الاستغلال الجنسي انتهاك تواجهه بعض المستفيدات من أعمال الإغاثة
الاستغلال الجنسي انتهاك تواجهه بعض المستفيدات من أعمال الإغاثة
“سأقْطع عَنْك المعونة اِبتِداء مِن الشَّهْر القادم إِذَا لَم توافقيّ على سَهرَة مَعِي هَذِه اللَّيْلة ” هذَا ماهمس بِه اَلمُوظف، منتصر محمود (اِسْم مُستعَار) 50 عاماً، فِي مَجَال التَّوْزيع لِوفاء (اسم مستعار) بِصَوت خَافِت فِي مَنزلِه، وذلك بَعْد حُضورِهَا لِلسُّؤَال عن اَلموْعِد القادم لِاسْتلام السَّلَّة الغذائيَّة مِن اَلمجْلِس المحَلِّيِّ فِي مدينة تقع شَمَال إِدْلِب. لَيسَت وَفَاء وحْدهَا من تمَّ اِسْتغْلال حَاجتِها المادِّيَّة لأغراضٍ جنسيّة فهناك اَلعدِيد مِن النساء اللَّواتي تعرَّضْن لِلاسْتغْلال اَلجنْسِي مُقَابِل المساعدات المادِّيَّة بَعْد قِيَام الحرْب السُّوريَّة. ظاهرةٌ ملحّة لم تنتهِ بعد، رُغمَ اعتماد سياساتٍ للشَّكوى والعقوبات ضمن المنظَّمات الدَّاعمة والْعاملة فِي سُورْيَا.
وفي سياق مدى فاعلية سياسات المنظمات الإغاثية الخاصة بالتبليغ عن التحرش والاستغلال الجنسي الذي يرتكبه موظفوها ضد المستفيدات، تَقُول وَفَاء “لا أدري إن كنت قادرةً على التقدم بالشكوى، فأنا أخاف انتقام المندوب، سيما أنني نازحة غريبة وهو من سكان المكان، لذلك لم أتقدّم بالشكوى واكتفيتُ بالتنازل عن حقي بالمساعدة، حفاظاً على نفسي”.
بهذا الصدد يقول ممثل المجلس المحلي في المدينة، سليم كامل (اسم مستعار) “لَا يمكننَا إِهمَال الشَّكْوى فِي هَذِه اَلأُمور إِذَا تمَّ الإبْلاغ عَنهَا مِن قَبْل أيَّ اِمرأَة مُسْتفيدة، ونحاول إِبْلاغهَا لِلْمكْتب القانونيِّ وَيتِم التَّحَقُّق مِنهَا، وَتتِم مُعَاقبَة مِن يَثبُت تَورطُه بِعقوبات تَشمَل السِّجْن والْعقوبة الماليَّة لَكِننَا فِي المجالس المحلِّيَّة لَم نَتلَق أيُّ شَكوَى حَتَّى الآن مِن هذَا النَّوْع”. فيما يختلف الأمر بالنسبة للمنظمات في سوريا وعملها الذي طرأ عليه الكثير من التطورات، خاصة بعد انتشار الوعي لدى النساء من خلال جلسات الوعي (PSEA)، والتي تم تفعيلها في الكثير من تلك المنظمات، بالإضافة لسياسات التصدي للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي كآليات التبليغ والإجراءات التأديبية والعقابية واستراتيجيات دعم الضحايا.
فسَجَّل تَقرِير صَادِر عن صُنْدُوق اَلأُمم المتَّحدة تقْييمًا لِلعنْف القائم على نَوْع الجنْس فِي سُورْيَا عام 2018 وَخلَص فيه إِلى “أنَّ المساعدات الإنْسانيَّة يَجرِي تبادلهَا مُقَابِل الجنْس فِي مُخْتَلِف المحافظات فِي البلَاد ” وَسلَّط التَّقْرير اَلذِي جاء تَحْت عُنْوان أَصوَات مِن سُورْيَا 2018 على أَمثِلة مِن “النِّسَاء والْفتيات اللَّواتي تزوَّجْن بِمسْؤولين لِفتْرة قَصِيرَة مِن الزَّمن لِتقْدِيم الخدْمات الجنْسيَّة مُقَابِل اَلحُصول على الطَّعَام.” وعن آليَّة الشَّكْوى ونظام العقوبات فِي المنظَّمات تَتَحدَّث النَّاشطة الإنْسانيَّة، صَبَاح بُرغُل مِن مُنَظمَة الإحْسان في الشمال السوري عن تَفعِيل اَلخَط السَّاخن لِلشَّكْوى فِي مُنَظمَة الإحْسان فتَقُول: “أيُّ شَكوَى تَردنَا مِن أيِّ مُسْتفِيد ضِدَّ أيِّ عَامِل فِي المنظَّمة، تَقُوم المنظمة بِالاسْتجابة خِلَال 24 سَاعَة وَيتِم اِتِّخاذ إِجرَاء فصْل الْعامل مِن قَبْل المكْتب القانونيِّ بِالْمنظَّمة بَعْد التَّحْقيق والتَّأكُّد مِن صِحَّة الشَّكْوى”، وَأَضافَت صباح: “إِنَّ هُنَاك جَلَسات تَوعِية دَورِية تُقيمهَا المنظَّمة بِهَدف الوقاية مِن أيِّ اِسْتغْلال جِنْسِي مُحتَمَل، نشرح فيها عن آلية الشكوى وطرق الاستجابة وأشكال الاستغلال الجنسي، تستهدف العاملات في المنظمة والمستفيدات على حد سواء”.
