الجانب النفسي لعاملات القطاع الإنساني خلال كارثة الزلزال في سوريا

الجانب النفسي لعاملات القطاع الإنساني خلال كارثة الزلزال في سوريا

تسبّب الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا يوم الاثنين، 6 فبراير 2023، بدمار واسع النطاق ووفاة آلاف الأشخاص. وبينما كان رجال الإطفاء والفرق الطبية يعملون على إنقاذ الأرواح، كانت عاملات القطاع الإنساني يعملن على تقديم الدعم اللازم للضحايا بدون توقف.

يفتقر الشمال السوري للإحصائيات الرسميّة التي تمكننا من معرفة عدد العاملين والعاملات في القطاع الإنساني، خاصة أن الشمال السوري منطقة ينشط فيها عدد كبير من المنظمات المحلية والعالمية، والتي تعتمد بشكل كبير على المتطوعين العاملين بشكل غير رسمي فيها. مع وجود عدد كبير من العاملات والعاملين في هذا المجال هناك الكثير من التحديات التي تواجههن/م.

بالنسبة للعاملات في المجال الإنساني، فهنّ يواجهن تحدّيات إضافية عن العاملين فيه، فالافتقار للموارد كوسائل المواصلات والوصول للمعدات اللازمة، والوصول للمناطق المتضررة بالإضافة للتمييز الجندري من الأمور التي تعاني منها العاملات في المجال الإنساني.

لا تخفى أهمية البحث في الجانب النفسي لعاملات القطاع الإنساني في الشمال السوري خلال وبعد كارثة الزلزال في سوريا، كون ذلك جزء من سلامتهن العامة، لذا تتضح ضرورة تسليط الضوء على التأثيرات النفسية التي قد تواجهنه، وأهمية توفير الدعم النفسي لهن.

لعبت العاملات في المجال الإنساني في سوريا دورًا رئيسيًا في تقديم المساعدات الإنسانية لضحايا الزلزال، بما فيها الطعام، والمأوى، والرعاية الصحية رغم التحديات، وهذا يظهر الحاجة للعمل لضمان سلامتهن النفسية. 

التأثيرات النفسية العامة لعمالات القطاع النفسي

يلعب القطاع النفسي دورًا حيويًا ومهمًا في الكوارث الإنسانية من خلال تقديم المساعدة للأشخاص المتعرضين للصدمات النفسية. ومع ذلك، فإن العاملات في القطاع النفسي، هن أيضًا معرضات لضغوط نفسية كبيرة والتي يمكن أن تودي بهن لمواجهة صدمات أو مشاكل نفسية حادة. 

تقول المختصة النفسية هدى نصر الله، “كارثة الزلزال صدمة جديدة لم يسبق وأن تعاملنا معها في المنطقة، والتي هي أساسًا منطقة تفتقد للكثير من المهارات النفسية كالمرشد والمعالج والطبيب النفسي، لذا لا يوجد أي خبرات سابقة للتعامل مع هذا الأمر”. وتتابع “إن العاملات-ين في القطاع النفسي هم أيضًا بحاجة للدعم النفسي ليقمن-يقوموا بدعم الآخريات/ين. وجود الكارثة المشتركة يجعل العملية معقدة”. 

وبدورها تقول الشابّة لمى (وهو اسم مستعار)، بسبب رفضها التعريف عن نفسها لأسباب اجتماعية، أنه خلال كارثة الزلزال أكثر من تعرض للصدمات النفسية هم الأطفال، ومن خلال عملها في القطاع الإنساني قبل الزلزال عملت على كثير من النشاطات النفسية المختلفة مع عدد من المنظمات المحلية والعالمية والتي ركّزت على الدعم النفسي للأطفال بشكل خاص.

تقول لمى أن الدعم النفسي كان ضروريًا في تلك الفترة، وبالنسبة لها لجأت لعدد من الأشخاص المقربين والأصدقاء الذين ساعدوها بتلقي الدعم النفسي الضروري لها.

لم تلجأ لمى لأحد الأطباء أو المختصين النفسيين في تلك الفترة لأنها ظنت أن الظروف التي مرت بها تعتبر مماثلة لظروف الزلزال، فقالت “القصف والتهجير عرضوني لصدمة مشابهة لصدمة كارثة الزلزال فلم ألجأ لأي مختص أو طبيب نفسي”.

لم تستطع جميع العاملات في القطاع النفسي اللجوء للمختصات-ين بسبب الضغط الكبير الذي تعرض له القطاع النفسي في تلك الفترة، ونظرًا لقلة المختصات-ين في المنطقة  أصبح من الصعب الوصول للمختصات-ين.

تقول لمى أنها تعرف أشخاصًا تعرضوا لصدمات نفسية كبيرة أدت بهن-م بالنهاية لانهيارات عصبية. 

أهمية توفير الدعم النفسي للعاملات في القطاع النفسي

من المهم أن تكون عاملات القطاع النفسي أثناء الكارثة على دراية وثقافة كاملة بالتأثيرات النفسية التي قد يتعرضن لها، وأن يحصلن على الدعم اللازم للتغلب عليها، خاصة أنهن قد تعرضن لنفس الصدمة التي أصابت طالبات-بي الدعم النفسي في المنطقة.

قالت هدى أن كل الدعم المقدم الذي كان في المنطقة لم يكن بشكل مباشر، ولكن في هذه الفترة تواجد عدد قليل جدًا من المنظمات الإنسانية نشرت أرقامًا للحالات الإسعافية ما أسمته “بالخط الساخن” وكان له تجارب ناجحة وجيدة ضمن المنطقة.

