مؤثرة وفاعلة.. مبادرات نسائية محلية ناشئة شمال غرب سوريا
مؤثرة وفاعلة.. مبادرات نسائية محلية ناشئة شمال غرب سوريا
ضاعفت كوارث الحرب والقصف والزلزال من معاناة الأهالي شمال غرب سوريا، حيث أضافت احتياجات جديدة اقتصادية ومعيشية ونفسية، ما زاد الجهد المطلوب من المنظمات المحلية والدولية لتأمين أدنى متطلبات الحياة للمتضررين والمتضررات، ومن هنا ظهرت مبادرات محلية نسائية ساعدت بالاستجابة لتلك الكوارث رغم الإمكانيات المحدودة.
حيث سارعت العديد من المجموعات النسائية التطوعية شمال غرب سوريا لتقديم دعم سريع وأولي لتحسين واقع المتضررين/ات ضمن مبادرات هدفها تخفيف الآثار الكبيرة التي تركها القصف، وزلزال سوريا بتاريخ 6 شباط/فبراير 2023 على الأهالي القاطنين/ات في شمال غرب سوريا، والذين/ن يعيشون/ن أساساً ظروفاً حياتية ومعيشية صعبة.
تضمنت تلك المبادرات جمع تبرعات عينية كمواد غذائية تموينية، أو ملابس، أو بطانيات، أو وجبات غذائية، يضاف إليها خدمات النقل للمشافي، أو للعلاج، أو الدعم النفسي، وذلك من خلال وصلهم/ن بجهات داعمة قد تساعدهم/ن وتؤمن مبالغ مالية للمتضررين/ات، تمكنهم/ن من الوصول بأنفسهم/ن للخدمة التي يحتاجون/يحتجن إليها.
وبعد مضي 12 عاماً منذ أن اندلعت الحرب في سوريا، وكذلك وقوع حادثة الزلزال، من الأهمية التأكيد على تمكن العديد من النساء السوريات من إدارة مبادرات إنسانية بكل كفاءة، وفي كافة المجالات سواء الإغاثية، أو الطبية، أو النفسية..الخ، وذلك بالرغم من وجود مجموعة تحديات وعوائق اجتماعية كالعادات والتقاليد، والتي تحد من قدرة العديدات منهن على قيادة المبادرة النسائية التشاركية.
لم تستوعب وفاء العبد الله (26 عاماً) أن تبقى بعيدة عن تقديم المساعدة لمتضررات الزلزال ، حتى وإن كانت تعيش ضمن خيمة وحالتها المادية ضعيفة، حيث آثرت العمل على فعل شيء يخفف من الضغوطات المتزايدة للمتضررات وعوائلهن.
وبالتنسيق مع عدد من جاراتها قصدن مراكز الإيواء في المخيم الذي يعشن فيه شمال غرب إدلب، وبدأن بتقديم عروض المساعدة لكل من تطلبها عبر تأمين بعض المستلزمات الصحية، والأدوية، ووجبات الطعام.
وأنشأت مع جاراتها مطبخاً صغيراً مجانياً، حضرن فيه أنواعاً من المأكولات والوجبات لتقديمها لمتضرري ومتضررات الزلزال، لاسيما النساء والأطفال، وتقول وفاء واصفة حال العوائل المتضررة: “بدا التعب والبؤس على وجوه النساء، الأطفال يجلسون في أحضان أمهاتهم باحثين عن ملاذ آمن بعد ما لاقوه من رعب الزلزال والخروج من براثن الموت، رضع يبكون جوعاً، والخوف مما هو آت والبرد كان سيد الموقف”.
لم تستطع وفاء نسيان تلك المشاهد المؤثرة، وأكثر ما يواسيها أنها ساهمت بدعم عدد من النساء داخل مركز الإيواء وتلبية متطباتهن.
من جانبها طوعت سها الرضوان (41 عاماً) خبرتها في التمريض من أجل تقديم المساعدة الطبية لمتضرري/ات الزلزال، وعملت بالتعاون مع مجموعة نساء أخريات على جمع المعلومات الصحية لعدد من الحالات المرضية والمصابين/ات وكبار السن، وعرضت تلك الحالات على متبرعين ساهموا بتأمين ما يلزم من أدوية ومتابعات علاجية.