يجدر بالذكر، أن مُنَظمَة اَلأُمم المتَّحدة لِلْمرْأة قد أوصت بِاتِّخَاذ الإجْراءات الوقائيَّة ووَضْع سِياسَات وإجْراءات صَارِمة لِمَنع الاسْتغْلال اَلجنْسِي، وتطْبيقهَا بِشَكل فَعَّال، مثل تَوفِير التَّدْريب لِلْموظَّفين حَوْل قضايَا الاسْتغْلال اَلجنْسِي، وَكيفِية التَّعَرُّف عليْهَا ومنْع حُدوثِهَا. وإِنشَاء قَنَوات آمِنَّة لِلْموظَّفين لِلْإبْلاغ عن حالات الاسْتغْلال اَلجنْسِي. بالإضافة إلى التَّعاون مع المنظَّمات اَلأُخرى العاملة فِي مَجَال مكافحة الاسْتغْلال اَلجنْسِي فِي إِدْلِب.
غَيْر أنَّ الواقع أكثر تعقيداً وخاصة بِالنِّسْبة لسكَّان المخيَّمات، كُونَ أنَّ مُعظَم المسْتفيدات تَكُون علاقتهنَّ مباشرة وحصرية مع مَندُوب اَلمُخيم فهُو يَعتَبِر اَلوسِيط بَيْن السكان وبيْن مَا يَرُد مِن مُنظمَات مُختلفَة قد لا تعلم النساء بِاسْمها أصْلاً، مِمَّا يُسهِّل عَمَليَّة الاسْتغْلال الجنسيّ ويُبطل فاعلية سياسات التصدي له. كما حصل لبُشرَى (اسم مستعار)، 35 عاماً، التي استغلّها جنسياً مندوب المخيم الذي تسكنه بريف حلب الشمالي، مُجبراً إياها على ممارسة الجنس معه كمقابل لحقها المشروع في الحصول على المعونة الخاصة بمادة التدفئة وهي المازوت. أساء المندوب استخدام السلطة التي منحه إياها منصبه واتبع نهج أيّ مغتصِب في حالته، فقدّم لبشرى كميات وافرة من المازوت بالإضافة إلى العديد من الهدايا كقطع الذهب، حسب قول بشرى، وأضافت: “لَم أَكُن أَشعُر بِالرَّاحة أَثنَاء علاقَتي لَكننِي كُنْت مُجبَرَة على مُسايرته لِلْحصول على المازوتِ وَبَقيَّة حَوائِجي لِفتْرة مِن الزَّمن قَبْل أن أَرُد لَه هدايَاه مِن الذَّهب وأقْطع علاقَتي معه نهائياً”. وذلك بالرغم من تهديده لها عدة مرات بإيقاف معونتها من المازوت وغيرها في حال تصدّت لاعتدائه، مستغلاً لوضعها الاقتصادي والاجتماعي الهشّ كأرملة وأم وحيدة لأطفالها.
كعائقٍ إضافيّ، تواجه النساء والفتيات ضحايا الاستغلال الجنسيّ صعوبة بالغة في الحديث عن تجاربهنّ، ليس لكونها صادمة ومؤذية فحسب؛ بل لأنها تُلحق بهنّ وصمة اجتماعية مجحفة كذلك. إلّا أن بشرى تجرأت على سرد قصتها كي تساهم في كسر ذلك الحاجز وإلقاء الضوء على هذه الممارسة الاستغلالية المؤذية نفسياً واجتماعياً، حسب وصفها. ونصحت بشرى كل امرأة تتعرض للاستغلال بالشكوى للجهات المسؤولة بالمنظمة بما أن الشكوى تسمح بالسرية، وذلك كي تحصل على حقها بدون مقابل وتوفر على نفسها الأذى النفسي والجسديّ والاجتماعي، و عن هذا الأذى تتحدث المرشدة النفسية فاتن السويد من كفرنبل فتقول: “إن الاستغلال يسبب الاكتئاب وفقدان العمل، والقلق، والصدمة، وفشل الحياة الاجتماعية”.