خلال كارثة الزلزال وفّر مركزا الدعم النفسي الوحيدين الموجودين في مدينة إدلب بشكل مجاني خدمة “الخط الساخن”، والذي ساعد المتضررين بالوصول للدعم النفسي بأسرع طريقة.

تروي هدى تجربتها في “الخط الساخن” وتقول: “بدأت العلاج النفسي خلال فترة ما بعد الزلزال لفترة، وبعدها توقفت لأنني تعلّمت الطريقة، والتي أنا أساسًا أمتلك إطارها النظري بحكم دراستي للمجال، وبعدها حاولت متابعة الموضوع بشكل فردي.”

قالت هدى أن طلاب وطالبات التخصص أسسوا مجموعات ليتمكنوا من مساندة بعضهن-م في الخبرات بالإضافة لبعض المنظمات التركية التي حاولت عمل تدريبات سريعة كالإسعاف النفسي للأشخاص المختصات-ين داخل سوريا لتدعمهن-م بدايةً ليتمكن-وا من مساعدة الآخرين.

التحديات التي تواجه توفير الدعم النفسي للقطاع الإنساني

تواجه المنظمات الإغاثية بعض التحديات في توفير الدعم النفسي كنقص الموارد وقلة الخبرات والكوادر النفسية، بالإضافة للتكاليف العالية للدعم النفسي. 

في هذا الجانب تروي هدى لنا قصتها مع طفلة فقدت عائلتها أثناء الزلزال ودخلت المشفى. – تتابع هدى أنه، عند حدوث الزلزال الثاني وانقطاع التيار الكهربائي، عادت الفتاة للصدمة ذاتها التي تعرضت لها في المرة الأولى، “لنفرض أنها في المرة الأولى تعرضت لاضطراب ما بعد الصدمة لخسارة عائلتها، ففي المرة الثانية تكرار الصدمة يجعلها شديدة جدًا”. 

في هذه الفترة كانت هدى تعمل ضمن فريق منظمة “هذه حياتي” وطلب منها الفريق التوجه للفتاة لتقديم المساعدة النفسية لها، عن طريق التواصل مع شخص ذو خبرة أوسع..

تشكو هدى من عدم وجود الفرق المتخصصة اللازمة لمثل هذه الكوارث في المنطقة، “قلة الخبرات في المجال النفسي تجعل الوضع كارثي بشكل كبير لعدم القدرة على تقديم الدعم اللازم للضحايا.”

تقول هدى: “على مستوى الشمال السوري كاملًا، لا يوجد سوى ثلاث أطباء نفسيين فقط في مدينة إدلب ومنطقة عفرين وعلى الشريط الحدودي، وهم ليسوا قادرين على استيعاب الحالات النفسية كاملة للمنطقة”. بالإضافة لوجود “طبيب رأب فجوة” وهو غير مختص بالطب النفسي ويكون معالج أو مرشد نفسي، ولكن يخضع لتدريبات مكثفة تمكنه من التعامل مع الأشخاص ووصف العقاقير الطبية لهم، ونشأ هذا الاختصاص بسبب نقص الأطباء المختصين في الشمال السوري. 

خلال كارثة الزلزال لم تكن أجور الدعم النفسي عالية كعادتها في الشمال السوري، تعاونت عدد من المنظمات مع العاملين في القطاع النفسي لسدّ هذه الحاجة لدى المتضررين فتمّ تقديم الدعم النفسي بشكل مجانيّ من قبل عدد من المختصين، عدا عن الأطباء الذين استمروا بتقاضي أجورهن-م من المستفيدات-ين ولكن بشكل رمزي. 

عملت هدى في مجال الإسعاف النفسي الأولي وتوجهت  للأشخاص حديثي الصدمة، من خلال الإغاثة عن طريق تأمين المأوى أو السلات الإغاثية. بالإضافة لذلك، قامت بتقديم بعض النصائح النفسية الإسعافية التي تمكن الشخص من استيعاب الصدمة النفسية التي يمر بها.

بشكل عام يتم تمثيل القطاع النفسي في الشمال السوري بطريقة خاطئة، بسبب الداعم الذي غالبًا يكون من ثقافة وسياسة مختلفة عن البيئة الموجودة في المنطقة، ولهذا يسعى المختصات-ون في الشمال السوري لتقديم توصيف يراعي خصوصية المجتمع السوري.

في الختام، يمكن القول إن العاملات في القطاع الإنساني في سوريا يواجهن مجموعة من التحديات، بما في ذلك التأثيرات النفسية التي قد تنجم عن العمل في بيئة صعبة ومرهقة. من المهم أن تكون العاملات على دراية بهذه التأثيرات، وأن يحصلن على الدعم اللازم للتغلب عليها.

يمكن أن تلعب منظمات الإغاثة الإنسانية دورًا مهمًا في توفير الدعم النفسي لعاملات القطاع الإنساني، حيث يمكن تحقيق ذلك، من خلال توفير التدريبات المتخصصة وتطوير أدوات وبرامج الدعم النفسي. كما يمكن لمنظمات الإغاثة الإنسانية العمل على رفع مستوى الوعي بالتأثيرات النفسية التي قد تواجهها العاملات في القطاع الإنساني.

                                                                                                                                                       سارة عابدي – صحافية سورية

الجانب النفسي لعاملات القطاع الإنساني خلال كارثة الزلزال في سوريا - الصحفية السورية سارة عابدي

Comments are closed.