تقول سها: “لفت انتباهي وجود الكثير من المصابين/ات والمرضى بين أعداد متضرري/ات الزلزال ممن لجأوا/ن للمخيمات باحثين/ات عن الأمان بعد ليلة رهيبة ذاقوا/ن فيها رعب الزلزال بكل أهواله، وهنا خطر لي التحرك لتقديم المساعدة”.
عملت سها مع فريق من النساء المتطوعات لتقديم الدعم لمتضرري/ات الزلزال، وإحصاء الأعداد التي تحتاج إلى أدوية ومتابعات علاجية، وتقديم خدمات قياس ضغط الدم والسكري عبر الأجهزة البسيطة التي بحوزتها، إضافةً إلى المساعدة في تركيب السيرومات (المحاليل المائية/الملحية) والقساطر وضرب الحقن العضلية.
أما روعة الحسين (57 عاماً ) فلم يمنعها إصابتها بأمراض مزمنة من تقديم يد العون أيضاً، عبر مبادرة سعت لتشكيلها مع عدد من نساء المخيم لتوفير المأوى المؤقت والمواد الإغاثية الطارئة لمتضرري/ات الزلزال، إضافةً إلى تقديم خدمات الدعم النفسي.
تقول روعة: “أن الأعداد التي قصدت مخيمهم/ن الواقع على أطراف مدينة كللي شمال غرب إدلب كانت كبيرة والاحتياجات متزايدة، وضاقت مراكز الإيواء التي أنشاتها منظمات المجتمع المدني على عجل ذرعاً بالأعداد الكبيرة، لتبقى عائلات بلا مأوى وسط البرد القارس، وهنا سارعت لتقديم يد العون بمشاركة جاراتها اللواتي لم يترددن بالانطلاق وتقديم المساعدة”.
وتصف روعة طريقة المساعدة التي قدمها سكان المخيم وتقول: “ساهمت كل عائلة تمتلك خيمتين بتقديم إحداها لمتضرري الزلزال، بكل مافيها من مفروشات وأدوات منزلية، بغية حصول العائلات المتضررة على نوع من الأمان والشعور بأنهم/ن ليسوا/ن لوحدهم/ن في مواجهة الكارثة التي تعرضوا/ن لها”.
وأضافت أن كل ما قدم من مساعدات سواء على مستوى المنظمات أو الجمعيات أو المبادرات المحلية ما يزال دون المستوى مقارنةً مع النتائج الكارثية للزلازل على جميع الأصعدة، ودعت لوضع حلول جذرية لإنهاء مأساة الآلاف الذين/ اللواتي ما يزالون/ن يفتقدون/ن السكن الآمن واللائق والاحتياجات الأساسية.
في هذا السياق يؤكد مدير مخيم الرحمة في قاح عمر المحمود (43 عاماً ) على أهمية المبادرات النسائية التطوعية ودورها في تقديم المساعدات الإنسانية ليس لمتضرري/ات الزلزال وحسب، وإنما لضحايا التهجير والقصف والنزاعات على مدى سنوات، عبر تقديم الدعم ومنح الكثير من الخدمات المادية والمعنوية للمتضررين/ات، حيث تمكنت العديد من النساء من ترك بصمة واضحة في كل الكوارث التي شهدتها المنطقة.
وأشار إلى أهمية تلك المبادرات التي عملت بشكل تكاملي مع إدارة المخيمات من حيث التشبيك، وسرعة التواصل والاستجابة، والتعاطف، ورصد أعداد المتضررين/ات الوافدين/ات إلى المخيمات، وتقييم احتياجاتهم/ات وتأمينها بالتعاون مع إدارة المخيمات ومنظمات المجتمع المدني.
من جهتها تصف حنان البكري (31 عاماً) إحدى متضررات الزلزال أنها خرجت من براثن الموت مع عائلتها متعبة، منهكة، وقد فقدت كل شيء، وعاشوا/ن ظروفاً نفسية صعبة، غير قادرين/ات على إيجاد مأوى أو خدمات، وتقول:” انطلقنا هائمين/ات على وجوهنا ولم نجد بدا من قصد المخيمات القريبة حيث الخدمات الطبية خجولة ومحدودة، والبنية التحتية معدومة، وحياة الناس هنا يرثى لها”.