تُوضّح قصة بشرى استراتيجية المُعتدي في اختيار ضحاياه والزمان والمكان المناسبين لممارسة استغلاله دون عواقب، ففي حين أن النساء والفتيات من كافة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمناطق الجغرافية..الخ غير مستثنيات من احتمال وقوعهنّ ضحايا للعنف؛ إلا أن بعض المعتدين يلجؤون لاختيار اللائي هنّ أكثر هشاشة اجتماعية واقتصادية، ويمارسون استغلالهم في بيئة غير آمنة. الأمر عينه حدث مع بشرى، على اعتبارها أرملة، وأم وحيدة، ونازحة في مخيم غير آمن. وهذا ما أكدته المرشدة النفسية فاتن عندما أشارت إلى “عدم القدرة على إغلاق باب الخيمة بشكل محكم وآمن”. تقترح من جهتها الأخصائية الاجتماعية وضحة العثمان حلولاً تساهم في الحدّ من ظاهرة الاستغلال الجنسي في المخيمات وحماية النساء والفتيات. تبدأ بأن يكون هناك فريق مختص ومختار بطريقة مضمونة لكل منظمة يقوم بنفسه بتوصيل المعونة إلى يد المستفيد/ة بدلاً من مدير المخيم، ومنع التواصل المنفرد والشخصي بين المستفيد/ة والموزع، وأن تتم عملية توزيع المساعدات بكافة أنواعها في مكان عام لتفادي اضطرار النساء للذهاب إلى أماكن منعزلة وحدهنّ.
وفي السياق عينه، قالت المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للمرأة روز ماري: “إن انخفاض نسبة الاستغلال الجنسي في المنظمات العاملة في إدلب إنجاز مهم ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لمكافحة هذه الظاهرة بسبب آثارها السيئة على جميع نواحي حياة الفرد والمجتمع”. ومن الآثار السيئة التي ذكرتها روز ماري صعوبة الحصول على عمل جديد أو فقدان الثقة بالآخرين، وآثار أخرى على المنظمات مثل فقدان الثقة من قبل الموظفين والجمهور أو انخفاض التمويل.
وقد اهتمت منظمات نسائية عديدة شمال سوريا في نشر الوعي لمنع الاستغلال الجنسيّ عن طريق التدريبات المجانية حول الموضوع على سبيل المثال، والتي استفادت الصحفية والكاتبة راميا (اسم مستعار) من إحداها وحصلت على شهادة معتمدة، وتقول: ” استفدتُ منها كثيراً، أرجو أن تصل مثل تلك الجلسات في الوعي إلى كل فتاة في بلدي”.
كما أكدت واضحة العثمان على ضرورة نفي الخجل والخوف من تقديم الشكوى في حال ملاحظة أيّ نوع من هذا الاستغلال”.
يجدر التنويه إلى أن الأرقام المشيرة إلى مدى انتشار ظاهرة العنف الجنسيّ لا تعبّر عن الواقع بدقة، في ظلّ اعتمادها على عدد التبليغات والشكاوى الواردة من الضحايا، ومن المعروف أن نسبة كبيرة منهنّ لا يعتبرن التبليغ خياراً مناسباً لحمايتهنّ من العنف ومرتكبيه ومن وصمهنّ اجتماعياً. وهنا تأتي أهمية العمل المستمر على تطوير وملائمة سياسات وإجراءات التصدي للعنف الجنسيّ والعنف القائم على النوع الاجتماعي والوصمة الاجتماعية المحيطة به، في كافة المنظمات والمؤسسات لتضمن تطبيق وقاية واستجابة فعالة وحساسة للسياق المحليّ، بما يسمح للضحايا بتوظيفها من أجل حماية أنفسهنّ. لكنّه من المؤكد أيضاً أن جميع الحلول التي اقترحها المقال؛ لا يمكن لها وحدها أن تُحدث النتيجة الواجبة، دون إنفاذ حازم وعادل للقانون من قبل السلطات والمجالس المحلية في المنطقة، كجهات تتحمّل المسؤولية الأولى والأساسية في وقاية وحماية كافة السكان من كل أشكال العنف والاستغلال.
مها الأحمد – كاتبة
الاستغلال الجنسي مشكلة بعض النساء بسبب العمل الإغاثي شمال سوريا - مها الأحمد