل فعلي، لم يعد سكانها يأمنون النوم تحت أسقفها خوفاً من الهزّات الارتدادية المتكررة!     

كما حدث مع السيدة أم حسام (نازحة سورية تعيش في اعزاز شمال حلب) الناجية مع عائلتها من الزلزال، التي وجدت نفسها مشردة في الشارع دون مأوى مع أولادها! 

“لم يحدث طوال سنوات الحرب أن تعرضت لمثل هذا التشرد، تعرضنا للقصف في السنوات الماضية، كنا ننزح لمنزل أقاربنا الذي لا يطاله القصف، لكن الزلزال جعلنا نحن وهم في الشارع!” تقول أم حسام. 

صرخة استغاثة لم يسمعها أحد! 

مزيداً فوق تلك الخيام المتكدسة فوق بعضها البعض، التي يسكنها مهجري/ات المدن السورية المختلفة، خيمٌ إضافيّة، بعد كارثة الزلزال، لا يفصل بينها اي شيء، ليبدو المشهد إطاحةً لكل قواعد المنطق! 

انتقلت أم حسام مع أولادها للعيش داخل مركز إيواء شمال حلب، بعد أن هدم الزلزال منزلها، لكن لم يكن هذا المكان أقل سوءاً من الزلزال على حدّ وصفها بعد أن أصبحت فيه ضحية تحرش! 

“جاءتنا منظمة لتوزيع المساعدات، وتجمّع الناس بالمئات في مكان التوزيع، أحد سكان المخيم اقترب مني بشكل مبالغ فيه، ووضع يده على جسدي، حاولت دفعه عني، لكنّه أمسكني من يدي بقوة، صرخت بصوت عالي، لكن لم يلتفت أحد وسط الفوضى العارمة، الجميع كانوا يصرخون للحصول على سلة الإغاثة، وظنّوا أنّي أشاركهم ذلك” تقول أم حسام.

مزيداً من التحدّيات أمام النساء الناجيات! 

تقع الكوارث والأزمات على الجميع، لكن يختلف وقعها على النساء اللواتي يدفعن أثماناً مضاعفة حينها، ويواجهن مأساة مزدوجة، لنجد أن العديد منهن ربّات أسر، تزيد الكارثة من معاناتهن وحاجاتهن إلى دعم إضافي، أو نساء حوامل يتعرضن لخطر حدوث مضاعفات في الحمل، أو أمهات مرضعات يتعرضن لخطر جفاف الحليب، أو خطراً بفقر الدورة الشهرية، وكل ذلك يتلوه صعوبة الوصول إلى خدمات الرعاية الطبيّة اللازمة خلال فترة الزلزال أو الكوارث أياً كانت، لذلك تحتاج النساء أثناء الكوارث والأزمات والحروب لاستجابة مضافة على الاستجابة الاعتيادية، تراعي احتياجاتهن كنساء، كأدوية الحوامل، أو أدوية فترة الرضاعة، أو وسائل النظافة والفوط الصحيّة والملابس الداخلية، وكل ما يتعلق بالاستجابة الحساسة للنساء التي لا تعطيها المنظمات الإغاثية اي اعتبار! 

يتوّج هذا العنف القائم على النوع الاجتماعي بما هو أشد وطأة على النساء بفقدانهن لشعور الأمان، وتعرضهن للتحرش والاستغلال تزامناً مع عدم توفر آليات حقيقية للتبليغ عن حالات العنف التي يتعرضن لها، كما حدث مع أمينة الجليل (32) عام التي قضت مع ابنها الصغير عدة أيام في العراء، إلى أن علمت من أحد مجموعات الاستجابة على واتساب بتوفّر مكان في أحد المخيمات في اعزاز شمال حلب، فتوجهت إليه وقصدت إدارة المخيم، وجدت نفسها أمام مجموعة من الرجال يلعبون ورق الشدّة ( الإسكنبيل)، ولحظة دخولها توقف الجميع ونظروا إليها، لتخبرهم بأنها وطفلها بحاجة إلى خيمة، ليرد عليها أحد الجالسين بدعوتها للسهر معهم! فيما سألها آخر عمّا إذا كانت ترغب بمشاركتهن شرب الأركيلة (الشيشة)، خرجت أمينة من خيمة الإدارة ليركض خلفها أحد الرجال ويعرض عليها الدخول إلى خيمته مع نظرات “زعرنة” (غير مريحة) كما تروي لنا. 

كانت أمينة تبحث عن ملاذ آمن تستريح فيه، لكنها وجدت نفسها عرضة للتحرش والاستغلال في مكان “لا حسيب ولا رقيب عليه” كما وصفته! 

الوصم الاجتماعي يلاحق النساء في كل الأوقات والأحداث! 

“لا شغلة ولا عملة” تصف عبير (23 عام، طالبة جامعية نازحة) حال بعض الرجال في المخيم الذي انتقلت إليه في عفرين، بعد كارثة الزلزال مع والدتها وأخواتها الثلاثة، حيث تجدهم ينتشرون في ممرات وساحة المخيم طوال الوقت، يراقبون النساء، حتى بالقرب من الحمامات التي هي بالأصل متقاربة ومنها ما هو مشترك، مما يجعل والدة عبير تمنعها من الخروج من الخيمة، ” أمي لا تسمح لي بالخروج من الخيمة بمفردي، ونترافق معاً إلى الحمام، وتحذرني من الحديث مع رجال المخيم أو الالتفات إليهم، هي تخاف أن يتعرّض لي أحدهم، حينها سيقع اللوم علي بالتأكيد وعلى تربية أهلي، هكذا حال مجتمعنا كما تعرف” تقول عبير. 