وتابعت: ” كان هناك نساء جاهزات ومستعدات لتقديم الدعم والمساعدة للأهالي المنكوبين/ات، كن قادرات على تقديم الدعم الإغاثي والنفسي وتأمين بيوت وخيام للأشخاص الذي/اللواتي بلا مأوى وتقديم الاحتياجات الضرورية، لاسيما مستلزمات واحتياجات النساء والتي ازدادت بعد كارثة الزلزال، وسجلت هؤلاء النساء أدواراً فاعلة في العمل المدني والإغاثي، حيث كانت مبادرات نسائية تطوعية، قدمت ما بوسعها لنشعر بالأمان والتضامن، ورغم محدوديتها وبساطتها كانت فاعلة ومؤثرة”.
وعن أثر عمل العديد من النساء ومشاركتهن ضمن مبادرات محلية، وانعكاس ذلك على المرأة والمجتمع بشكل عام، وذلك بحسب ما أشارت له المرشدة النفسية والاجتماعية غفران الجندي وتقول: “إن سعي المرأة في خدمة المجتمع وقضاء حوائج الناس يحقق راحة نفسية وسعادة معنوية كبيرة لها ونتائج إيجابية ليس للمرأة وحسب وإنما على المجتمع بشكل عام”.
وأضافت إن عمل العديد من النساء في المجتمع السوري يواجه مجموعة من التحديات التي تعوق مشاركتهن وتحول دون القيام بدورهن في العمل التطوعي بالشكل الأمثل، أهمها العنف القائم على النوع الاجتماعي كالتنمر، وسيادة الفكر الذكوري الذي يقف في وجه مشاركتهن في أي نشاطات خارج القوقعة التي وضعهن فيها، بالإضافة إلى عدم وجود تنظيمات تدير وتدعم العمل التطوعي، وفق قولها.
وتتابع غفران: “تمكنت الكثير من النساء من اكتساب مهارات جديدة، وكسر الحاجز النمطي والانفتاح على العمل التطوعي، ما ساهم بشكل تدريجي بتطور مشاركتهن وتنمية قدرتهن ووعيهن ومعرفتهن، ومن ثم تحقيق ذاتهن، والإسهام الواعي في بناء المجتمع على مختلف الاصعدة المادية والاجتماعية والسياسية” .
ودعت الجندي لنشر ثقافة التطوع ودعم استمرارية المبادرات النسائية المحلية، والعمل على الارتقاء بمستوى العمل التطوعي عبر التدريب وتكريس العمل الجماعي، لأنه يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح نحو دعم وتطوير الأنشطة المجتمعية المحلية لمواجهة التحديات والكوارث الداخلية، بعيداً عن انتظار المساعدات الخارجية التي لطالما وصلت متأخرة وأثبتت فشلها في الوصول بالأوقات المناسبة.
من الأهمية التأكيد على قيمة الأعمال التي تقوم بها العديد من النساء السوريات، فعلى الرغم من وجود مجموعة من العوائق المجتمعية التي تحد من قدرة العديدات منهن، وتعمل على تنمطيهن في كثير من الأحيان، وكذلك ما شهدته المنطقة من أحداث كالقصف، واستمرار حركات النزوح واللجوء وتلاها وقوع الزلزال، إلا أن الكثيرات منهن استطعن النهوض، وأثبتن جدارتهن من خلال قيامهن بعدد من الأعمال التطوعية والخيرية على اختلاف أشكالها، كالمشاركة في التعليم التطوعي، والتمريض، والتثقيف، والإعلام ومساعدة الأسر المحتاجة. كما ساهمت العديدات من خلال النضال النسائي في تسليط الضوء على المشاكل المختلفة التي قد تواجهها المرأة السورية، وحاولت تقديم الدعم لهذه المشكلات والقضايا.
هاديا المنصور – صحافية سورية من إدلب
مؤثرة وفاعلة.. مبادرات نسائية محلية ناشئة شمال غرب سوريا - الصحفية السورية هاديا المنصور