أما رهف ( 20 عام) عبّرت عن استيائها من العيش في المخيم الذي يختلط فيه بعض الرجال بالنساء دون أي تنظيم، مما يجعلها تشعر بفقدان الخصوصية وعدم الارتياح، وترغب بالانتقال إلى مركز إيواء خاص بالنساء في مدينة مجاورة، فيما تعارض والدتها أم ربيع ذلك، بسبب ما وصفته بتجمّع “المطلقات” فهي ترى أن الاختلاط بهن يسيء إلى سمعة بناتها ويؤثر أيضاً على تفكيرهن في المستقبل! وتخطط للعودة لمنزلها المتهالك “الزلزال أهون علينا من هالفضايح”، تختم أم ربيع قولها الذي يعتبر جزءاً من ثقافة المجتمع والفهم الخاطئ لأعرافه، ويكاد لا يتزعزع  حتى أثناء الزلازل والكوارث، ويلاحق المطلقات من النساء بالوصم الاجتماعي وحتى الأخلاقي! 

ضحايا التحرش يواجهنه بالصمت! 

ربما الأصعب من التحرش نفسه هو أن تشعر الكثير من النساء بعدم قدرتهن على فضح المتحرش على العلن، لتصارع وحدها الصمت المطبق على روحها، كما حدث مع خلود قاسم ( 27 عام) التي كشفت عن تعرضها إلى التحرش والاستغلال عبر الهاتف المحمول خلال تواجدها في أحد مراكز الإيواء المؤقتة في حارم (ريف إدلب) مشيرةً إلى أن صاحب الرقم الذي يراسلها هو عضو في أحد الفرق التطوعية العاملة في الاستجابة الإنسانية، “طلب رقمي أثناء جمع البيانات بحجة إخباري في حال توفّر مساعدات إضافية، ثم بدأ بالدردشة معي بشكل يومي بحجة السؤال عن أحوالنا، ثم تفاجأت بأنه طلب مني أن نتحدث عبر خاصية الفيديو”. 

تخشى خلود أن يتم إلقاء اللوم عليها في حال أخبرت أفراد عائلتها، وربما ذلك سيتسبب بمصادرة الهاتف، وتعبّر أيضاً عن مخاوفها من فكرة معاقبة شخص قوي ونافذ ربما يتسبب لها بمزيد من الأذى! وتضيف”أهلي صارمون جداً، وسأكون أنا المذنبة في حال أخبرتهم، لأنني قبلت الحديث معه من البداية”. 

تبرير وتسخيف.. 

وبحسب خلود فإن محيطها يقوم بتسخيف التحرش ويخلقون له الأعذار والتبريرات ويعتبرونه مسألة ليست بهذا السوء وكأن شيئاً لم يكن! 

وتذكر كيف أن إحدى النساء في مركز الإيواء السابق تعرضت للتحرش من أحد الرجال، فذهب الجميع للومها والقول بأن  “الميك آب” الذي تضعه على وجهها يجعلها ملفتة لأنظار الرجال! 

في السياق ذاته تحدثت هبة عزالدين (المديرة التنفيذية لمنظمة عدل وتمكين) مشيرةً إلى أن التحرّش ما زال مقبولاً اجتماعيّاً تحت بند “التلطيش” ويتم أخذه على محمل المزح والفكاهة، في الوقت الذي يُعتبر فيه هذا الفعل تحرشاً واضحاً وربما يؤدي إلى الاستغلال والابتزاز أيضًا. 

عشرات هي الحالات التي تم تسجيلها وتوثيقها من قبل عدة منظمات من بينها “المرصد السوري لحقوق الانسان”، لنساء ناجيات من الزلزال، تعرضن لتحرش جنسي وابتزاز داخل مخيمات شمال غرب سوريا، في هذا الإطار تقوم منظمة عدل وتمكين التي تعتبر عضوة في شبكة PSEA (الحماية من الاستغلال والتحرش والاعتداء الجنسي)، بإقامة جلسات توعية حول التحرش والاستغلال، لجميع المستفيدات ولطاقم العمل، إلى جانب توفير جلسات تدريب حول التحرش السيبراني والحماية من العنف الرقمي، “حتى الآن الابتزاز والتحرش الالكتروني لم يأخذوا الحيّز الكافي والأولوية في النظر إليهم كوسيلة رئيسية في التحرش” تقول هبة عزالدين (المديرة التنفيذية لمنظمة عدل وتمكين). 

إضافةً إلى نشر أرقام للتبليغ عن أي حادثة تحرش، مع توفير رقم للتواصل المباشر مع شبكة PSEA وذلك لضمان عدم وجود أي مخاوف أو تردد عند النساء للتبليغ، وتضيف هبة “حالات التحرش زادت بعد كارثة الزلزال، سواء أثناء إنقاذ النساء من تحت الأنقاض أو أثناء تواجدهن بالملاجئ”، وتختم قولها ” التخفيف من حالات التحرش يحتاج إلى تغيير في ثقافة المجتمع”.

نجوت من الزلزال، لكن ليس من التحرّش! حسن جيلو _ ناشط مدافع عن حقوق الإنسان.

 


Comments are closed.